وهذه الطريقة في الاحتساب كانت تمنح المصارف «هدية» تكمن في أنها ستحصل على جزء من أرباحها مباشرة من المؤسسة العامة للإسكان عند توقيع العقد، وستكون لها حصّة من الأرباح من الفائدة التي يدفعها طالب القرض.
لم يكن الأمر منصفاً للمستهلك ولا للمال العام، لكن حجم المشكلة وطبيعتها أفضت إلى إمساك المصارف بأفضلية في عملية التفاوض، خصوصاً في ظل وجود تعميم من مصرف يحدد سقفاً للإقراض بالليرة يوازي 25% من مجموع ودائعها. وبما أن المصارف كانت تسعى للفوز باتفاق يحدّد عملة الإقراض بالدولار بدلاً من الليرة نظراً لكون غالبية المصارف تجاوزت الحدود التي نص عليها تعميم مصرف لبنان، كان الاتفاق على التسليف بالليرة هو المقايضة التي جعلت عملية التفاوض تصبّ جزئياً لمصلحة المصارف.
المشكلة لم تكن تكمن في هذا الأمر، بل في أن المصارف لم تشبع. فيوم الثلاثاء المنتظر، قرّرت جمعية المصارف أن تردّ على الاتفاق الشفهي مع المؤسسة العامة للإسكان، بإصدار تعميم يقضي برفع أسعار الفائدة المرجعية إلى 11.50% على الليرة اللبنانية من دون أن تبلغ المؤسسة العامة للإسكان موافقتها أو أسباب الرفض للعرض المتفق عليه.
قرّرت جمعية المصارف رفع أسعار الفائدة المرجعية من دون أن تبلغ «الإسكان» بموافقتها أو رفضها للعرض
هذه الخطوة السلبية من الجمعية أعادت المفاوضات مع المؤسسة العامة للإسكان إلى نقطة الصفر. فقد تبيّن أن المصارف تريد تحقيق أكبر قدر من الأرباح التي يوفّرها المال العام. بحسب مصادر معنية، فإن القيادات المصرفية في لبنان تظن أنه ليس لدى المؤسسة أي خيار في هذا المجال إلا الخضوع لقراراتها، وهي لا تريد أن تقلص حجم أرباحها الناتج من هذا القرض الجديد ليرة واحدة، بل تريد الاستحواذ على ما تطاوله يداها.
في الواقع، إن الخيارات ليست ضيّقة كثيراً أمام المؤسسة العامة للإسكان، بل هناك «حلول أخرى» بحسب المصادر. لكن القرار سيأخذ الموقف نحو التعقيد لأن المصارف التي ترفض المشاركة في القرض الجديد بأسعار فوائد مقبولة، ستخسر فرصة تطوير محفظة تسليفاتها السوقية في هذه الأيام الصعبة، لا بل إن هذا الأمر ينطوي على تداعيات أخرى في محفظة المصارف، لأنها أصلاً متورطة في تسليف مصرف لبنان بنسب كبيرة، وهي أصلاً متورطة في تسليف الدولة بنسب كبيرة، وبالتالي فإن خسارة فرصة تطوير محفظة التسليفات السوقية سيرفع نسبة التركز في الدين السيادي ويرفع نسبة المخاطر عليها.