تبدأ روان المسرحية مستدركة قصة حياتها «الشخصية». إنها مونودراما تشبه لعبة الحكواتي القديم، لكن الحكواتي لم يكن ليتدخل في أصل الرواية، بل إنه حين يفعل، يصبح «قاتلاً» لذاته. أما في مسرح روان، فالحكاية هي «الأنا» المباشرة، أصلها لا أجزاؤها فقط. تروي حكاياتها حين كانت طفلة، ولا تنسى أن تداعب جمهورها بحرفة العارف بالمشهد. تعقص شعرها كطفلةٍ إلى الخلف، تجلس بدلالٍ على كرسيٍ، تؤرجح قدميها.
كل لغة الأطفال حاضرة هنا؛ حتى إنها تحكي خوف تلك الطفلة من «العار» وتربطه بأمور «عادية» للغاية، فيأتي «العار مربوطاً بـ «كوكتيل الشقف» مثلاً من دون أن تنسى تذكّر زيارة «تانت روز» (في إشارة للدورة الشهرية) والخوف من «يبوسني على خدي عشان ما احبل». تكبر الطفلة، ويتابعها الجمهور في كل طرقةٍ من «كعبها» على الأرض.
لكل عمرٍ حذاؤه الخاص، فهي تدخل المسرحية بدايةً بحذاءٍ أسود للسهرة، تحيل نفسها حافيةً كطفلة، ثم بحذاء ذي كعبٍ مرتفعٍ كتلميذةٍ جامعية مراهقة، وأخيراً حذاء لماع لزفافها. اختارت روان هذا «الأكسسوار» كونه تفصيلاً يُحَسّ في إطاره المباشر، ولم تنس إدخال المشاهد في الحكاية: هي تخبره حكاية «الكعب» وصوته «الضاج» في ردهات جامعتها حين دخولها كلية الفنون للمرة الأولى، وتعطي الأمر أيضاً بعداً «نوستالجياً»: «أحبه لربما لأن أمي لم تخلع الكعب العالي في حياتها».
مونودراما لامرأة تعرّي نفسها منذ الطفولة حتى النضج
تستهلك روان روحها في هذه المسرحية. يمكن للمشاهد أن يرى كيف «تنهك» نفسها في عرضها. تظهر أسوأ ما فيها، وأحسنه. تحكي الرواية الكاملة، بحلوها ومرّها، بانتصاراتها وخسائرها. يخشى معظم المسرحيين هذا النوع من الأعمال، فهو لا يتعب الجسد والروح فحسب، بل إنّ السؤال الأكثر إخافةً هنا: ماذا بعد هذا؟ تعرية الروح التي أدتها في المسرحية كانت صاخبة وموجعة. إذاً ماذا ستقدّم روان بعد هذا الأداء «المرتفع»؟ كيف يمكن أن تتفوق على كل ما قدمته هنا؟
«تلجتين بليز» (مساعدة مخرج غنوة مروة، الإضاءة للارا نصّار، والديكور لحسن صادق، وتنفيذ البصريات لسامر مراد) تستحقّ المشاهدة لأنها إحدى المسرحيات الأكثر اقتراباً من «الجمهور» وإحساساً به.
* مسرحية «تلجتين بليز»: «مترو المدينة» ــ 21:30 مساء كل ثلاثاء وأربعاء حتى شهر رمضان ـ للاستعلام: 76/309363