ثانياً، من يبلغون الـ 21 وينتخبون للمرة الأولى. هذه الشريحة هي المساهم الأكبر في تظاهرات 17 تشرين وفي التحركات في الشارع، وهي نفسها التي أثبتت وجودها في الانتخابات الجامعية. وعلى هؤلاء يكون التعويل في إظهار فارق أساسي في الاقتراع، خصوصاً إذا أُضيفوا إلى من اقترعوا للمرة الأولى عام 2018، وشهدوا الانهيار المتسارع للقوى السياسية وللنظام المالي، والذين يمكن أن يشكلوا فارقاً في نوعية التصويت الذين سيعتمدونه. وتعويل المستقلين أو المنضوين تحت مسميات ثورة 17 تشرين على هذه الشريحة يبدو كبيراً، لأنها الأكثر تعرضاً في السنوات الأخيرة لارتدادات الوضع الاقتصادي والبطالة وانهيار التعليم، وقد يكون الرهان كبيراً على هؤلاء في إحداث فارق في اتجاهات التصويت.
ثالثاً، نتائج سقوط التسوية الرئاسية. فالناخبون السنة، لا سيما في دوائر الشمال وعكار وزحلة، قد يلعبون نتيجة سقوط التسوية والتحالفات السابقة دوراً أساسياً في الخيارات. ففي الشمال التأثير مباشر على التيار الوطني الذي ربح بفعل دعوة الرئيس سعد الحريري إلى التصويت له، وفي عكار وزحلة على القوات اللبنانية التي بدأت تتلمّس مفاعيل الارتداد السني بعد الافتراق بينها وبين الحريري. وهذا التصويت السني سيلعب دوراً مؤثراً تجاه الطرفين، يضاف إلى الارتدادات السنية الصافية حيث يزيد الانقسام الداخلي بطريقة لم يشهدها الشارع السني سابقاً، رغم أن الإشارات السعودية بدأت تطرق باب المتريثين لدفعهم إلى الاقتراع للمعارضة.
في عكار وزحلة تتلمّس القوات اللبنانية مفاعيل الارتداد السني بعد الافتراق مع الحريري
رابعاً، الناخبون المنتشرين. لا يكفي رصد أرقام عالية في دوائر ذات حساسيات مرتفعة، كما حصل يوم تتبع جداول تسجيل المنتشرين للاقتراع حيث هم، كما لا يكفي التعويل على أن معظم المنتشرين هم من هجروا لبنان تحت وطأة الأزمة الأخيرة ويمكن أن يرتدّوا على أحزاب النظام والسلطة القائمة منذ سنوات. هؤلاء المنتشرون يمكن أن يكونوا الورقة المخفية التي يتكل عليها البعض ويتخوف منها البعض الآخر. وكما أن الرهان عليها كبير من أحزاب المعارضة، إلا أنه لا يمكن القفز فوق احتمالات عدم انسياق المنتشرين وراء المعارضة المستقلة والمجتمع المدني لصالح أحزاب معارضة وتقليدية. وقد يخلق هذا التصويت علامات فارقة في قراءة حقيقة وضع المنتشرين وما يتوقع منهم بعد كل السجال والضجة والطعن من أجل الحصول على أصواتهم.
الورقة الخامسة التي يعرفها جيداً كل العاملين في رصد نتائج الانتخابات، هي الفئة التي تمتنع عادة عن اتخاذ قرار نهائي إلا في اللحظات الأخيرة. مبدئياً كان يتم التعويل على هؤلاء من أحزاب وقوى قريبة من النظام القائم بفعل الأمر الواقع. لكن، في انتخابات هذه السنة، قد يكون الرهان معكوساً، لأن هذه الشرائح قد تنتخب «نكاية» بالسلطة وأحزابها، نتيجة التدهور المالي والاقتصادي والأزمات السياسية المتتالية. ففي كل انتخابات سابقة كانت هذه الفئة من الذين يقلبون موازين الانتخابات ويطيحون بمرشحين فاعلين ويعيدون تزكية آخرين. وثمة رهان عال على أن أداء السلطة قد يكون أحد العناصر الفاعلة التي تجعل اتجاه الناخبين المتريثين يميل نحو المعارضين. لكن هذا الرهان محفوف بالمخاطر. كما كل ما سبق ذكره.
من هنا تصبح هذه الأوراق المجهولة مصيرية في انتخابات تعاني أصلاً من إشكالات كثيرة وخاضعة للتجاذبات، منذ إعادة النقاش في قانون الانتخاب إلى الطعن به وصولاً إلى تعثر التحالفات واستمرار التكهنات حول احتمال تطييرها لأي ذريعة.