وإذ يتسابق السوريون لابتكار أساليب للتعايش مع الأزمات الجديدة والمستمرة، وصل الأمر إلى تسجيل محاولات سطو على بعض السيارات لسرقة بضعة ليترات قد تكون متبقية في خزاناتها، فيما بدأ البعض باستغلال واقع الحال لكسب الرزق. يذكر أمجد، الموظف في شركة خاصة، أنه قام بتسوية بسيطة مع أحد الأشخاص، فأوكل إليه مهمة تعبئة سيارته بالوقود اللازم والوقوف في الرتل الطويل بانتظام مقابل بدل مادي، لافتاً إلى أن عدداً من أصدقائه يتّبع الأسلوب ذاته مقابل مبلغ يساوي ضعف ما كانوا يدفعونه لتعبئة سياراتهم ما قبل الأزمة الأخيرة. شخص آخر، تعرضت سيارته لأعطال جسيمة جراء حادث مروري، تلقّى اتصالات من عدة أصدقاء وأقرباء لسؤاله عما إذا كان يمكنهم «استعارة بطاقته الذكية». ويشكو البعض، مِمَّن كانوا محظوظين بالوصول إلى محطات الوقود، من أعطال في سياراتهم بسبب خلط الوقود بالماء.
بدأ البعض بالتناوب مع أصدقائه أو أقاربه على استخدام سيارة واحدة
حملات فردية لإبراز صبر المواطنين وتعاونهم، كتوزيع الورد على المنتظرين في الرتل الطويل، يعلّق عليها شاكر (موظف متقاعد) بالقول: «أكبت غضبي إزاء ما يجري. أنتظر في الرتل المخصص لأمثالي مِمَّن لا أهمية لوقتهم. البعض أتى إلينا بالورود... أراها مواساة اجتماعية متواضعة. أخذت الوردة وشكرتهم». السير بمحاذاة صف السيارات المنتظرة يكشف مشاهد سريعة عن مجتمعات مصغرة جمعها المكان والزمان من أجل هدف واحد، فهذا يلعب مع رفاقه «الورق» في انتظار دوره، وذاك تسلح بكتاب يمضي الوقت في قراءته. وينشغل معظم المنتظرين بشاشات هواتفهم، أو يوزعون نظراتهم الساخطة على ما حولهم. تذكر سناء (طبيبة) أنها تتناوب مع زملائها في العمل على سيارة واحدة، متّبعين سياسة تقشفية للاقتصاد في الوقود المتبقي في خزانات سياراتهم، أسوة بما يفعله كثير من أصدقائها وجيرانها. وتضيف القول: «ما زال أمامي وقت قصير قبل أن أعلن استسلامي وعجزي عن حل المشكلة الحالية. ما زلت أذهب إلى العمل، وهذا ما يجعلني هادئة قليلاً، مع بعض الخوف من الآتي».
في اللاذقية، يمتدّ رتل السيارات على إحدى المحطات من «دوار اليمن» إلى «دوار هارون»، وصولاً إلى «دوار الزراعة» (نحو 1600 متر)، في مشهد صادم. الجو يسوده التوتر في محاولات مستمرة للابتعاد عن «الواسطات»، إذ لا ينقص مَن ينتظر في هذا الصف مزيدٌ من الاستفزاز والمشاكل، بعدما وصل الأمر خلال الأيام الفائتة إلى نشوب حوادث شجار، وصل الأمر فيها إلى استخدام الرصاص. وتشارك دوريات أمنية في ضبط الأوضاع على كل محطة وقود، بما يؤمن مساعدة إضافية لدوريات الشرطة. يستغرق الانتظار هنا أكثر من 3 ساعات، غير أن الأسوأ أن لا وقود في بعض المحطات، وأن توقف السيارات يستمر لساعات طويلة ريثما يتم تزويدها بالوقود اللازم، بينما في طرطوس يتطلب الدخول في رتل الانتظار ما يقارب الساعتين.
ينتظر طارق دوره طيلة ساعة ونصف ساعة. يراقب ما حوله وينشغل بهاتفه النقال قليلاً. يتابع بعينيه، متشرداً مختلّاً يمشي بمحاذاة السيارات المركونة، حاملاً علبة وممسحة لتنظيف الزجاج. يضحك المتشرّد، وهو يعدّ السيارات، حين يصل إلى الرقم 53، ثم يتابع العدّ. ينادي على أصحاب السيارات: «مجانين»، ويغرق في الضحك مجدداً. بعد انتظار ساعة ونصف ساعة، تغلق المحطة في وجه طارق، في انتظار إعادة التعبئة مجدداً. يضحك الرجل الأربعيني بعد تضييع وقته بلا فائدة، ويقول: «حقاً نحن مجانين». ويخشى أن تطول الأزمة الحالية لتمتدّ نحو المازوت، ما يعني شلّ حركة النقل العام بين المدينة وريفها، وفي ما بين المحافظات. مسؤولون حكوميون ظهروا في صور تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، وقد استعاضوا عن سياراتهم بدراجات هوائية. غير أن هذا التحفيز للمواطنين كي يحذوا حذوهم لم يثمر، إذ إن السماء شاركت في حصار الماشين على أقدامهم أو فوق دراجاتهم، فهطلت الأمطار بغزارة وسط النهار في مناطق من الساحل ووسط البلاد.