بكين | ختتم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمس، زيارة دولة استمرّت ليومين إلى الصين، بناء على دعوة من رئيسها، شي جين بينغ، بحث خلالها الطرفان جملة من القضايا، من ضمنها حربا أوكرانيا وغزة، والتعاون ضمن مجموعة «البريكس»، والتعاون الاقتصادي - الدفاعي الثنائي. ويولي المراقبون وصناع السياسة في الغرب، اهتماماً خاصاً للتعاون المشار إليه، ولا سيما أنّهم التمسوا، قبل الزيارة حتى، أنّ الصين وروسيا ستمضيان قدماً في تنمية روابطهما التجارية والاقتصادية، رغم أنّ القوى الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة، كانت قد كثّفت، في الأسابيع الماضية، ضغوطها على الشركات والمصارف الصينية للحدّ من تلك الروابط، باعتبار أنّها «تسهم في تدعيم الحرب الروسية في أوكرانيا»، في خضمّ «الانتكاسات» التي تعاني منها القوات الأوكرانية أخيراً. ورافق بوتين، خلال الزيارة، وفد رفيع المستوى، شمل وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير الدفاع الجديد أندريه بيلؤوسوف، وسلفه سيرغي شويغو، الذي أصبح يشغل منصب «أمين مجلس الأمن الروسي»، علماً أن هذه الزيارة هي الخارجية الأولى لبوتين منذ إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة، وأنّ الرئيسين التقيا، خلال العقد الماضي، أكثر من أربعين مرة تقريباً.وإذ أوردت بعض وسائل الإعلام الغربية، من ضمنها وكالة «بلومبرغ»، تقارير عن «تراجع نسبة الصادرات الصينية إلى روسيا، ومنع بعض المصارف الصينية عدداً من الشركات الروسية من إتمام عمليات شراء لبعض البضائع»، نزولاً عند «التهديدات والضغوط الغربية»، نفى المحلّل والكاتب وعضو مجلس الإدارة في «الجمعية الصينية لدراسات الشرق الأوسط»، رونغ هوان، في حديث إلى «الأخبار»، هذه المعطيات، مؤكداً أنّ التجارة والتعاون مع روسيا هو «حق مشروع للصين»، كما هو الحال مع أي دولة أخرى في العالم، وهذا ما يدفع بكين إلى التأكيد مراراً، بحسب رونغ، أنّ «شراكتها مع موسكو، والتي لا تستهدف أي طرف ثالث، لن تتأثّر بأي ضغوط من أي طرف ثالث أيضاً، وأنّها ترفض أن يتم تشويه التعاون الروسي - الصيني». كما اعتبر الخبير الصيني أنّه في حال أرادت الأطراف المعنية إيجاد حل مستدام وسلمي للحرب الأوكرانية، «فسيتعيّن عليها العودة إلى طاولة الحوار، باعتبار أنّ ذلك هو الحل الوحيد لإنهاء القتال».
أكد البيان المشترك الصادر عن شي وبوتين، أنّ التوصل إلى «حل عادل للقضية الفلسطينية يكتسب أهمية خاصة» لدى البلدين


من جهتهم، يرى عدد متزايد من المراقبين في الغرب أنّ العلاقة بين الطرفين أصبحت تتجاوز إلى حدّ كبير وجود «مصلحة مؤقتة» بينهما. وفي السياق، تنقل شبكة «سي إن بي سي» الأميركية عن كبيرة المحاضرين حول «دراسات الحرب» في «كلية كينجز لندن»، قولها إنّ «التفكير في العلاقة الثنائية بين البلدين على أنها (زواج مصلحة)، خطأ»، «ويجعلنا نسيء تقدير» حقيقة تلك العلاقة وقوّتها. وبالفعل، أفادت وكالة «شينخوا»، في أعقاب لقاء شي وبوتين في «قاعة الشعب الكبرى»، بأنّ الطرفين وقّعا بياناً مشتركاً «لتعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة، تزامناً مع الذكرى الـ75 للعلاقات الديبلوماسية بين الصين وروسيا»، جنباً إلى جنب التوقيع على عدد من «وثائق التعاون المهمّة» الأخرى. كما حرص بوتين، من جهته، على التأكيد في حوار أجرته معه الوكالة الصينية نفسها، في أعقاب وصوله إلى بكين، أنّ «العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين تتطوّر بوتيرة سريعة، وأظهرت حصانة قوية ضدّ التحديات والأزمات الخارجية»، مشيراً إلى أنّه «على مدى السنوات الخمس الماضية، ضاعفنا حجم المبيعات بين البلدين، إذ وصل إلى 227.8 مليار دولار أميركي العام الماضي، مقابل 111 مليار دولار أميركي في عام 2019». وطبقاً لبوتين، فإنّ «أكثر من 90% من التسويات بين الشركات الروسية والصينية تتم بالعملات الوطنية».
