في شهر تشرين الأول الماضي، قمت بجولة في ولاية كاليفورنيا بدعوة من خمس من أهم الجامعات فيها، لتقديم محاضرات عن كتابي «العرب والمحرقة النازية» (دار الساقي، 2010، للطبعة العربية). وكنت قبل ذلك قد ألقيت محاضرات مماثلة في عشر من أبرز جامعات الولايات المتحدة. أثار الأمر غيظ الصهاينة، فشنّت عليّ شبكة «كامبس ووتش» ـــــ وهي متخصصة بالنباح على أعداء الصهيونية في الجامعات الأميركية ـــــ هجوماً اتخذ شكل مقال طويل نُشر في عدد وافر من مواقع الإنترنت، وأضيف إلى حملة من السباب الإلكتروني والورقي، لا تني تتصاعد.
امتعض مقال «كامبس ووتش» من أنّ كتابي «يحوز شرعية هامة في الدوائر الأكاديمية؛ إذ يغطّي خلاصاته العجيبة بقناع من المواصفات العلمية، بينما يدعّم انحيازات القائمين على دراسات الشرق الأوسط اليساريين المعادين لإسرائيل». ومما أخذ المقال عليّ، أنّني أكرر حجج «محامي معاداة السامية عند العرب»، وأقلل من شأن «الدور المصيري الذي أداه الحاج أمين الحسيني» في تعاونه مع النازيين، وأتحدث عن «مقاومة إسلامية»، وهو «تلطيف حقير للإرهاب»، وأبرّر إنكار المحرقة في الشرق الأوسط، وهلمّ جرّاً.
ولا شك في أنّ تلك الحملة قد لفتت انتباه أسعد أبو خليل، وهو مقيمٌ في كاليفورنيا، فهبّ للدفاع عنّي في مدوّنته على موقع «الأخبار» بالإنكليزية، باذلاً جهده لردّ هجوم الصهاينة عليّ، بمحاولة إقناعهم بأنّني في الواقع مهادن لعقيدتهم. وأشكر له غيرته وحرصه على تبرئتي من معاداة الصهيونية، لكنّني أخشى أن تكون حججه ضعيفة وأن يكون فهمُ الصهاينة أقرب إلى حقيقة مواقفي من تفسيراته العوجاء.
وقد تذكّر أبو خليل، بالمناسبة، أنّه سبق أن انتقد كتابي على صفحات «الأخبار»، قبل سبعة أشهر، وذلك قبل أن يقرأه، فقرّر أن يُهدي إلى قراء النسخة العربية من الجريدة، في 17 كانون الأول، أي في الذكرى الأولى لانطلاق الثورة التونسية التي أشعلت نار الثورات العربية، مقالاً جديداً مخصصاً للهجوم عليّ ـــــ ربّما لاعتقاد صاحبنا أنّ مصير الثورات العربية متوقف على محاربتي. لكنّه، على الأقل، حاول قراءة الكتاب هذه المرة، ويا لها من قراءة!
وللإنصاف، فقد استهل مقاله ببعض المديح، كاتباً: «أقدّر الجهدَ البحثي الذي كرّسه المؤلّف، كما أنّني أقدّر قوّة الحجّة التي ساقها لدحض الأقاويل والمزاعم الصهيونيّة بشأن موضوع الحاج أمين الحسيني وموضوع «لاساميّة العرب». كذلك، أحسن الكاتب إبراز التناقضات التي ترد في كتابات صهيونيّة، وخصوصاً في كتابات برنارد لويس. وأنا بدوري أقدّر الجهدَ النفسي الذي كرّسه أبو خليل لكي يقرّ بذلك. لكن إقراره جاء مقدمةً لسيل من الانتقادات، سعى فيها إلى المزايدة القومجية عليّ، ولإيهام القراء بأنّه أكثر إحاطة بموضوع الكتاب من مؤلفه؛ إذ إنّ صاحبنا حريصٌ على الإيحاء بأنّه عالم عليم يفتي في كافة المسائل. بيد أنّ محاولته هذه المرّة، كما في السابقة، إنما تكشف عن حدود علمه وفهمه وإفراط ادّعائه، كما سنبيّن.
