وفي ظل الأزمة التي لا تبدو حلولها قريبة، يندرج مصطلح «التسكيج» ضمن عدة المواجهة في محاولة للتخفيف من ساعات قطع التيار. ولئن كان الحديث هنا يطاول فقط احتياجات أصحاب مولدات الاشتراك، إلا أن ثمة أطرافاً أخرى تشترك في الأزمة نفسها. وهذا يشمل المستشفيات والمؤسسات الخاصة، وهي بمعظمها مؤسسات غذائية، والبنايات التي تملك مولداتها الخاصة والتي يندر أن تجد مادة المازوت بالسعر الرسمي، ما يضطرها أحياناً للجوء إلى جداول تقنين قاسية.
بالعودة إلى حاجة السوق في الضاحية الجنوبية من المحروقات، يشير عليق إلى أنها تبلغ بين 3 ملايين و500 ألف ليتر و4 ملايين ليتر من المازوت (بحدود 60% في ظل الأزمة الحالية) والبنزين (40%). وما تحصل عليه السوق المحلية اليوم هو 30% من حاجتها أي «بمعدل مليون ومليون و 100 ألف ليتر من المادتين، يذهب منها بحدود 300 ألف إلى 400 ألف ليتر للمولدات». أما البقية، فتُوزع بين مازوت للمستشفيات والشركات والمؤسسات الخاصة والأفراد... والبنزين. لذلك، وبعيداً عن جدول التوزيعات الذي تقوم به البلديات للكميات المتفق عليها مع المنشآت برعاية الأمن العام، تتبع محطات المحروقات سياسة جديدة تعمل وفق جدول أولويات. وفي هذا الإطار، يشير عليق إلى أن المؤسسات وضعت أرقام هواتف خاصة لتسجيل الطلبات، على أن يوضع جدول بها «لانتقائها حسب الأولويات». واستناداً إلى ذلك، تأتي في المقدمة المستشفيات ومن ثم المؤسسات الغذائية وثالثاً المولدات الكهربائية وأخيراً الأبنية والأفراد. وهذا الجدول «بنشتغل فيه كل يوم بيومه». هذا في ما يتعلق بالمازوت، أما في ما يخص مادة البنزين، فهذه الأخيرة لم تعد تأتي من منشأة الزهراني التي تتزود منها سوق الضاحية بما نسبته 90% من احتياجاتها ومن بعدها منشأة طرابلس. ففي ظل التقنين الذي تمارسه شركات توزيع المحروقات، تقفل غالبية المحطات الكثير من الفروع لديها. وفي هذا الإطار، يشير مالك هاشم، مدير شركة هاشم للمحروقات، إلى أن الشركة اضطرت إلى «إقفال 8 من أصل 11 فرعاً في الضاحية»، فيما الفروع الثلاثة المتبقية «تفتح يوماً وتقفل يوماً». أمس، فتحت محطات هاشم الثلاث صباحاً، بعدما تسلمت 30 ألف ليتر من مادة البنزين «يعني بمعدل صهريج لكل محطة» بالكاد تكفي حتى انتصاف النهار. ومثلها تفعل محطات أخرى، ومعظمها من المحطات الأكثر حضوراً في الضاحية كشركة الأمانة (14 فرع محطة في الضاحية من أصل 45) والأيتام (15 محطة). وفي هذا الإطار، يجتمع هؤلاء على خلاصة واحدة مفادها أن «70 إلى 80% من تلك المحطات أُقفلت بسبب تلك الأزمة». أما بقية المحطات، فهي صغيرة نسبياً ومعظمها لأفراد أو شركات صغيرة.
بعض شركات المحروقات يمتنع عن تسليم المحروقات في الضاحية تنفيذاً للعقوبات الأميركية
لم تأت هذه الأزمة من العدم. ثمة أسباب عامة وأخرى خاصة يرويها أصحاب المحطات. في الأسباب العامة، يعود هؤلاء إلى معضلة التحويلات عبر مصرف لبنان والتقنين الذي يمارسه «المركزي» في تحضير معاملات البواخر. وفي هذا الإطار، يشرح هاشم الآلية السابقة وما صارت عليه اليوم، مشيراً إلى أنه «في السابق، كانت الشركات تفتح ثلاثة حسابات: واحد لباخرة آتية في البحر وآخر لباخرة في الستوك وثالث لباخرة تفرغ حمولتها، أما اليوم فلا يسمح بأكثر من فتح اعتماد واحد ودونه شروط، منها ما يتعلق بالفريش دولار». بسبب ذلك، لم تعد الشركات تسلّم الكمية الكافية لمحطات الوقود، الأمر الذي انعكس سلباً على تلبية السوق المحلية. أما ثاني الأسباب، فيعاني منه جزء من العاملين في هذا القطاع في سوق الضاحية، وهو «سياسي بامتياز»، يقول عليق، مشيراً إلى موضوع «يمسنا شخصياً نحن كأمانة»، إذ تمتنع الشركات في كثير من الأحيان عن تسليم كميات مفترضة من مادتَي المازوت والبنزين «لأنها عم تنفذ التزامها بالعقوبات الأميركية».