إذاً ، تشرّع الحكومة تقاضي الرشى علناً بعدما كانت تُدفع من تحت الطاولة، أو توضع داخل الملفات لتسريعها في بعض الإدارات العامة. أيضاً تسمح للموظفين بالمفاضلة بين معاملة وأخرى، وبين المراجعين أنفسهم. الأسئلة كثيرة حول المادة 21 بحسب مدير عام متقاعد، إذ كيف سيتصرف الموظف مع المواطن غير القادر، أو غير الراغب بدفع «بدل الخدمة السريعة»، مقابل «المواطن الدفيع»؟ وفي حال هناك دائرتان، إحداهما تعمل أكثر من الأخرى، ما المسوّغ القانوني الذي يسمح لموظفين من الفئة والدرجة نفسيهما بتقاضي راتبين مختلفين؟، مشبّهاً الأمر بـ«البقشيش في المطاعم».
«كلّه سيأكل»، والخزينة العامة أقل الرابحين، ما يزيل مبدأ الشمولية عن المادة، إذ لن تتمكن وزارة المالية من توزيع الأرباح بعدالة بين الموظفين. كما ستخلق المادة 21 من موازنة 2024 فرزاً حاداً بين موظفي الإدارة العامة أنفسهم، فهناك إدارات لا تمتلك شبابيك مراجعة، ولا تماس بينها وبين المراجعين، بالتالي لن يستفيد موظفوها من هذه البدلات. وفي السياق نفسه، وصف مدير عام سابق إقرار المادة بـ«تشريع الفوضى» متسائلاً عن «إمكانية ضبط الموظفين من بعدها، وتنظيم إنجاز المعاملات وعدم تأخيرها عن قصد لحثّ المراجعين على دفع بدل مادي لتسريع إنهاء العمل بها». كما أشار المدير العام إلى «أنّ المادة تلغي إمكانية إنجاز أيّ معاملة في يوم واحد، وتجعلها كلّها في خانة المؤجّل، أو في الجارور».
كيف سيتصرف الموظف مع صاحب معاملة غير قادر أو غير راغب بدفع الرشوة المقوننة مقابل «المواطن الدفّيع»؟
بعيداً من واجبات الموظفين، تُطرح أسئلة إدارية أيضاً حول آليات تطبيق المادة 21، من تحديد رسوم إنجاز المعاملات إلى تقسيم المعاملات بين تلك التي تُتابع مباشرةً، والقابلة للتأجيل، وصولاً إلى الجدوى من إنشاء صناديق جديدة. وحول النقطة الأخيرة، استغرب المدير العام التناقض في توجهات الحكومة المالية، من جهة تريد الالتزام بتوصيات البنك الدولي وتوحيد الصناديق في الدولة، ومن جهة ثانية تقوم باستحداث صناديق من دون تحديد وظيفتها، قاصداً «صندوق تعاضد موظفي الإدارة العامة» غير الموجود حالياً. في المقابل، إذ يقترح المدير العام «إضافة رسم مقطوع على كلّ المعاملات عن طريق إضافة طوابع مالية تعود مباشرةً للخزينة العامة، وتساعد الحكومة على إجراء تعديل عام على رواتب موظفي القطاع العام».