ليست حادثة الحريق الأخيرة منفصلة عن مسلسل انعدام السلامة العامة، وخصوصاً في أماكن العمل. في كلّ مرة تنشغل وسائل الإعلام بتغطية حوادث مشابهة، وينزل المسؤولون إلى مسرح الجريمة لتحميل المسؤوليات وإعطاء وعود، من دون أن يتغيّر شيء. وليس بعيداً عن الذاكرة الحريق الذي التهم مستودعاً للأقمشة والبرادي في طريق المطار في آب الماضي، والذي استغرق إخماده تماماً نحو أسبوعين وتسبب باستشهاد العنصر في الدفاع المدني محمد الديدي وبخسائر مادية كبيرة. فيومها، طُرحت الأسئلة نفسها عن تخزين كمية كبيرة من القماش والبرادي الخارجية داخل مبنى سكني من دون ترخيص، ومن دون تركيب نظام مكافحة الحرائق، والأمر نفسه ينطبق على عشرات المستودعات والمخازن والمصانع التي تنتشر كقنابل موقوتة في المناطق السكنية.
افتقر المطعم إلى الترخيص وإلى نظامٍ لمكافحة الحرائق ومخرج للطوارئ
ويلفت المهندس المتخصّص في أنظمة مكافحة الحرائق والسلامة العامة هادي تقي إلى انّ «أغلب المؤسسات باختلاف تصنيفاتها تفتقر إلى شروط السلامة العامة، والتي تلتزم منها بأنظمة حماية جيدة يكون الدافع تلبية شروط شركات التأمين ليس إلا». ويعيد ذلك إلى سببين أساسيين، هما الفجوة القانونية وضعف فعالية البلديات. ويوضح أن مرسوم السلامة العامة الرقم 7963/2012، «يشمل مخاطر الحرائق والزلازل والمصاعد، ويحدد شروط إنشاء المؤسسات لجهة موقعها وتقسيماتها ومجال الاستثمار، وتحديداً نوعية المواد المستخدمة. كما يفرض مراجعة مكاتب التدقيق الفني للإشراف على الالتزام بإجراءات السلامة العامة قبل الحصول على الترخيص». مشكلة المرسوم، بحسب تقي، «أنه أولاً يحصر الرقابة بعدد من المؤسسات الكبيرة كالفنادق، ولا يشمل جميع المؤسسات، وثانيا أنه مبهم، فإذا قرّر أحدهم استئجار المكان لأغراض غير التي صُمّم من أجلها هل يُفرض عليه تدقيق فني؟ وهل تكشف البلديات على التزام المؤسسات المرخص لها بالشروط، وخصوصاً إذا قرر أصحابها إنشاء أقسام جديدة؟». وهنا تبرز المشكلة الثانية المتمثلة «بتخلّي البلديات عن دورها في الرقابة والإشراف على حيازة المؤسسات للتراخيص، وشروط السلامة العامة قبل الترخيص لها مثل توفر نظام الإنذار ومكافحة الحرائق والمطافئ اليدوية بالعدد والنوع المطلوبين، وخطة الإخلاء، عدا عن التنبّه إلى نوع المواد وطريقة تخزينها بما يحفظ سلامة العمال والعامة».
لكن، عند طرح أيّ ملف محلّي يُصطدم بالمأزق نفسه حول قدرة البلديات على القيام بواجباتها في ظل الأزمة الراهنة. فيما يؤكد محافظ بيروت «مسؤولية وزارة السياحة وليس البلدية عن الترخيص للمؤسسات السياحية كالمطاعم وحاجة كلّ بيروت إلى حفلة للسلامة العامة»، واعداً بأن «تكثّف بلدية بيروت جولاتها للتأكد من حيازة المؤسسات التراخيص والالتزام بالشروط». لكنه، مجدداً، لفت إلى «التحديات التي تواجهها البلدية لجهة إضراب الموظفين وتراجع رواتبهم وأزمة النزوح السوري وانتشار المحال غير الشرعية التي كلما أقفلنا واحداً منها تعلو الصرخة بأننا نتسبّب بقطع أرزاقهم»، جازماً بأنّ شرطة البلدية «لا تملك القدرة على ضبط جميع المخالفات وما أكثرها، وتحتاج إلى تعاون شرطة قوى الأمن الداخلي».