طواطم قديمة وطيور وحيوانات ومساحات هندسية ولونية
بهذه الطريقة، تتسرب ميول طفولية في إظهار هذه الأشكال، ويتعزز ذلك بالانطباعات التكعيبية التي لا تتأخر في الوصول إلى المتلقي أو زائر المعرض. هناك لعب واضح ومباشر على زحزحة الأشكال والوجوه عن نسختها الأصلية ومقاييسها الواقعية. وهناك استثمارٌ لهذا اللعب وسعيٌ لتحويله إلى منجز شخصي.
والواقع أن هذه الأشكال لا تظهر بوضوح، وتبدو مثل كائنات بلا مرجعية. إنها طواطم قديمة وطيور وحيوانات وتفاصيل بشرية ومساحات هندسية ولونية. نتحدث هنا عن مجموعة من اللوحات التي لا يُسعفها أداؤها الشكلاني على بث انطباعات إيجابية، فالألوان الفاقعة الصفراء والخضراء والبرتقالية، خصوصاً التي تحدد المساحات والأشكال، لا تبدو مريحة للعين، بل تبدو على قدر من البدائية اللونية أيضاً. ويتأكد ذلك حين نرى لوحات من المجموعة نفسها، لكن تغيب عنها هذه التحديدات اللونية الفاقعة، حيث تصبح المشاهدَة حميمية أكثر، وتسمح عناصر اللوحات ذاتها بالتأمل والتعمق فيها.
ويمكننا سحب هذه الملاحظة على مجموعة ثانية من اللوحات سبق لنا أن رأينا ما يماثلها في معارض سابقة، حيث يتخفف الفنان من التحشيد الشكلاني، ومن الأداء اللواني الساطع، ويكتفي بموضوعات منفردة تقريباً، فنرى شكلاً واحداً ينقسم ويتشظى قليلاً، ولكنه يحتفظ بمعالم وتكوينات واضحة. كما أن تخفيف السماكة اللونية يجعلها تبدو منفذة بالحبر. أما الشكلانية فيها، فهي ذات تأليف أبسط وألوان خافتة، وتذكّرنا بتلك الأشكال التي رسمها الإنسان القديم على جدران الكهوف. ما يرسمه الفنان هو استعادة معاصرة لرمزية تلك الرسومات البدائية، ما يمنح لوحاته طابعاً طقوسياً تختلط فيه طموحات حديثة وراهنة مع ذاكرة ما قبل تاريخية. تجربة شارل خوري موجودة في هذه المساحة التي يحاول فيها خلق نوع من الدهشة الطفولية القائمة على تأليف شكلاني قابل دوماً للاستثمار في اللوحة.
* «أعمال جديدة» شارل خوري: حتى 18 آذار (مارس) الحالي ـــ «غاليري جانين ربيز» (الروشة) ـــ للاستعلام: 01868290