وبالتوازي مع إعادة هيكلة «هيئة التفاوض»، يقود مجموعة من المعارضين السوريين، وعلى رأسهم رجل الأعمال السوري ــــ البريطاني أيمن أصفري، محاولة لتوحيد نشاط منظمات المجتمع المدني، والتي تملك بدورها حضوراً في «الهيئة». وعلى مدار يومَي الإثنين والثلاثاء الماضيين، نظّم أصفري اجتماعاً لنحو 150 منظمة في باريس، حضره ممثلون عن دول غربية بالإضافة إلى رئيس «هيئة التفاوض» بدر جاموس. وخرج الاجتماع ببيان أُعلِن فيه توحيد جهود المنظمات المشاركة تحت مظلة واحدة أُطلق عليها اسم «مبادرة مدنية»، تمهيداً لدور سياسي لهذه المبادرة، المدعومة من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية.
بدا لافتاً غياب السعودية، التي تُعتبر أحد مؤسّسي «هيئة التفاوض» عن اجتماع جنيف
في خضمّ ذلك، بدا لافتاً غياب السعودية، التي تُعتبر أحد مؤسّسي «هيئة التفاوض»، عن الاجتماع الذي حضره ممثلون عن دول عدة من بينها الولايات المتحدة الأميركية وقطر ودول غربية أخرى. ولربّما يُفسَّر هذا الغياب بانتهاج المملكة سياسة جديدة حيال سوريا أثمرت عودة العلاقات بينهما، وعودة سوريا إلى «جامعة الدول العربية»، ومشاركة الرئيس السوري، بشار الأسد، في القمة العربية الأخيرة. وبينما يسعى البلدان لرفع مستوى التعاون الأمني بينهما للتصدّي لجملة من المخاطر بما فيها المخدرات، وهو مسار ينخرط فيه الأردن والعراق ومصر ولبنان أيضاً، يقوم على أساس التعاون بين أجهزة الدولة، وعودة نشاط الحكومة السورية ومؤسساتها الفاعلة إلى شكله الطبيعي، يزور وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، العاصمة السعودية الرياض السبت المقبل، للمشاركة في أعمال الاجتماع الثاني لوزراء خارجية «الجامعة العربية» مع نظرائهم في جزر بحر الباسيفيك الصغيرة.
على خطّ مواز، وإلى جانب محاولات إحياء «الدستورية»، يخوض بيدرسون جولة محادثات معمّقة بهدف الوصول إلى توافق حول مسألة المساعدات الإنسانية عبر الحدود، قبيل انتهاء مفاعيل القرار الذي يسمح بإدخالها عبر معبر باب الهوى. ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تثبيت وضع المعابر الراهن عن طريق قرار أممي يضمن استمرار عملها، بدلاً ممّا يسمح به القرار الأممي والذي يقتصر إدخالها على معبر واحد. يُشار إلى أنه بعد وقوع الزلزال ورفض «هيئة تحرير الشام» تمرير مساعدات عبر الخطوط (من مناطق سيطرة الحكومة السورية نحو الشمال الغربي الذي تسيطر عليه الفصائل)، قدّمت دمشق تسهيلات كبيرة عبر الموافقة على إدخال المساعدات عن طريق معبرين إضافيين مع تركيا (الراعي وباب السلامة) لمدة ثلاثة أشهر، تبعها تمديد لثلاثة أشهر أخرى. إلا أن ذلك لم يعجب واشنطن التي عرقلت طيلة العام الماضي تطبيق القرار المتعلق بالمعابر، والذي يضمن إدخال مساعدات أكبر عبر خطوط التماس، وتقديم دعم لمشاريع البنية التحتية (التعافي المبكر)، الأمر الذي دفع روسيا إلى الإعلان عن إعادة التفكير في الاتفاق القائم.
في هذا الوقت، تتابع الولايات المتحدة عملها على تحصين قواعدها في المواقع النفطية في الشمال الشرقي من سوريا، بالإضافة إلى قاعدة التنف عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن، استعداداً لمرحلة مقبلة تتوقّع فيها زيادة الضغوط على قواعدها، خصوصاً في ظلّ استمرار المبادرة الروسية – الإيرانية للتطبيع بين دمشق وأنقرة، والتي من المتوقّع أن تُستكمل بعد أن تمّ الانتهاء من الانتخابات الرئاسية التركية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب إردوغان بولاية جديدة. وفي السياق، يُنتظر تحديد موعد لاجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية لمناقشة مسوّدة تركية بموجب الاتفاق الذي توصّل إليه وزراء خارجية «الرباعية» (سوريا وتركيا وروسيا وإيران) في موسكو الشهر الماضي، والذي نصّ على تشكيل لجان أمنية وعسكرية لمناقشة المواضيع العالقة بين الطرفين، ومحاولة رسم خريطة طريق يمكن المضي على أساسها.