لا مكان للأميركيين بيننا
هل يعقل أن يبقى للولايات المتحدة وجود ومصالح سياسية واقتصادية وثقافية في بلاد العرب والمسلمين، وهي تشنّ حرباً لا هوادة فيها عليهم؟ زمرة الصهاينة المعتوهين الذين يقودون السياسة الأميركية حالياً مقتنعون بإمكانية ذلك نتيجة لهزال الأفعال، وليس ردود الأفعال، في مواجهة سياسة الحرب المعتمدة من قِبَلهم. لقد بات المطلوب هو أن يدرك شعبهم ونخبهم استحالة استمرار هذا الوجود وهذه المصالح. شراسة حربهم علينا يجب ألّا تمنعنا من إدراك واقع التراجع الكبير لقوتهم، ووجود انقسامات كبيرة في أوساط المؤسسة السياسية الأميركية، وغياب الإجماع الاستراتيجي بين نخبها، والاستقطاب الواضح داخل المجتمع الأميركي، والذي عمّقه ترامب إلى حدّ دفع العديد من المحللين إلى الحديث عن «أميركتين». بكلام آخر، العدو اليوم أضعف من السابق، ما يعني أن قدرته على احتمال فعلنا، وانعكاساته السياسية الخارجية والداخلية عنده، وهي الأهمّ، أقلّ، أي أننا أمام فرصة سانحة لتصعيد النضال ضدّه وتحقيق انتصارات فعلية.
جميع العرب الذين شاركوا في همروجة الإعلان عن صفقة ترامب خونة، وكذلك مَن رحّبوا بجهوده
أن يصبح وجود الولايات المتحدة ومصالحها في دائرة الاستهداف السياسي والعسكري نتيجة صلافة دونالد ترامب هو أمر سيؤجّج التناقضات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ولن يتردّد خصوم الإدارة الحالية الكثر في استغلاله ضدّها، ما سيزيد من هشاشة موقفها. معركتها مع محور المقاومة تشهد احتداماً منذ اغتيال القائدَين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، ويأتي إشهار صفقة ترامب ليوفر مناسبة لتوسيع دائرة المواجهة المتعدّدة الأشكال، السياسية الشعبية والعسكرية، حيث كان ذلك ممكناً، معها. القوى المعنيّة بمصير فلسطين والقدس، مهما كانت خلافاتها الأيديولوجية والسياسية، تستطيع اليوم أن تتقاطع على الأقلّ في هذه المعركة، وأن تستخدم فيها جميع الوسائل الضرورية والناجعة، بهدف طرد الأميركيين من المنطقة وإلحاق الهزيمة بالصهاينة. صدقية جميع القوى الوطنية واليسارية والإسلامية على المحكّ، والمعيار هو دورها في المعركة الوجودية الحالية. من لا يعلن الحرب على الأميركيين متخاذل، خارج عن الصف الوطني في أحسن الأحوال.
الويل للخونة
الاحتدام الحالي للحرب مناسبة للعودة إلى تسمية الأمور بأسمائها. جميع العرب الذين شاركوا في همروجة الإعلان عن صفقة ترامب خونة، وكذلك مَن رحّبوا بجهوده. وكما تدحرجت رؤوس، وسقطت عروش وأنظمة في المنطقة في مراحل تاريخية ماضية، على السلالات والعصابات الحاكمة المتواطئة أن تشعر بالملموس أن لخيانتها ثمناً مهولاً. هذه الأنظمة هي الأخرى أضعف من السابق بما لا يقاس، وفاقدة للحدّ الأدنى من الشرعية، وهي تعرف حدود قدرة الراعي الأميركي على حمايتها. الحرب تبدأ بالكلمات، وهؤلاء يدركون ما يترتب على تسميتهم بالخونة من قِبَل القوى الحية في الأمة. مصير القدس وفلسطين والأمة على المحكّ، ومن ليس معنا فهو ضدنا!