تهدّد النقابات الآن بمدّ مظلّة الإضرابات، بحيث تزيد أوقاتها وأعداد المشاركين فيها
وتهدّد النقابات، الآن، بمدّ مظلّة الإضرابات، بحيث تزيد أوقاتها وأعداد المشاركين فيها. وجدولت أكبر نقابات طواقم الإسعاف، بالفعل، إضرابات ليومَي 11 و23 كانون الثاني المقبل، ستستمرّ 24 ساعة لكلّ منها - أي ضِعف مدّة إضراب الأسبوع الماضي -، وستتّسع المشاركة فيها لتشمل أعداداً أكبر من أطقم الاستجابة المباشرة المرتبطين بخدمة الطوارئ. كذلك، أعلنت نقابة العاملين في التمريض أن لديها خططاً للإضراب تمتدّ لستّة أشهر مقبلة، قد تشمل مضاعفة عدد المشاركين تدريجاً للوصول إلى مائة ألف - أي عشرة أضعاف مَن انخرطوا في حراك الأسبوع الماضي -. وتعاني المنظومة الصحّية البريطانية، وهي آخر معاقل القطاع العام الرئيسة، نقصاً فادحاً في الاستثمار وضغوطاً للتخصيص، في ظلّ توجّه عام لدى «المحافظين» لبيع القطاع بالكامل لمستثمرين أميركيين. ولا شكّ في أن إضرابات العاملين في هذا القطاع ستؤدّي إلى مزيد من الأضرار في قدرة المنظومة على خدمة المواطنين، علماً أن الخبراء يَعتبرون في الأصل الخدمات الصحّية في بريطانيا أسوأ بكثير من مثيلاتها الأوروبية، حيث يتعيّن على المرضى في المملكة الانتظار لستّة اشهر على الأقلّ قبل الاستفادة من خدمات العمليات الجراحية غير العاجلة، مقابل شهرَين أو ثلاثة في ألمانيا أو فرنسا مثلاً.
ومع ذلك، فإن حجم الضغط الكلّي الذي تمثّله النقابات لا يزال إلى الآن قاصراً عن فرض تغيير في المعادلات. ومن دون توسّع الإضرابات إلى مؤسّسات القطاعات الأخرى ذات التوظيف الكثيف، مِن مِثل النقل البرّي والطاقة وسلاسل التجزئة، فستظلّ اليد العليا في هذا الصراع للحكومة. وتُراهن حكومة «المحافظين» على عامل الوقت لإنهاء «شتاء السخط» الحاليّ - وهي التسمية التي استعادتْها صحف لندن من فترة نهاية السبعينيات إبّان صراع الطبقة العاملة مع حكومة مارغريت تاتشر -. ويَفترض سوناك أن استنزاف صناديق النقابات التي تَدفع لموظّفيها ما يقيم أَوَدهم، سيدفع الكثير من العمّال إلى حافة الجوع، فيعودوا بالتالي إلى وظائفهم. وبالفعل، فإن قدرة تلك الصناديق على الصمود ليست كبيرة، فيما من المرجّح أن تصل إلى حافّة الإفلاس خلال أشهر قليلة. ولذا، شرعت النقابات في مناشدة الجمهور مساعدتها على تقديم التبرّعات لدعم العمّال المضربين، بينما يتطوّع بعض منسوبيها لبيع سترات وقبّعات وهدايا رمزية لجمع الأموال لصناديقها. كذلك، التزمت نقابات أخرى زيادة قيمة الاشتراكات الشهرية من أعضائها، وجدولة أسماء المشاركين في جولات الإضراب لتقليل التأثير على دخول الأفراد قدْر المستطاع. في المقابل، تُعوّل الحكومة على تآكل عزيمة النقابات، مستدعيةً في انتظار انهيارها جنود الجيش للحلول محلّ المضربين منها، على رغم وجود تململ علَني نادر من بعض كبار الضباط. ويعتقد بعض الوزراء بأن التأييد الشعبي المرتفع للعمّال قد يتراجع مع استمرار انقطاعات الخدمات، وارتفاع تكلفة البدائل. وبحسب استطلاعات للرأي، فإن ثُلثي الجمهور البريطاني يدعم إلى الآن إضراب طواقم الإسعاف وهيئات التمريض، فيما يحظى عمّال القطارات والمعلّمون أيضاً بتأييد أكثر من نصف المواطنين، مع توافق الغالبيّة المطلقة في كلّ الحالات على لوم الحكومة وأصحاب العمل - لا النقابات - على سوء الأوضاع.
لكن الأكثرية من البريطانيين تخشى أن يتكرّر انتصار حكومة «المحافظين» على العمال مجدّداً في عهد سوناك، تماماً كما حدث في عهد الراحلة تاتشر، إذ سيكون ذلك بمثابة تصريح مفتوح للحكومة للمُضيّ قُدُماً في سياسات التقشّف والخصخصة وتقليص القطاع العام من دون معارضة تذكر، ودائماً على حساب الطبقات العاملة والفقيرة والمهمَّشين. لكن تلك الأكثريّة، وبغير مشاعر التضامن الشكلي مع المضربين، تبدو عاجزة عن التحرّك الفاعل لدعم النقابات، ومفتقدة بشدّة إلى القيادة السياسيّة القادرة على خوض مواجهة على المستوى الوطني، فيما تقوم أحزاب المعارضة الملَكيّة بدور ديكور محض لأنشطة «المحافظين». وتريد الحكومة، الآن، تمرير تشريعات جديدة تمنح قوات الأمن صلاحيات إضافية لقمع التحرّكات الشعبية، ما يشير إلى أنّها ليست على استعداد لتقديم أيّ تنازلات مجّانية.