بحسب المخابرات الألمانية، فإنّ عدد ضحايا الحرب في شرق اوكرانيا بلغ، حتى اليوم، أكثر من خمسين ألف قتيل، أي أضعاف الرقم الذي تدّعيه السلطات الأوكرانية؛ ما يعني أنّ الصراع في الدونباس هو أعنف، باعتبار مدته الزمنية، من الحرب الطاحنة في سوريا.
فيما كان الغرب مشغولاً بحربه الاعلامية ضد روسيا وبوتين، كان المتمرّدون الأوكران، وخلفهم حكومة موسكو، يبنون جيشاً حقيقياً، يقال إن عديده قد زاد عن المئة ألف، يطمح للسيطرة على كلّ المنطقة الممتدة من ماريوبول على البحر الأسود الى الحدود الشمالية للبلاد؛ واذا أخذنا المعارك العسكرية الأخيرة كمؤشر على المستقبل، لن يكون من الصعب أن نتخيّل، في المستقبل القريب، هيمنة للمتمردين الروس على كامل اقليم الشرق الأوكراني، من القرم جنوباً الى حدود روسيا البيضاء.
بدأ التراجع العسكري للجيش الأوكراني مع اخراجه من مطار دونتسك منتصف الشهر الماضي، والمطار كان يمثّل قاعدة اوكرانية متقدّمة في قلب منطقة سيطرة المتمرّدين، وقد قورنت المعركة المريرة التي جرت فيه، وآثارها الاستراتيجية على الصراع، بمعركة ستالينغراد. اليوم، يواجه الجيش الاوكراني كوارث أكبر بكثير، أهمّها حصار الآلاف من جنوده في جيب ديبالتسيفي، الذي يتوسّط مدينتي لوغانسك ودونيتس.
تدعي مصادر روسية أنّ أكثر من ثمانية آلاف جندي اوكراني باتوا مطوّقين حول ديبالتسيفي (التي أصرّ جيش كييف على الاحتفاظ بها لأنها تشكّل عقدة مواصلات رئيسية، وعبرها تمرّ القطارات التي تنقل الفحم الى معامل الكهرباء في البلد)، بينما يقول الأوكرانيون إن عديد الوحدات المحاصرة هو بين ثلاثة وأربعة آلاف. في هذه البقعة الاستراتيجية تجري اليوم أعنف المعارك، وقد اصطلح المراقبون على تسميتها بـ «المرجل».
يشتدّ الحماس في اميركا لتسليح جيش كييف ومدّه بالمعدات الحديثة، بعدما كان الدعم الغربي يقتصر على مساعدات «غير قاتلة»، كمناظير الرؤية الليلية والرادارات التي تكشف مصدر القصف المدفعي (تمّ تدمير اثنين منها، من أصل ثلاثة استلمتها كييف). غير أنّ الاستثمار في الجيش، البيروقراطي والمتهالك، لا يبدو مجدياً؛ بينما القوات الأوكرانية الفعالة هي ميليشيات المتطوّعين الموالين لحكومة كييف، ولكن مشكلتها أن أغلبها ينتمي الى العقيدة النازية (أو ابنة عمّها)، ما يجعل دعمها مسألة «اشكالية» في الغرب.
في هذا الجوّ، وبينما تتبادل قوات المتمردين والحكومة القصف براجمات «سميرش» و «أوراغان»، كتب استاذ العلوم السياسية جون ميرشهايمر (الذي صار متخصصاً في قول ما لا يريد الأميركيون سماعه) ناصحاً واشنطن بالتخلي عن فكرة دعم كييف عسكرياً. حجّة ميرشهايمر الأساسية هي أن الضغط العسكري على موسكو لن يجدي نفعاً، فروسيا لا تعتبر اوكرانيا ميداناً ثانوياً، ولن تقبل بالهزيمة هناك، وستقابل كل تصعيد غربي بتصعيد أكبر، بينما اوكرانيا وشعبها يدفعان الثمن. القاعدة نفسها، بالمناسبة، تنطبق على سوريا وحربها، وهي كانت واضحة لكلّ من موّل الحرب وسعّرها. ولكن يبدو أن الأقوياء يعتبرون حياتنا، كحياة الأوكرانيين، تستحقّ أن تُرمى على طاولة الرهانات الخاسرة.
3 تعليق
التعليقات
-
لا أظن أنّه يمكن إخفاء خمسينلا أظن أنّه يمكن إخفاء خمسين ألف قتيل قضو بعشرة أشهر. كما أظنّ أنّه لو كان لدى المتمردين ١٠٠ ألف مقاتل لكانوا احتلوا كييف. الرجاء احترام عقول الناس و الإبتعاد عن البرباغاندا.
-
"القاعدة نفسها، بالمناسبة،"القاعدة نفسها، بالمناسبة، تنطبق على سوريا وحربها، وهي كانت واضحة لكلّ من موّل الحرب وسعّرها." روسيا/ايران لا تعتبر سوريا ميداناً ثانوياً، ولن تقبل بالهزيمة هناك، وستقابل كل تصعيد غربي بتصعيد أكبر، بينما سوريا وشعبها يدفعان الثمن. اوافق الكاتب في أن "نظام" الاسد وجيشه ليس اكثر من مجموعة من الانعزاليين المسلحين من قوى اقليمية وعالمية التي تدمر البلاد وحياة الناس مثل اعدائهم وهم مجموعة انعزاليين ممولة ومسلحة من قوى اقليمية وعالمية. هذا هو وجه الشبه بين سوريا واكرانيا. والحل سيكون نفسه بالتالي: اوتونوميا لجهة انعزالية، او تقسيم الدولة. ليدفعوا ثمن غبائهم ونحن ثمن غبائنا.