هكذا، باتت تقارير «كومبي ليفت» مُنزلة ويتم التعامل معها كأنها صادرة عن لجنة تحقيق دولية أو لجنة مختصة. فهي التي تجري الكشف، ثم تحدد المبلغ الذي تراه مناسباً، وما على الدولة هنا إلا الانصياع لمطالبتها تحت حجة الظرف الطارئ ومنعاً لأي انفجار جديد. ثمن الإهمال الذي ستتقاضاه الشركة حتى اليوم يبلغ مجموعه 10 ملايين دولار «طازج»، مرشحة للارتفاع إذا ما تمّ الكشف عن مواد خطرة جديدة مخزنة منذ عشرات السنين في المرافق العامة، علماً بأن «كومبي ليفت» التي وضّبت 52 مستوعباً في مرفأ بيروت بعدما قام الجيش بعزلها، لم تنقل تلك المستوعبات الى خارج لبنان لأن الدولة لم تحوّل المليوني دولار (تكفلت الشركة باستدراج هبة أوروبية لتغطية نفقات إضافية). كان التعويل هنا على قرض البنك الدولي المخصص لدعم النقل العام في لبنان بقيمة 295 مليون دولار (يختلف عن القرض المخصص لدعم الأسر الأكثر فقراً)، بحيث يتم تخصيص جزء معين من هذه الأموال للتخلص من المواد الخطرة. لكن الإجراءات الإدارية لتلقّي القرض وقوننته تحتاج الى شهرين وأكثر. لذلك، تقول مصادر وزارية إن «الحلّ الأنسب للتخلص من هذه المستوعبات هو أن تقوم الدولة بدفع المبلغ، ويجري العمل على فتح اعتماد في ألمانيا قد ينجز في اليومين المقبلين». لكن المواد الكيميائية في منشآت طرابلس والزهراني ستستفيد من هذا القرض حكماً للدفع للشركة الألمانية، لأن لا أموال في وزارة الطاقة سوى ما يعادل نحو 7 مليارات ليرة وهي لا تكفي لسدّ المبلغ المطلوب. وتشير المديرة العامة للنفط أورور فغالي في حديثها الى «الأخبار» إلى أن «ثمة 70 حاوية في طرابلس تعود الى زمن تأسيس المنشآت في الخمسينيات ولم يتم التخلص منها. ما حصل أننا طلبنا مساعدة الجيش لمسح المنشآت بناء على طلب رئيس الحكومة حسان دياب. وعندما تبين وجود مواد كيميائية، نصحَنا الجيش باللجوء الى «كومبي ليفت» التي أعادت الكشف على الموقع وأعدّت تقريراً بشأنه، ثم تقدمت بعرض يبلغ نحو 6 ملايين ونصف مليون دولار لتوضيب المواد وترحيلها». وتضيف فغالي إنها فاوضت الشركة على تقسيم المبلغ الى جزءين: جزء يدفع بالليرة اللبنانية لقاء التوضيب الذي سيتم في لبنان، وبالتالي لا حاجة إلى الدولار. وجزء آخر يدفع بالدولار لقاء النقل. إلا أن الشركة، بعد تقديمي للعرض، لم تردّ بأي جواب». لكن لماذا لم يتم إجراء مناقصة لهذا الغرض؟ «المناقصة تتطلب تأمين الدولارات مسبقاً، ونحن ليس لدينا المال. لذلك ننتظر ما سيحصل في ما خص قرض البنك الدولي». في المحصلة، وبسبب الخوف من تكرار انفجار 4 آب الذي لم يحاسب أي من المسؤولين عن التسبب به حتى الآن؛ ولأن الدولة مفلسة بفعل من تعاقب على إفلاسها ولا تجد اليوم دولارات لتدفع ثمن إهمالها، يبدو أن مسار الاستفادة من قرض البنك الدولي لترقيع الفساد قد بدأ. ويبدو أن الشركة الألمانية «كومبي ليفت» ستكون المتعهد المكلّف بهذه الوظيفة.
6 ملايين و337 ألفاً و500 دولار قيمة توضيب ونقل المواد الكيميائية من منشآت طرابلس والزهراني
في سياق آخر، ثمة من يتعمّد إثارة الذعر والهلع لدى الأهالي، ربما عن خوف من أي انفجار جديد أو لأن هناك بعض الأفراد المستفيدين من نشر أخبار كاذبة والمبالغة بها كي يسرّعوا إقفال الصفقة، وفقاً للطريقة المعتادة في لبنان. هذا ما حصل يوم أمس وقبله عند انتشار خبر وجود مواد نووية في الزهراني وفي محيط المطار، ليتبين بعدها أن المديرية العامة للنفط سبق لها أن أرسلت كتاباً الى الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية بتاريخ 1 آذار وجاء الردّ من الهيئة بتاريخ 15/3 بأن المواد المصنفة هي «مواد نووية تخضع لنظام الرقابة والتحقق المتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية وأنه يتوجب ترخيص تخزين هذه المواد، وفي حال تعذر تخزينها، فإن الهيئة على استعداد لنقلها وتخزينها في مختبراتها وإبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ومنذ يومين، تم إرسال كتاب الى المجلس الوطني للبحوث العلمية يطلب من الهيئة وضع المواد في مختبراتها تحت التحكم الرقابي. أما المواد، فهي عبارة عن 4 عبوات زنة كل منها 100 غرام و3 عبوات زنة 250 غراماً وواحدة زنة 50 غراماً، مكوّنة جميعها من أملاح اليورانيوم المنضّب وهي مواد يتم استخدامها في الأبحاث العلمية. وقد شرح مدير الهيئة الوطنية للطاقة الذرية بلال نصولي أن القصد من وصفها بـ«عالية النقاوة» هو أن جودتها عالية ويمكن استثمارها في إطار البحوث وليست خطرة أو ما شابه. وفي بيان صادر عن المديرية العامة للنفط ــــ منشآت النفط في طرابلس والزهراني، «تم الاتفاق اليوم (أمس) بين المديرية وهيئة الطاقة الذرية على نقل المواد بسيارة خاصة يوم الاثنين المقبل الى مركزها لتصبح بعهدتها».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا