وتكمن نقطة الخلاف الرئيسة بين موسكو وأنقرة في تخلّي هذه الأخيرة عن الوفاء بتعهداتها حيال «عزل الفصائل الإرهابية وفتح الجزء الغربي من طريق M4» (حلب - اللاذقية). ولكن، يبدو أن تركيا أكّدت، هذه المرّة، جديّتها في حلّ هذا الملفّ، من خلال تسريع وتيرة حلّ الفصائل المتشدّدة الموجودة في ريفَي إدلب واللاذقية، بالتوازي مع عمليات تنظيف «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر على إدلب. إلّا أنها أضافت خطوة جديدة تهدف إلى دمج إدلب مع بقية المناطق التي تسيطر عليها تركيا في ريف حلب الشمالي، مع تقديم دفعة إضافية للعمل السياسي الذي يُفترض أن ينتهي بتوافق يقضي بدمج هذه المناطق بمناطق سيطرة الحكومة السورية.
وخلال اليومين الماضيين، تناقلت حسابات «جهادية» أنباء عن تغييرات في هيكلية «هيئة تحرير الشام» تشمل زعامتها، إذ روّجت أن أبو محمد الجولاني، زعيم الهيئة، تقدَّم باستقالته، على أن يخلفه الشرعي العسكري العام فيها، مظهر الويس، الذي يمثّل «وجهاً أكثر اعتدالاً». من جهتها، نفت مصادر جهادية، لـ«الأخبار»،أن يكون الجولاني قد استقال، لافتةً إلى أن سلسلة من التغييرات بدأت، قبل مدّة، تظهر في سلوك «تحرير الشام»، لعلّ أبرزها منْع مظاهر التشدُّد، وإظهار المزيد من الانفتاح، إضافة إلى تسريع وتيرة استئصال ما تبقّى من فصائل «جهادية» أخرى، آخرها فصيل «أنصار الإسلام» الذي سيُعمل على تفكيك ما تبقّى منه.
الرئيس التركي ووزير خارجيته رسما بتصريحهما توجهات تركيا السياسية للمرحلة المقبلة
وتتقاطع التوجّهات التركية ورغبة الجولاني في توحيد مناطق سيطرة أنقرة، إذ يتمتّع زعيم «الهيئة» بحظوة كبيرة لدى تركيا، بعدما أبدى تبعيّة مطلقة لها، تضاف إلى قدرته على ضبط مناطق سيطرته، واعتماده على التمويل الذاتي. ومن بين الحلول التي يجري تداولها، تشكيل جسم عسكري يضمّ جميع التشكيلات في الشمال السوري، ومن بينها «تحرير الشام» بعد أن تقوم هي بحلّ نفسها صوريّاً، إضافة إلى توحيد «الحكومتَين» المعارضتَين (الحكومة التابعة لـ«الائتلاف» وحكومة «الإنقاذ» التابعة للجولاني)، وهو سيناريو لا يبدي هذا الأخير قلقاً حياله، لعلْمه بقوّة حضور جماعته وقدرتها على قيادة التشكيل الذي تسعى إليه أنقرة، سواء بشكل مباشر أو من خلف الستار.
وأمام الطرح التركي الذي يظهر تغيّراً واضحاً في النبرة السياسية، إضافة إلى الوساطة الإيرانية لإعادة العلاقات بين سوريا وتركيا، تبدو روسيا هي الأخرى راضية، خصوصاً أن هذا الطرح الذي يضمن لدمشق استعادة نفوذها في مناطق سيطرة «قسد» المتخمة للحدود التركية، ويسرّع عمليات فتْح مزيد من الطرق الرئيسة، وينهي المزيد من الفصائل المتشدّدة في إدلب، ويمنع الانزلاق إلى مواجهات عسكرية مباشرة بين دمشق وأنقرة، يعني - بمحصّلته - خطوةً على طريق التوافقات الروسية - التركية السابقة، والتي تفضي إلى العملية السياسية التي ترعاها موسكو، سواء ضمن «مسار أستانا»، أو مسار «اللجنة الدستورية»، المعطّل حالياً.