القدس المحتلة | لم تنته محنة «حرية التعبير» التي تعصف بـ «جامعة بيرزيت» منذ 26 أيار (مايو) الماضي. بسبب رسمين كاريكاتوريين علّقهما الأستاذ في قسم الفلسفة والدراسات الثقافية موسى البُديري على باب مكتبه، قامت الدنيا ولم تقعد. هاجمت «كتلة الوعي»، التي تُعتبر الذراع الطلابية لـ«حزب التحرير» الإسلامي، البديري، وشنّت حملات تكفيرية، مطالبةً الجامعة بطرده بدعوى «إساءته إلى الإسلام»، من خلال تعليق هذه الرسوم.
ذهبت الكتلة أبعد من ذلك، حين نجحت في ابتزاز الجامعة التي خضعت لتهديدات الإسلاميين، واتخذت سلسلة قرارات بحق الأستاذ، بدلاً من التضامن معه! موسى البديري قال لـ «لأخبار» إنّ الجامعة لم تتواصل معه بشكل مباشر، بل تحدثت إليه بواسطة «مبعوثين» للضغط عليه كي يمتنع عن المجيء إلى الجامعة، مشيراً إلى أنها شكّلت لجنة للتحقيق معه، من دون أن تحقّق مع الطلاب الذين بدأوا الهجوم والتهديد. وبينما أعلنت «كتلة الوعي» أنّ عميد شؤون الطلبة في الجامعة، محمد الأحمد «أكّد أن البُديري لن يعود إلى الجامعة بعد الأحداث الأخيرة»، نفى الأحمد لـ «الأخبار» صدور التصريح عن لسانه.
قضية موسى البديري الذي يعدّ أحد أبرز الأكاديميين في الجامعة، كشفت عن مدى عجز «معقل الحرية والعقلانية» والكتل الطلابية ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، أمام اعتداء مجموعة سلفية صغيرة الحجم والتأثير من طلبة الجامعة. لا تبدو الجامعة واعية لأثر هذه الردّة الجديدة على الحريات الفكرية في فلسطين المحتلة، بعد التراجع الملحوظ الذي شهدته السنوات الأخيرة. هذه القضية أعادت إلى الضوء العديد من المشاكل البنيوية التي تعانيها «جامعة بيرزيت»، على رأسها استقلاليتها، وخلفيات مموليها، وعلاقتها بطلبتها والمستوى الثقافي المتدني الذي أظهره قسم كبير من الأساتذة في تعاطيهم مع المسألة. حين حاولنا بحث أسباب هذا التردي، وسبب عدم اتخاذ الجامعة الإجراءات المناسبة لحل القضية، كانت إحدى الإجابات هي سُمّ التمويل الخارجي، وهو خليجيّ في هذه الحالة؛ فليس من مصلحة الجامعة أن تُنقل صورة عنها بأنّها «تُسيء إلى الإسلام». وإذا قبلت الجامعة هذه «الإساءة»، «فكيف بدها تجيب دعم ومنح»، وفق «زلة لسان» أحد أعضاء اللجنة خلال تصريحه لـ«الأخبار».
الخوف من فقدان التمويل الخليجي، قد يكون سبباً أيضاً لرغبة رئيس الجامعة خليل هندي في عدم إثارة الموضوع، لكن القضية توسّعت، واحتدّ الجدل بين أساتذة الجامعة، ووُظّفت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بشكل مُنظم للتحريض على موسى البديري. والمفارقة أن الرسوم التي علقها البديري على باب مكتبه، كان قد نقلها عن موقع خليجيّ، ونشرت على موقع سعودي أيضاً، وهي من إعداد شاب إماراتي، وكانت تهدف إلى مناقشة ممارسات اجتماعية مثل تعدّد الزوجات! هل يرتعد طاقم أكاديمي بهذا الحجم أمام مجموعة متشدّدة تريد إقامة محاكم تفتيش جديدة، في وقت تبدو فيه الجامعات الفلسطينية أحوج ما تكون إلى وعي أكاديمي نقدي، كالذي يمثّله موسى البديري، الذي لا تتناسب هذه القضية الصغيرة مع تجربته ومشروعه الفكري الداعم للمقاومة، والمناهض للمشروع الأميركي الإسرائيلي في المنطقة؟
محاولات التدخل في المناهج الخاصة بالفلسفة والدراسات الثقافية ليست جديدة في الجامعة، بل إنّ التدخلات مستمرة منذ نحو 20 عاماً، كما يقول رئيس دائرة العلوم السياسية في الجامعة عماد غياظة. يؤكد الأخير لـ«الأخبار» أنّ ثمة محاولات أخرى لتحجيم استخدام المنهج النقدي في العلوم. «هذه المحاولات من داخل الجامعة وخارجها، تجعلنا نتساءل عن مدى تأثير ظهور الأحزاب الإسلامية بتياراتها السلفية المتشددة على الساحة الفلسطينية، وأثر ذلك في سير العملية الثقافية والأكاديمية وسط غياب ثقافة العمل الوطني».