فلنبدأ بالانتقادات السياسية. بعد جملة الثناء المذكورة، استدرك أبو خليل على الفور قائلاً: «لكن الكتاب يُسهم، من حيث لا يريد المؤلّف، في الإضافة إلى المكتبة الضخمة التي أنتجها الغرب عن موضوع الحاج أمين و«لاساميّة» العرب». يعني أن هناك مكتبة ضخمة معادية للعرب، فلا يجوز أن نضيف إليها كتاب تميّزه، على حد قول أبو خليل نفسه، «قوّة الحجّة التي ساقها لدحض الأقاويل والمزاعم الصهيونيّة...»، إلخ. إنّه لمنطق عجيب حقاً! ظننت (وكتبت) أنّ دافعي إلى تأليف كتابي، وبكامل إرادتي، هو بالضبط ضخامة المكتبة الصهيونية المعادية للعرب في مواضيع بحثي، وضرورة دحضها وتفنيدها. فها هو أبو خليل يخبرني أنّ ذلك مضرّ لأنّه يمثّل «إضافة»، وأعترف بأنّ تلك الفكرة العميقة لم تخطر ببالي.
ويتابع صاحبنا: «إنّ تكرار الإدانات لمواقف أصبحت في ذمّة التاريخ شبه القديم، لا يقدّم ولا يؤخّر، إلا من باب إحراج الشعب الفلسطيني بسبب خيارات غبيّة وغير أخلاقيّة للحاج أمين الحسيني». عجيب! كيف يستطيع كتابٌ يدحض «الأقاويل والمزاعم الصهيونيّة بشأن موضوع الحاج أمين الحسيني» أن يحرج الشعب الفلسطيني؟ بل يرى أبو خليل أنّ «جوهر خلافه» معي هو أنّ كتابي يتضمّن «إدانة جديدة للحاج أمين»! ثم يضيف بعد أسطر: «أما بالنسبة إلى الحاج أمين الحسيني، فمن يستطيع أن يختلف مع الأشقر في تصويره لتلك الطامة الكبرى؟ الحاج أمين ألحق أضراراً كبيرة بقضيّة الشعب الفلسطيني، وضغط مُبكّراً لتنفيذ مآرب الدولة العبريّة... قدّم خدمات جلّى للصهيونيّة عبر العقود، من خلال خطابه الغبي وممارساته السيّئة».
قد يستنتج أي عاقل ممّا سبق أنّ الدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني يتطلب إدانة هذه «الطامة الكبرى» بغية إحباط استغلالها من الصهيونية. وهذا ما فعلتُ في كتابي، حيث بيّنت ما لم يعد أبو خليل «يستطيع أن يختلف» معي بشأنه (علماً بأنه اختلف قبل سبعة أشهر، أي قبل قراءة الكتاب)، وفنّدت في الوقت نفسه «المزاعم الصهيونيّة بشأن موضوع الحاج أمين الحسيني»، سواء تلك التي تضخّم دوره في التعاون مع النازيين أو تلك التي تصوّره زعيماً أوحد لدى الفلسطينيين وسائر العرب بعد رحيله إلى أوروبا، رغم أنّ دعواته إلى الالتحاق بالمحور الألماني ـــــ الإيطالي لم تلقَ صدىً يُذكر في المنطقة العربية، ورغم أنّ المدّ القومي العربي الصاعد بعد النكبة قد نبذه بوصفه رمزاً من رموز الرجعية العربية.
