لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، وسرعان ما ضبط روّاد مواقع التواصل الإجتماعي البرقاوي وبطلَيْه تيم حسن ونادين نسيب نجيم وآخرين متلبسين باقتباس واحد من أشهر الأفلام الهوليوودية. بعد عرض بضع حلقات من «نص يوم»، عرف الجمهور أنّه مستنسخ عن «أورجينال سين» الذي قدّمه النجمان العالميان أنجلينا جولي وأنطونيو بانديراس، لينتشر هاشتاغ #حرقنا_المسلسل_بنص_ يوم على السوشال ميديا، مع ملخص بسيط عن حكاية الفيلم. يعود الشريط بفلاش باك تقليدي بالاتكاء على أسلوب الراوي، وهو صوت بطلته تسرد حكايتها عندما استخدمها صديقها في الميتم، فانتحلت شخصية امرأة كانت تعتزم الزواج برجل ثري تعرّفت إليه بالمراسلة. وبعد أن يضع أمواله في عهدتها، تختفي، ثم يُلاحق الزوج أثرها ويجدها في هافانا.
انتشر على السوشال ميديا هاشتاغ #حرقنا_المسلسل_بنص_ يوم
هنا، تعترف له بأنّها أحبته، لكنّها نفذت خطة عرّابها. حبّه الجارف يجعله يطوي الصفحة ويعود إليها، لكن النتيجة أنّها تخدعه مجدداً مع شريكها، ولا يكتشف المكيدة إلا يوم يعتزم المجرمان التخلص منه، فيقدم بنفسه على رشف القهوة التي وضعت له الزوجة السم فيها بعد أن يُفصح عن مونولوج رومانسي بالغ الأثر. تهرع زوجته لإنقاذه وتهريبه من شريكها، فيموت الأخير برصاص رجلها المخدوع. عندها، تحاول السيدة التكفير عن ذنبها عندما تعيد إطلاق النار على صديقها، وتطلب من رجال الشرطة إنقاد زوجها، فيما تخبر الراهب الذي قدم إليها، قبل تنفيذ حكم الإعدام، قصتّها التي تمثّل قوام الشريط، لتتمكن لاحقاً من الهرب من السجن إثر خداع الراهب ورجال الشرطة معاً، لنراها مجدداً مع زوجها في المغرب العربي يديران نادياً صغيراً للمقامرة ويحتالان فيه على الزبائن.
لكن للمسلسل حكاية مختلفة كلياً على الأقل من ناحية الأسماء. يمر اسم البرقاوي على الشارة كمعد ومخرج، واسم باسم السلكا ككاتب سيناريو وحوار، تتبعه ثلاثة أسماء أخرى كفريق إعداد! كذلك، استبدل البرقاوي مشكوراً أنجلينا جولي بنادين نسيب نجيم، و«اقتبس» النجم تيم حسن مكان أنطونيو بانديراس، وغيّر الحصان بسيّارة من طراز «مرسيدس»، وبساتين القهوة ببيّارات ليمون، وجعل البطل يروي بدلاً من البطلة، من دون أن ينسى استعارة جوهر الفيلم كاملاً وبعض مشاهده بحذافيرها. لم يملأ عيني المخرج البارع كل ذلك، بل عرّج على فيلم Focus (تركيز ــ 2015) لغلين فيكارا وجون ريكيوا، من بطولة ويل سميث ومارغوت روبي. «لطش» مخرج «قلبي معكم» (2009) من الفيلم الأميركي مشهداً طويلاً بحرفيته. وهو مشهد ماستر بُني الفيلم كلّه على أساسه، عندما تحاول جيس باريت (روبي) الإيقاع بنيكي (سميث) بعد استدراجه إلى مكان سكنها، ومن ثم يقتحم المكان رجل يدّعي أنّه زوجها، لكن نيكي الذي يحترف التشليح والسرقة والمقامرات يكتشف الخدعة فوراً، ويطلب من الرجل إطلاق النار عليه فيرتبك ويسأل «جيس» ماذا يفعل كونه كومبارساً مستأجراً! هنا، تطلب «باريت» مساعدة الرجل بإيجاد فرصة عمل لكونها نصّابة فاشلة، فتبدأ أحداث الفيلم المشوٌق! ببساطة، «اقتبس» البرقاوي في الحلقة الثامنة من «نص يوم»، وبرؤيته الإخراجية المتخصصة في القص واللصق، هذا المشهد بأدق تفاصيله. لكن التغيير الوحيد تمثّل بأنّ من أدّى المشهد هو الممثل السوري الشاب أويس مخللاتي والحسناء اللبنانية ديما حايك. مشهد يبني عليه البرقاوي لاحقاً جزءاً يسيراً من مسلسله.
ما الضير في ذلك طالما أنّ الحكاية مأخوذة عن قصص أجنبية، بحسب شارة العمل؟! خلافاً للسياسة التي حاصرت «نص يوم» بالسرية أثناء إعداده، لجأ البرقاوي إلى الصحافة سريعاً بعد انتشار الهاشتاغ المذكور، واختار الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع. أعاد في تصريح صحافي نشر الإثنين الماضي كلامه المكرور عن منح الأعمال المقتبسة أوسكاراً، بعدما اعترف صاغراً بأنّ مسلسله مقتبس عن رواية أجنبية هي Waltz into Darkness التي أصدرها الكاتب الأميركي كورنل وولريتش عام 1947، واقتبس عنها original sin لمايكل كريستوفر. وتحدّث سامر البرقاوي عن ضرورة الاقتباسات من الأدب العالمي في المسلسلات العربية من دون أن يدعو أحداً لتقليده. غير أنّه لم يخف استمتاعه بما يفعل، مؤكداً أنّ الجمهور «ينتظر» أعماله من عام إلى آخر، من دون أن يوجد شيء يمنعه عن الاستمرار في اقتباساته!
طبعاً لا يميّز البرقاوي بين الإفادة من فكرة معيّنة وصناعة مادة مختلفة عنها جذرياً وهو ما يعرف بالاقتباس، والسرقة الموصوفة الممزوجة باستخفاف مدهش واعتقاد خاطئ بأنّه لا أحد سينتبه. الأكيد فعلاً أنّ أحداً لن يتمكن من إيقاف هذه الظاهرة، طالما أنّ شركات الإنتاج الهوليوودية لم تسمع حتى الآن بأسماء المسلسلات العربية المطوّلة التي ينتقي صنّاعها ما يشتهون من مكتبات السينما من دون إذن من أحد؟!
* «نص يوم»: 20:00 على «أم. بي. سي. دراما» ـــــ بعد نشرة الأخبار المسائية على «الجديد»