روّاد الحملة التكفيرية في «كتلة الوعي»، وضعوا اسم رئيس دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية عبد الرحيم الشيخ إلى جانب البديري في بيان أصدروه في 26 أيار (مايو) الماضي، مطالبين باتخاذ «أشد الإجراءات» بحق الأستاذ الجامعي، وزميله، الذي اعتبروه مشاركاً في «الجريمة». والملفت في كل هذا هو «تعاطُف» بعض الأساتذة مع الطُلاب الذين يريدون تحويل الجامعة إلى منبر سلفي. ظهر هذا التعاطف من خلال توجيه رسائل إلكترونية طالب بعضها بإعادة النظر في مناهج دائرة الفلسفة، في حين طالب آخرون بإغلاق الدائرة بحجة «وجود تيار يدعو إلى الإلحاد في الجامعة»، واتخذ الطرف الآخر من الأساتذة موقفاً يطالب بإنهاء النقاش من دون أن تكون هناك محاولات جديّة لفتح حوار عقلاني مسؤول حول القضية. رغم كل هذه الضجة، فإنّ المجموعة التي أطلقت على نفسها لاحقاً اسم «معاً ضد الإساءة إلى الإسلام في جامعة بيرزيت» لم يتجاوز عدد أفرادها الـ200 من أصل نحو 5 آلاف طالب تواجدوا خلال الدورة الصيفية في الحرم الجامعي. أما إدارة الجامعة، فلم تفعل سوى إصدار بيان بعد أيام على تفاعل الأزمة، تشير فيه إلى أنّ البديري أكد بوضوح للجنة ولمجلس دائرة الدراسات الثقافية أنه «لم يكن لديه أي مقصد متعلق بالمساس بالإسلام أو الدين الحنيف»، وأن «وضع الرسوم المذكورة جاء فقط بغرض الإسهام في نقد ممارسات اجتماعية». أما بخصوص الطلبة الذين رفع عميد كلية الآداب مدي عرار، ورئيس دائرة الدراسات الثقافية عبد الرحيم الشيخ شكوى ضدهم بشبهة التهديد، فإن لجنة النظام العام «ستنظر فيها وفقاً لأنظمتها». ومع أنّ هذه الشكوى قُدّمت لمجلس إدارة الجامعة بتاريخ 30 أيار (مايو) الماضي، إلا أن الجامعة لم تتخذ حتى الآن إجراءات بحق الطلبة.
في رضوخها لـ«كتلة الوعي»، تبدو «جامعة بيرزيت» شريكة في هذه الفضيحة، التي تقضي على ما بقي من حرية أكاديمية في هذا الصرح الأكاديمي. تواطؤ الجامعة دفع هذه المجموعة الصغيرة المهتاجة إلى إعلان انتصارها، وخصوصاً أنّ الإدارة أزالت الرسمين الكاريكاتوريين، وشكّلت محاكمة للأستاذ قبل الطلبة المعتدين، ولم تصدر أي توضيح حول نبأ «الانتصار» الذي أعلنته هذه الجماعة، وتناقلته بعض الصحف عشية تعليق حملة «معاً ضد الإساءة إلى الإسلام في جامعة بيرزيت» في 14 حزيران (يونيو). وما يزيد هذه المجموعات السلفية قوّة أنّ القوى والتجمعات العلمانية وجدت نفسها خائفة أمام هذا المد الإسلامي، فوقفت متفرّجة كأنّ شللاً ما أصابها. بصمتها وغيبوبتها تلك، إنما تساعد هذه القوى على تحقّق «الكابوس السلفي».
قلق وتنديد
في بيان أصدره الأسبوع الماضي، أعرب «مجلس مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية» عن قلقه من «لغة الخطاب التكفيري والتحريضي الذي شهدته الجامعة، من قبل بعض الكتل الطلابية وبعض أعضاء الهيئة التدريسية». وأبدى المجلس استعداده للتدخل إلى جانب مجلس الجامعة للإسهام في حل مشكلة موسى البديري (الصورة)، كما أدان الحركة الطلابية المتشدّدة، واصفاً الإجراءات التي اتخذت لحل الموضوع بـ«الفاترة».
