ويَطرح اغتيال العاروري أسئلة عن تداعياته على ساحات العمل المقاوم، ومن بينها الضفة التي تبقى جبهة غير قابلة لتوقّع قدراتها وأسرارها. وبالتالي، قد تكون هي مفتاح ردّ «حماس» على جريمة الاغتيال من جانب، ومن جانب آخر قد تشعل هذه العملية المواجهات والاشتباكات فيها، بما يسهم في اتّساع رقعة المقاومة هناك. وللعاروري شعبية واسعة في قواعد الحركة في الضفة، وفي أوساط تشكيلات المقاومة المسلّحة، وربّما يكون قد نجح في تشكيل عدد من الخلايا السرية أو النائمة في الضفة. أمّا التأثير والحظوة اللذين راكمهما عبر الدعم الدائم للمقاومة بالمال والعتاد، فقد يعزّزان من احتمالية أن تلعب الضفة دوراً في الردّ العسكري على الاغتيال.
كان مقدّراً للعاروري بعد سنوات اعتقاله وإبعاده إلى خارج الضفة، العودة من جديد إلى نقطة الصفر
أدرك العاروري، منذ سنوات، أن اسمه يحتلّ لائحة الاغتيالات لدى إسرائيل، وأنه في أيّ لحظة قد يستشهد، وهو الذي ظنّ أنه عاش أكثر ممّا توقّع. وضمن هذا الفهم لطبيعة الدور الذي يقوم به في قيادة الضفة، وكونه مطلوباً للاغتيال، فإن الخشية من تأثّر ساحة الضفة سلباً باغتياله يبدو غير منطقي البتّة، بل لعلّ القائد الذي سيخلفه في قيادتها، قد جهّزه الراحل بنفسه وأعدّه لإكمال المسيرة، على غرار تجارب الحركة وفصائل المقاومة الأخرى، التي لم تحدّ عمليات الاغتيال من قوتها ولم تؤخّر مسيرتها.
مسيرة حافلة
في آخر سنوات انتفاضة الحجارة، وبين «مؤتمر مدريد» و«اتفاقية أوسلو»، التحق شاب أسمر من بلدة عارورة بجامعة الخليل جنوب الضفة الغربية لنَيْل شهادة جامعية في الشريعة. وهناك، زرع النواة الأولى للجناح العسكري لحركة «حماس». وانتشرت، أخيراً، صورة تعود إلى تلك الحقبة، تُظهر العاروري أمير الكتلة الإسلامية في جامعة الخليل، وعادل عوض الله أميرها في جامعة القدس، وإبراهيم حامد أمير بيرزيت، والذين حملوا على أكتافهم تأسيس «القسام» في الضفة. وكان مقدّراً للعاروري بعد سنوات اعتقاله وإبعاده إلى خارج الضفة، العودة من جديد إلى نقطة الصفر، وإعادة بناء «كتائب القسام» فيها وتسليحها وإمدادها من الخارج، في مهمّة أكثر صعوبة وتعقيداً لجهة الظروف والإمكانات. لكنه مع ذلك، نجح في المهمّة، واستطاع إعادة ضخّ الدماء في مقاومة الضفة، وتوجيه عدّة ضربات إلى الاحتلال.
وفي عام 2014، أي بعد أربع سنوات من الإفراج عنه وترحيله، اهتزّت الضفة على وقع خبر اختطاف ثلاثة مستوطنين في مدينة الخليل. يومها، استنفرت إسرائيل قواتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية وكأنها في معركة حياة أو موت، فأعادت احتلال الضفة، وشنّت حملة شرسة ضدّ حركة «حماس»، متّهمةً إيّاها، وتحديداً صالح العاروري، بالوقوف خلف العملية، متناقلةً مقطعاً مصوّراً نُسب إلى الرجل، يعلن فيه مسؤولية الحركة عن خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم. كما اتهمتها بقيادة سلسلة من العمليات الإرهابية من أجل إشعال انتفاضة ثالثة. ومنذ معركة «سيف القدس»، والتي شهدت ارتفاعاً في مستوى المقاومة المسلّحة في الضفة، وتشكيل خلايا ومجموعات، وتحديداً في شمالها، يُنسب الفضل الأكبر إلى العاروري، الذي اتّهمته سلطات الاحتلال بتمويل المقاومين هناك وتسليحهم، سواء من «حماس» أو غيرها من الفصائل، وبوقوفه مباشرة خلف العشرات من العمليات الفدائية، التي نفّذها عناصر الحركة.