تستحضر أديبة فنش (65 عاماً) طفولتها التي أمضتها في حي الضهيرة الفوقا المحاذي للحدود. «كنا نلعب مع أطفال عرب جرداي وعرب العرامشة وننتقل بين حيّنا وحيّهم. وكان أهالينا يلتقون في مناسبات العزاء في المقبرة الواقعة عند تلة جرداي. هناك كان يتلاقى الأهالي بين الجانبين قبل أن تمنع إسرائيل لاحقاً اللقاءات»، تقول. قبل الفصل، استمر الوصل بين الجانبين عبر الزواج. ووفق فنش، انتقلت العشرات من بنات الضهيرة بالزواج إلى العرامشة وجرداي، منهم ابنة شقيق أديبة وشقيقة زوجها. تتطرّق فنش إلى التبعات الاجتماعية والنفسية لفصل الجانبين: «ترى الابنة أمها وأباها من خلف الشريط. خيرية أبو سمرا، علمت بخبر وفاة والدها في عرب العرامشة، فأخذت تركض من دون وعي، محاولة اجتياز الشريط الشائك، لكنها علقت في حقل الألغام وانفجر بها لغم وبُترت رجلها. كما أنّ لديها ابنتين تعيشان في عرب العرامشة بعد زواجهما من أقربائهما، لا تتمكن من رؤيتهما».
تستحضر أديبة فنش طفولتها في حي الضهيرة الفوقا المحاذي للحدود
انخرط أبناء الضهيرة في جيش الإنقاذ العربي الذي حضر عام 1984 لتحرير فلسطين، ثم صاروا فدائيين في صفوف المقاومة الفلسطينية، قبل أن يكملوا في صفوف المقاومة اللبنانية خلال الاحتلال الإسرائيلي. وبعد تحرير الجنوب عام 2000، شهدت الضهيرة لقاءً جماهيرياً بين آلاف اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات لبنان والشتات وبين فلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يكن يفصل بينهم سوى الشريط الشائك. لاحقاً، تجنّب أهالي الضهيرة التحدث مع أقربائهم في الجانب المحتل خوفاً من الملاحقة القانونية في لبنان.
البُعد القومي يحضر في الضهيرة في كل تفصيل، ولا سيّما الأسماء. نصر العرب أبو ساري اختار له والده هذا الاسم عندما ولد في الستينيات، مستلهماً إيّاه من التصدّي الشعبي العربي لإسرائيل. يعتبر أبو ساري أنّ تحرير الضهيرة لم يكتمل عام 2000. عشائر كبيرة فرقتها إسرائيل بين الجانبين، ولا يزال أبناؤها يحتفظون بسندات ملكية لأراض واسعة يملكونها في العرامشة وجرداي وحدب المصاطب. حتى إنّ المقبرة ضمّها الصهاينة للجانب المحتل، ما أجبر أهالي الضهيرة على استحداث مقبرة جديدة. في عام 2018، وصل إلى حدود الضهيرة جدار الخوف الإسمنتي الذي شيّده العدو على طول الحدود الجنوبية لمنع تسلّل المقاومين. وأدّت الأشغال إلى جرف المزيد من الحقول التي زرعها آل فنش وأبو سمرا وأبو حمد قبل عقود.