>
6 تعليق
التعليقات
-
الى متى ستبقون متخلفين بالقول ان الديانات خط احمرالموضوع بكل بساطة يا خالد عبد الهادي انك لا تستطيع فرض وجهة نظرك على الاخرين ، وحكايةالديانات خط احمر تروح تحكي في البيت عند ماما، نحن في وقت ومع وجود الفيس بوك وجوجول كل شيء مباح وكل شيء ممكن النقاش فيه ، انت تمنع النقاش في بيتكم ولكن لا تستطيع ان تمنع النقاش في الشارع ، وحتى لو منعته اليوم ، كيف ستمنع طفل تربى على كثرة المصادر وتنوعها ، يا من تعيشون في القرون الوسطى افيقوا ، لقد انتهى عصر فكركم الظالمي
-
رد سريعأنا أحد الطلبة الذين شاركو في الاحتجاج ضد الدكتور المسيء نحن لا نمثل جماعة سلفية بعينها ... ولا أي جهة أخرى نحن مجموعة من خيرة طلاب الجامعة .. وغالبيتنا من أوائل الدفع تحركنا لنرد على المسيء ونلجم من سيحاول الاسائة في المستقبل فالديانات خط أحمر مهما كانت حرية التعبير مقدسة بالنسبة لهم
-
ما حدث بالجامعةأولا : كتلة الوعي عدد طلابها في الجامعة لا يتجاوز 10 ثانيا : من قام على الاعتصامات طلاب مستقلون ومن كافة الحركات الطلابية دفعتهم الغيرة على الاسلام و الاديان كافة ، كان فيهم المسلم و المسيحي ، كما أن المعتصمين أصدروا بيانا بينوا فيه أن لا علاقة لهم بحزب التحرير و كتلة الوعي و لا أي كتلة أخرى ، و كان البيان واضح وضوح الشمس ثالثا : بالنسبة لـ عميد شؤون الطلبة ، فقد قالهامرارا أمام ممثلي المعتصمين و بحضور رئيس مجلس الطلبة و ممثلي الحركات الطلابية ، و من نقل الخبر للطلاب ممثلي الاعتصام المستقلين، و لا علاقة لكتلة الوعي بهم رابعا : أكد الدكتور خليل الهندي لممثلي الاعتصام ، أن من حقهم ما قاموا به و أنه تعبير عن رفضهم ، و كما أكد على أن من يقومون بالاعتصام هم الفئة الاكثر وعيا ، لكنه قال أن الجامعة ستتخذ كافة الاجراءات المناسبة في كلا الطرفين خامسا : بالنسبة للإعلام ، كان الأحرى به مراجعة الطلبة المعتصمين ، وممثليهم ، قبل أن يطلقوا عليهم كتلة الوعي ، كان هناك ممثلين اثنين لوسائل الاعلام ، يبدو أن جريدتكم تخلو من المصداقية
-
الكثيرين من الشعب الفلسطينيالكثيرين من الشعب الفلسطيني وانا منهم تواطئنا بصمتنا لسنوات عدة عن تجاوزات الظلا ميين الذين لا يرون احدا على حق سواهم ومن هنا اطالب كل العلمانيين الحقيقيين التعبير عن ارائهم على كل المنابر لان هؤلاء الظلاميين اصبحوا يعتقدون باننا تلاشينا ولم يعد لنا وجود فلنثبت لهم اننا هن
-
عرب يا رسول الله!أثبتت جامعة بيريزت وما زالت بأنها أضحت إمتداد كأي امتداد آخر لمنظومة السلطة، وهذا ما يربكها فعلياً في التصرف حيال القضايا اليومية التي تطرح داخل الحرم الجامعي وخارجه بما يتعلق به.. برآيي: السلطة الفلسطينية المسؤول الأول عن تحوّل الجامعات الفلسطينية إلى حظائر فيها الطلاب كال.... عذراً، لكن هذا أقل ما يمكن أن أصف به واقعنا التعليمي المنكوب!
-
دور العميدنفي عميد شؤون الطلبة الدكتور الأحمد هو غير صحيح، فانا كنت متواجدا لحظة مخاطبته للطلبة وبحضور رئيس مجلس الطلبة وممثلي الكتل الطلابية، ولعل الشبب الوحيد الذي دفع بهذا العميد لتقديم هذا الرأي هو خوفه من رد فعل الاسلاميين على مهرجات ليالي بيرزيت الذي يشرف عليه هو وعمادته