تبدو الحقول الزراعية في مناطق البقاع خالية من العاملات اللواتي «ينغلن» فيها عادة تحت أشعة الشمس، فيما الخيم التي يقمن فيها تعجّ بناسها. في منطقة الفاعور في البقاع الأوسط، حيث أضربت العاملات الزراعيات عن العمل، تقول إحداهن التي لم تتعدّ السابعة عشرة إن «الجميع ملتزم بالإضراب لمدة أسبوع، ولم ينزل أحد إلى العمل من مخيمنا ومن المخيمات المجاورة»، مشيرة إلى أن «هذه المرّة غير المرات السابقة. امتنعنا عن العمل سابقاً احتجاجاً على الأجور المتدنية، إلا أننا لم نؤثّر كثيراً لأن أصحاب الأراضي كانوا يحضرون عاملات سوريات من مخيمات مجاورة، أما اليوم فالغالبية ملتزمة بالإضراب».ومنذ أول من أمس، يلتزم العمال السوريون بإضراب مفتوح وشامل يشلّ منطقة البقاع، وتحديداً الغربي منه وبعض مناطق البقاعين الأوسط والشمالي كمنطقة عرسال، حيث امتنع هؤلاء عن النزول إلى أعمالهم في المشاريع الزراعية والمحالّ التجارية، ما أدى إلى جعل غالبية البلدات البقاعية شبه فارغة في بعض أوقات النهار، وهو أمر لم يعد مألوفاً منذ سنوات في هذه المنطقة التي تحتضن العدد الأكبر من النازحين. ولا يحتاج الأمر إلى كثير عناء لاكتشاف أن أبرز المتضررين هم أصحاب المشاريع الزراعية في السهل مع خلوّ الحقول من العمال.
منذ بداية الحرب السورية وحتى العام الماضي، لم يسبق أن وصلت الأمور إلى هذا الحد في مخيمات النازحين السوريين ولا بين النازحين واللبنانيين. فإلى مواقف بعض اللبنانيين المعارضة للوجود السوري برمّته، بدأ التململ أخيراً يتسرّب إلى المجتمعات التي كانت تُحسب في «صفّ» السوريين، وطفت الكراهية لدى البعض منهم دفعة واحدة. وترافق ذلك مع تظهير مواقف رسمية بالتوازي مع حملات أمنية، باتت شبه يومية في بعض المناطق والمخيمات، خصوصاً في منطقة البقاع. سلسلة أوصلت بدورها إلى إخراج جزء واسع من النازحين السوريين شعوراً دفيناً بالاستهداف، وهو ما عبّرت عنه مجموعة كبيرة من النساء في جلسة «مصارحة» قامت بها إحدى المنظّمات في البقاع، حيث عبّرن عن «إحساسٍ باليأس من انسداد الأفق بسبب الحملة الرسمية ومشاعر العنصرية تجاههن».
صحيح أن السبب الأوّل للإضراب، بحسب دعوة «رابطة العمال السوريين»، هو امتعاض السوريين من طريقة التعاطي معهم، لكن وراءها أيضاً يكمن خوف النازحين من «اعتقالات أمنية»، بعدما كثرت المداهمات في الفترة الأخيرة، ما دفع ببعض هؤلاء إلى التزام الخيم و«التحجّج» بالطقس خوفاً من الاعتقال.
المواقف الرسمية والحملات الأمنية أثارت لدى قسم واسع من النازحين شعوراً دفيناً بالاستهداف


هكذا، فرغت الطرقات من العمال خصوصاً على طريق ساحة شتورا - المصنع، مقصد الباحثين عن عمّال غبّ الطلب. وفي بلدة برالياس، التي تُعدّ «عاصمة النازحين» في لبنان، أُغلقت غالبية المحال على الطريق الرئيسي، والأمر نفسه في بلدة المرج التي غاب أكثر من نصف «البسطات» عن سوق الإثنين فيها. في الطريق من المرج إلى الجراحية، أكثر المحال التجارية فتحت أبوابها، لكن اللافت أن «المداومين» فيها هم أصحابها بعدما طلبوا من عمالهم عدم الحضور خشية المداهمات. وكذلك الأمر في سعدنايل، حيث أغلق السوريون المحال التي يستثمرونها عند «الطريق التحتاني» (جلالا التحتا). كما طاول الإغلاق المحالّ في بلدة غزة.
لم تتوقف تداعيات الإضراب عند الامتناع عن الحضور إلى العمل وإقفال المحال أو توقف الحركة في المشاريع الزراعية، فقد دفع الإضراب وما قبله من مداهمات بالبعض إلى التفكير جدياً بالمغادرة. إلى سوريا؟ ليس بالضرورة. صحيح أن التفكير بالعودة إلى بلادهم بات واقعاً لدى فئة لم تكن تفكّر في العودة أبداً، لكنْ دون ذلك عقبات كثيرة وخوف من مجهول اقتصادي، في ظل العقوبات المفروضة على سوريا والتي وضعتها على شفير مجاعة. لذلك، فإن الفكرة الأقرب هي «النزوح» داخل لبنان، وهذا ما بدأه بعض الشبان فعلاً، إذ يغادرون من المخيمات في البقاع إلى بيروت ومناطق لبنانية أخرى.



استجواب ومذكّرات توقيف في ملفّ باسكال سليمان
أصدر قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور مذكّرات توقيف وجاهيّة بحق السوريين محمّد الخالد ومجاهد غزال وبلال الدلو جعفر بجرم تأليف عصابة مسلّحة بقصد القتل والسطو بين لبنان وسوريا والعراق، على خلفيّة قتل مسؤول «حزب القوات اللبنانية» في منطقة جبيل باسكال سليمان، وذلك بعد ادّعاء شقيقه جيلبير وزوجته ميشلين عبر وكيلة الدّفاع عنها، رئيسة الجهاز القانوني في «القوّات» المحامية إليان فخري.
واستجوب الخالد والدلو في حضور فخري، فيما أصرّ غزال على عدم استجوابه من دون حضور وكيل الدّفاع عنه، ليتم إرجاء الجلسة إلى موعدٍ لاحق يُحدّد سلفاً «لدواعٍ أمنيّة». وتم الاستماع الى الموقوفَين اللذين تم استجوابهما، فلم يُنكرا الجرائم المنسوبة إليهما، وأدليا بتفاصيل عن كيفيّة اشتراكهما بقتل سليمان بداعي السرقة بعدما وجدوا في حوزته مبلغاً من المال. كما أكدا أن أفراد العصابة لم يكونوا على علم بهوية القتيل وأن «الضربة التي تلقاها لم يكن المقصود منها القتل، وإنما الخطف والابتزاز للحصول على فدية لاحقاً».
ورغم الأدلة على تورّط الموقوفين في هذه الدّعوى، إلا أنّ الاستجواب «ما زال في أوّله، وخصوصاً أنّ منصور يُحاول أن يُحيط استجوابه بالكثير من الدّقة للتثبت من كل الأدلّة والدّوافع بعدما أُحيطت هذه الحادثة بمواقف سياسيّة مشحونة»، على ما قالت المصادر، مشيرة إلى أن شقيق سليمان حضر الجلسة بصفته محامياً، و«لمس مدى جدية التحقيقات، ويفترض أن يبلغ العائلة وحزب القوات بالمعلومات التي تؤكد حتى الآن أن لا خلفية سياسية للحادثة».