التمس الطبيب شعوراً، ينتاب سكان مختلف مناطق غزة، بأنّ «حماس» تدافع عنهم
«المستشفى الأوروبي»
وفي «المستشفى الأوروبي»، الذي يتّسع لـ400 سرير فقط، يقبع نحو 900 مريض، ومجموعات من الناس تجمّعت في أروقته، وباتت تشكّل، مع النازحين من شمال قطاع غزة والذين سكنوا في محيطه، ما هو أشبه بـ«قرية صغيرة» يبلغ عدد سكانها ما بين 25 و30 ألف فلسطيني. ويتحدث الطبيب الفرنسي عن «فوضى» عارمة داخل المستشفى وخارجها، إذ كان يتعين على الأطباء متابعة المرضى من جهة، والتعامل مع أعداد جرحى القصف والقنص (الذي كان غالباً يستهدف الرأس)، والذين كانوا يتدفقون إليهم من جهة أخرى، ما دفع بهم إلى «بتر» أعضاء بعض المرضى بدلاً من معالجتها، وترك أولئك الذين يعانون من جروح «خطيرة» يموتون، بسبب امتلاء غرف الإنعاش وعدم توافر «المورفين»، في مظاهر لم يشهد الطبيب مثيلاً لها «في أي مكان آخر في العالم»، على حدّ تعبيره.
المساكن العشوائية
كذلك تطرّق بيتي، الذي شبّه في مقابلته الأوضاع في غزة بـ«غيتو وارسو» أو محرقة اليهود، إلى أوضاع النازحين في القطاع بشكل عام، في وقت تُمنع فيه المساعدات من الوصول إلى السكان، قائلاً: «نحن في هذه المرحلة أمام محاولة لتجريد الناس من إنسانيتهم». وأردف: «هناك مساحة شاسعة من المساكن العشوائية؛ فالناس تصنع الملاجئ من الكرتون والسجاد وغيرها»، علماً أنّ قوات الاحتلال تمنع دخول الخيم وإنشاء مخيمات منظمة. كذلك، تملأ طوابير السكان الذين ينتظرون الحصول على الماء والخبز، واستعمال الحمامات حتى، المكان. كما أنّ الإمدادات المحيطة بالملاجئ لا تكفي لتصريف المياه، ما يؤدي إلى تشكل الوحول في كل مكان حولها. وإذ لا يزال الباعة المتجولون الذين يبيعون اللحمة والخضار والجبنة، طبقاً للطبيب نفسه، موجودين في الشوارع، فإن غالبية الناس لا تمتلك المال الكافي لشراء البضائع، لا سيما بعدما تضاعف سعر الأخيرة مرتين وثلاث مرات؛ حيث وصل سعر البيضة الواحدة، مثلاً، إلى 1 يورو تقريباً. وتخلق مثل تلك الظروف الخانقة جواً «قابلاً للانفجار» في أي لحظة، إذ يتحول، في بعض الأحيان، خلاف فردي إلى ما هو أشبه بـ«أعمال شغب»، تشمل عدداً أكبر من المواطنين.
ندوة الفريق الطبي
ولم تقتصر الشهادات التي تمّ الإدلاء بها، في الآونة الأخيرة، على بيتي وحده، إذ نظم، في 13 شباط، الوفد البرلماني الفرنسي الذي زار، في وقت سابق من هذا الشهر، رفح، ندوةً لوفد الأطباء الفرنسيين من مؤسسة «PalMed»، الذين كانوا في غزة أيضاً. ولم يتردّد هؤلاء في إفاداتهم في التأكيد أنّ «الإبادة الجماعية تمضي على قدم وساق» في غزة، مشيرين إلى أنّ الكثير من المرضى، ولا سيما الأطفال، كانوا يموتون «خلال مدة الليل». وفي السياق، قالت إحدى الممرضات المشاركات في البعثة: «كانوا يحملون جثث أولادهم، ويركضون بها بعد أن نبلّغهم بموتهم»، إلا أنّهم، مع ذلك، كانوا يتعاملون معنا بـ«احترام».