في ردة فعل اختلطت فيها الفرحة بالغصة، لم يستطع يوسف خندقجي، شقيق الأديب الفلسطيني الأسير باسم خندقجي، أن يحبس الدموع في عينيه عند الإعلان في أبو ظبي ليل أول من أمس الأحد عن فوز رواية «قناع بلون السماء» (دار الآداب ـــ «الأخبار» 27/4/2024) بـ «الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)» في دورتها الخامسة عشرة، على لسان الروائي والأديب السوري نبيل سليمان، رئيس تحكيم الجائزة وبعضوية كل من الروائي السوداني حمور زيادة، والباحثة والأكاديمية الفلسطينية سونيا نمر، والأكاديمي التشيكي فرانتشيك أوندراش، والناقد والصحافي المصري محمد شعير.

أكّد سليمان في بيان الأسباب الموجبة لفوز الرواية: «يندغم في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة. روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككاً الواقع المعقّد المرير، والتشظّي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر... كما توقّدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوّه البشر، أفراداً ومجتمعات. إنها رواية تعلن الحب والصداقة هويةً للإنسان فوق كل الانتماءات». إعلان لا يشير ولو بكلمة إلى نضالات الأسر والأسرى (ولا سيما أن الروائي نبيل سليمان هو أحد روّاد أدب السجون في العالم العربي) وتختار فيه اللجنة كلماتها بدقة وتعوزه الكثير من الشجاعة التي تميّزت بها الرواية التي وضعت تاريخ فلسطين الحقيقي والمطموس والمصادَر في مواجهة سرديّة المحتلين و«الأنبياء المزيفين»، وتمثل على امتداد صفحاتها الـ240 وغلافها المزيّن بقبة الصخرة وقطعة من القماش الفلسطيني المطرّز، مساحة اشتباك يومية مع المحتل، وجاءت تتويجاً لنضال خندقجي الطويل في الأسر، وتحويله زنزانته التي هُرّبت منها فصول الرواية على مراحل في سجن عوفر إلى مصنع للحكايات، ناهيك بهزّاتها الارتدادية في «المجتمع» الإسرائيلي نفسه. إذ كانت عائلة خندقجي قد أعلنت في وقت سابق على لسان شقيقه يوسف: «بقي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو أيّ من وزراء حكومته المتطرفين الخروج في مؤتمر صحافي وإعلان أنه وبينما لدينا أسرى في غزة لا نعرف عنهم شيئاً، هناك أسرى فلسطينيون يكتبون الروايات ويخرجونها إلى العالم» تعقيباً على الضغوط الهائلة وحملات التحريض التي قوبل بها إدراج الرواية ضمن القائمة القصيرة من قبل العدو وإعلامه ومستوطنيه. كما علّقت صحيفة «هآرتس»: «إرهابي فلسطيني متورّط في قتل مدنيين إسرائيليين ومحكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، يتم ترشيحه لجائزة أدبية».
إعلان لم يشر إلى نضالات الأسر والأسرى واللجنة اختارت كلماتها بدقة يعوزها الكثير من الشجاعة


من جهته، كتب ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء «الجائزة العالمية للرواية العربية» حول «قناع بلون السماء»: «تجول رواية باسم خندقجي «قناع بلون السماء» في عوالم يتقاطع فيها الحاضر مع الماضي في محاولات من الكشف الذي ترتطم به الأنا بالآخر. كلاهما من المعذبين في الأرض، إلّا أنَّ أحدهما هو ضحية الآخر. في هذه العلاقة، تصبح النكبة الفلسطينية نصباً تذكاريّاً بصفتها أثراً من آثار كارثة إنسانية لا علاقة لضحية الضحية فيها. في نهاية المطاف، ينزاح قناع البطل بفعل سماء حيفاوية، لتطل عبرها مريم المجدلية التي طفق البطل يبحث عنها؛ ليحرّرها من براثن دان براون في روايته «شيفرة دافنشي». ولو اتّسم ما كتبه بقدر أكبر من الشجاعة، ولا سيما في الجملة الأخيرة والإحالة إلى صراع السرديات وتحريرها من كذب الماكينة الهائلة للصهاينة وأعوانهم الغربيين، إلا أنّه لا يشفي عليلاً ولا يروي غليلاً: لا يمكن إلا الاحتفاء بفوز رواية مقاومة كتبها أسير بجائزة «البوكر» لهذا العام وهو فوز مستحقّ لا جدال فيه. لكن أسئلة مشروعة حول سياق الجائزة التي تشرف عليها دولة ترى في من يسجن باسم خندقجي «صديقاً»، يجب أن تستدعي نقاشاً جدياً حول دور الثقافة، إن لم يكن حول ارتباطها بالمقاومة والقضايا العادلة وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني ومجازر الإبادة التي يتعرض لها على مرأى ومسمع العالم، ولكن على الأقل حول دور الثقافة في تمييز العدو من الصديق.