وبينما أظهرت مصر اهتماماً مباشراً بغزة بسبب موقعها الجغرافي المحاذي، والتداعيات الخطيرة لِما يجري هناك على الأمن القومي المصري، ولا سيما في ظلّ رغبة إسرائيل في تهجير سكان القطاع إلى سيناء، فإن تركيا تبدو الأكثر حاجة إلى مثل هذه الصورة الإقليمية مع مصر، علماً أنها امتنعت إلى الآن عن اتّخاذ أي تدابير ضدّ إسرائيل، رغم الشعارات الكبيرة التي ترفعها في وجهها. وفي إطار الزيارة المرتقبة، يمكن التوقف عند الملاحظات الآتية:
1- إذا صَدقت النوايا، فإن زيارة إردوغان القاهرة، ولقاءه السيسي، يُعتبران طيّاً كاملاً لمرحلة شعار «الانحياز إلى الشعوب»، ولـ«انقلاب 30 يونيو» 2014، كما سمّاه الرئيس التركي، وهو ما لا يعود إلى تغيّر القناعات، بل إلى ما تقتضيه مصلحة إردوغان للبقاء في السلطة، من «مصالحات مالية» مع السعودية والإمارات وإسرائيل، و«سياسية» مع مصر التي لا تمتلك مالاً ولا خيلاً.
2- تأتي الزيارة بحثاً عن «دور ضائع» في غزة - إذ ظهرت تركيا مهمَّشة رغم اقتراح حركة «حماس» أن تكون مصر وتركيا ضمن الضامنين (مع كل من قطر وروسيا) لأيّ اتفاق تبادل أسرى أو ترتيبات أمنية لاحقة -، فيما لن تخلو من محاولات «عرض للقوّة»، إذا ما صدق حديث بعض المصادر عن نية إردوغان زيارة منطقة رفح.
يمكن أن يلي الاتفاق حول ليبيا، بدء الترسيم البحري للمناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرقي المتوسط
3- ربّما يسعى البلدان إلى تحقيق إنجاز ما قد يكون في متناول اليد خلال الزيارة، يتمثّل في الاتفاق على ترتيبات حلّ في ليبيا. وجاءت أولى الإشارات إلى ذلك، أثناء زيارة وزير الخارجية التركي إلى طرابلس قبل أيام، وتصريحه من هناك بأن أنقرة قرّرت فتح قنصلية في بنغازي، حيث تسيطر قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، العدو اللدود (السابق) لتركيا. وقد يشكّل الاتفاق حول ليبيا ورقة ترضية تركية لمصر، على اعتبار أن ليبيا جزء من الأمن القومي المصري، فيما لا يزال غير معلوم ما إذا كانت تركيا مستعدّة للإعلان عن سحب قواتها من هذا البلد كرسالة حسن نيّة تجاه المصريين، مع الإبقاء على «مستشارين»، وعلى سائر مظاهر النفوذ الأخرى في جميع القطاعات.
4- يمكن أن يلي الاتفاق حول ليبيا، بدء الترسيم البحري للمناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرقي المتوسط، إذ تعرض تركيا أن تحصل مصر على مساحات كبيرة إضافية في المتوسط، في مقابل الاعتراف بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، والذي حصل في 27 تشرين الثاني عام 2019 في عهد رجل تركيا، رئيس حكومة طرابلس فائز السراج، علماً أنه دون الاقتراح التركي عقبات مهمّة، أبرزها التحالف بين مصر وكلّ من اليونان وقبرص الجنوبية.
5- قد تشكّل الزيارة بداية البحث في خيارات وسطية في قضايا الحدود البحرية بين البلدين، ومسارات استخراج الطاقة وتوزيعها في شرقي المتوسط، وخصوصاً أن تركيا تعترض على حدود المناطق الاقتصادية الخالصة لكلّ من اليونان وقبرص، كما على مشاريع نقل الطاقة من شرقي المتوسط إلى أوروبا عبر خطوط أنابيب لا تمرّ بأراضيها. وبعد تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، كان التعاون في مجال الطاقة بين أنقرة وتل أبيب، على رأس جدول أعمال البلدَين أثناء لقاء إردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في نيويورك، في العشرين من أيلول الماضي، وقبل أسبوعين فقط من عملية «طوفان الأقصى».
6- تبقى القضايا الثنائية هي الأسهل بين البلدين، إذ تبادلا السفراء في 4 تموز 2023، فيما زار القاهرة العديد من رجال الأعمال الأتراك، وشاركت أنقرة أخيراً في معارض اقتصادية وعسكرية في القاهرة. ويُتوقّع توقيع اتفاقات تعاون اقتصادية وسياحية، في حين بدا مثيراً للاهتمام إعلان مصر أنها ستشتري طائرات مسيّرة تركية.