المفاوضات تبدو عسيرة جداً، فيما انتهت مهلة تقديم الموازنات المدرسية الممدّدة، إلا أن محاولات تمرير التعديل من خارج الاتفاق، هي لعبة تمتهنها المدارس الخاصة، وبعض النواب النافذين، ففي كل مرة يقرّ المجلس النيابي قانوناً يجري تشويهه في المرسوم، مثل قانون مساعدة أولياء الأمور في المدارس الخاصة والمعروف بقانون الـ 500 مليار، كذلك "الهوية التربوية" التي مرّرها المجلس النيابي بعبارة واحدة وهي إقرار الهوية التعليمية. وقد تم إقرار القانونين وصاغ المراسيم التطبيقية القاضي مدّاح، المستشار القانوني للوزارة.
ولتبسيط العملية، يقترح النواب مشروع قانون متعلّقاً بالتربية، ويمرّ على لجنة التربية النيابية للنقاش والبتّ به، ثم تقرّر اللجنة صياغة ما، ويخرج مشروع القانون من لجنة التربية بصياغة مغايرة للصياغة المتفق عليها، ويُقدّم إلى المجلس النيابي الذي يقرّه استناداً إلى موافقة لجنة التربية (طبعاً إذا لم تكن هناك نقاط خلافية)، يُحوّل المشروع إلى وزارة التربية التي تصدر مرسوماً تطبيقياً يصيغه القاضي مدّاح، فيصيغ المرسوم بشكل مغاير للأهداف التي وُضعت له في القانون. يتغاضى الوزير بالرغم من علمه بالتجاوزات ويوقّع على المرسوم تمهيداً لتطبيقه.
في الجلسة التشريعية الأخيرة، تكرّرت اللعبة بنمط أخبث من السابق، إذ قدّمت رئيسة لجنة التربية النيابية، بهية الحريري مشروع قانون تعديل المادة 2 إلى مكتب مجلس النواب من خارج جدول الأعمال وقد أعدّه كل من القاضي مدّاح ومحامي المؤسسات التربوية ومن دون علم وموافقة لجان الأهل ولا حتى أعضاء لجنة التربية النيابية في محاولة ثانية لتمريره تسللاً. يتصل أحد النواب الأعضاء بمكتب المجلس بزميل له في الكتلة للتأكد من أنه تمت دراسة مشروع القانون في لجنة التربية، وإن كان على علم به، فيجيب بالنفي ويتأكد النائب الثاني من ممثل اتحاد لجان الأهل حول الموضوع ويؤكد الأخير أنه لم يجرِ الاتفاق على أي مشروع وأن جلسات نقاش تعديل القانون معطّلة، وأن المشروع المقترح للجلسة هذه مرفوض قطعاً. تتحرّك الاتصالات لمعرفة المزيد حول تمرير مشروع القانون إلا أن الجلسة تأجّلت.
القاضي مدّاح بلغ السن القانونية، ويتجاوز في "مراسيمه" أهداف القوانين ويتلاعب في صياغة المراسيم لتخدم مصالح جهة محددة. التجارب السابقة مع القاضي نفسه تدلّنا كل يوم إلى أنه يعمل لصالح جهة أخرى غير الوزارة.
التجارب مع القاضي تشير إلى أنه يعمل لصالح جهة أخرى غير الوزارة
لعبة توزيع الأدوار صارت واضحة، النائبة بهية الحريري بصفتها رئيسة لجنة التربية تتجاوز لجنتها في أغلب الأحيان لتمرير مشاريع قوانين جهارة أو تسللاً، وهي مالكة شبكة مدارس خاصة كبرى بالاتفاق مع اتحاد المؤسسات التربوية التي تصيغ المشاريع في الوزارة عبر القاضي مدّاح، الذي يعيد تصويب القانون لصالح المدارس الخاصة من خلال المراسيم التنفيذية ليضمن لها الإفادة القصوى والوزير أياً كان، يغضّ النظر!
هنا تضيع آلية المحاسبة والمتابعة بتجهيل المتجاوزين للقانون، من فعل هذا، من أقرّ القانون؟ من رسم المرسوم؟ لا تظهر في الصورة إلا قوانين ومراسيم ويجهل النواب من هم واضعوها ولا يعترضون على مراسيمها التطبيقية المغايرة لأهدافها، والوزير يعيد أسباب قبولها إلى إقرار القوانين التي لا يدَ له فيها بالرغم من أنها تعني وزارته مباشرة.
هل الوزير غافل عن لعبة المدارس الخاصة داخل وزارته، وفي أهم موقع قانوني فيها؟ هل يتجاوز القاضي مدّاح الوزير؟ هل الوزير عاجز عن طلب تعيين قاض آخر، ولماذا لا يفعل؟ هل الوزراء السابقون غافلون؟ وكنا قد سمعنا رأي الوزير طارق المجذوب في إحدى مقابلاته شكواه على القاضي مدّاح ولكنه عجز عن إزاحته. ممن يستمدّ المستشار القانوني لوزارة التربية قوته؟