ووفقاً للبيان المشترك الصادر عن الرئيسَين، ستشهد المرحلة المقبلة أيضاً تطوير التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والاتصالات والبرمجيات وأمن الشبكات والبيانات، وفي الاستجابة لـ«حالات الطوارئ». كما شدّد الطرفان، في بيانهما، على جملة من المواقف «المشتركة» في ما يتعلّق بالممارسات الغربية الأخيرة، مؤكدَين أنّ «الولايات المتحدة ما زالت تفكّر بمنطق الحرب الباردة، وتسترشد بمنطق المواجهة بين الأحلاف»، معارضين «تدخُّل» واشنطن في بحر الصين الجنوبي، ونشر أسلحتها الصاروخية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا، باعتبار أنّ هذه الخطوات «مزعزعة للاستقرار وتشكل تهديداً مباشراً لأمن البلدين». كما تعهد الطرفان بـ«التصدي بشكل مشترك لمحاولات تسييس الثقافة، وإلغاء ثقافة بعض الدول والشعوب»، ومحاولات «تشويه التاريخ والمسّ بنتائج الحرب العالمية الثانية». كما أكد كل من بوتين وشي ضرورة زيادة التعاون في مجال مراقبة الفضاء أيضاً، فيما عارضا «محاولات بعض الدول استخدام الفضاء الخارجي لأغراض المواجهة المسلحة»، مشيرَين إلى ضرورة «إطلاق مفاوضات في شأن التوصّل إلى معاهدة لمنع نشر الأسلحة في الفضاء الخارجي» في أسرع وقت.
وحول الشرق الأوسط، أكد البيان نفسه أنّ التوصل إلى «حل عادل للقضية الفلسطينية يكتسب أهمية خاصة، على خلفية التصعيد غير المسبوق في الشرق الأوسط». ونقل عن بوتين تأكيده أنّ روسيا «تعتزم تقديم الدعم الفعال للجهود السياسية والديبلوماسية التي يبذلها الشركاء العرب، لحل التناقضات في الشرق الأوسط». كما أكّد الرئيس الروسي، في البيان، أنّ المفاوضات المقبلة «على مستوى رئيسَي وزراء روسيا والصين، يجب أن تجري في موسكو»، مرحباً بـ«رغبة الصين في لعب دور بناء لإيجاد حل سياسي وديبلوماسي للأزمة الأوكرانية». وفي اليوم الأخير من زيارته، زار بوتين، أمس، مدينة هاربين، للمشاركة في حفل افتتاح «المعرض الروسي - الصيني الثامن» والمنتدى الروسي - الصيني الرابع للتعاون الأقاليمي، ووضع إكليلاً من الزهور على النصب التذكاري للجنود السوفيات الذين لقوا حتفهم في معارك تحرير شمال شرق الصين من اليابانيين، قبل أن يزور، في وقت لاحق، «الكنيسة الأرثوذكسية». كما زار بوتين، أيضاً، «جامعة هاربين للفنون التطبيقية» حيث تحدّث إلى الطلاب والمدرسين هناك.