ثم يوجّه أبو خليل إليّ الحجة البالية نفسها التي وجّهها قومجيون عرب إلى إدوارد سعيد بالأمس، فيأخذ عليّ «التعبير عن حساسيّة ليبراليّة غربيّة، ترفض المقارنة بين معاناة الشعب الفلسطيني ومعاناة اليهود». وكأنّ الإقرار بأنّ المحرقة النازية، التي ذهب ضحيتها بين خمسة وستة ملايين من اليهود بأبشع الطرق، هي مأساة تاريخية أخطر بكثير من النكبة التي اغتصبت الصهيونية من خلالها أرض فلسطين واقتلعت منها غالبية شعبها، كأنّ الإقرار بذلك إذاً إنما ينمّ عن «حساسيّة ليبراليّة غربيّة»! والحقيقة أنّ مثل هذا القول هو الذي ينمّ عن افتقارٍ لأبسط القيَم الإنسانية. وقد فات أبو خليل ما رافق الإقرار المذكور في كتابي، ألا وهو التأكيد أنّه، حيث كانت محرقة اليهود «إبادة جماعية» بينما كانت النكبة «تطهيراً عرقيّاً»، فهما بالتالي صنفان ممّا يسمّيه القانون الدولي «جرائم ضد الإنسانية»، وإن كانت الجريمة الأولى أكبر من الثانية.
ويستشهد أبو خليل بإقراري بحقيقة بديهية هي أنّ تاريخ الاستعمار قد شهد مجازر أعظم من تلك التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني، منها المجازر التي ارتكبها الفرنسيون في الشعب الجزائري، فيسأل: «ماذا يريد الأشقر أن يقول هنا بالضبط؟... إنّ حجّة الأشقر هنا، وهي فاتتني، تقلّل من حجم معاناة الشعب الفلسطيني. تلك هي مشكلتي الأساسيّة مع الكتاب». وقصدي جليّ، ولو عجز أبو خليل عن فهمه. لكن لا بأس من السؤال، فالجواب هو أنّ التشديد على كون التاريخ الحديث قد شهد مجازر أخطر مما تعرّض له الفلسطينيون، إنما هو حجة يرفعها أصدقاء الصهاينة في وجهنا، للزعم أنّ قضيّة فلسطين تحوز اهتماماً أكبر مما تستحق. والردّ على تلك الحجة لا يكون بالمبالغات غير المقنعة التي يمارسها للأسف بعض العرب، بل يكون مثلما حاولت في كتابي حيث جاء:
«كيف يمكن إذاً تفسير كون الاضطهاد الذي كابده الفلسطينيون على أيدي الإسرائيليين يتمتع بهذه المكانة الواسعة بين القضايا التي يدور الجدل الحار بشأنها في زماننا؟ هناك عدة أسباب لذلك. وأحد هذه الأسباب هو أنّ إسرائيل هي الدولة الاستيطانية الاستعمارية الأوروبية الوحيدة التي لا يزال يتعيّن فيها استعادة الحقوق السياسية للسكان الأصليين... وإسرائيل الآن هي الدولة الوحيدة في العالم التي تجمع بين ثلاثة أشكال للاضطهاد الاستعماري... وعلى هذه الخلفية، يظهر النضال الفلسطيني على ما هو عليه في الواقع: إنّه النضال المهم الأخير ضد الاستعمار في التاريخ العالمي...» (ص 52 ـــــ 55).
ثم يطلع علينا أبو خليل بخلاف «جوهري» ثالث: «مواقف الأشقر من الصراع العربي الإسرائيلي هي في صلب الخلاف بيني وبينه. يُفهم من كلام الأشقر أنّه يريد من العرب «الاعتراف بـحق إسرائيل في تقرير المصير الوطني». لكن، كيف يمكن العرب الاعتراف بحق تقرير المصير للعدوّ، إذا كان تحقيق هذا الحق يتكرّس فوق أرض فلسطين؟».
وأترك للقراء أن يروا بأنفسهم ماذا «يُفهم» من كلامي في الفقرة التي يشير اليها أبو خليل، وقد تحدثت فيها عن مشروع القرار الذي تقدمت به الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين إلى الدورة السادسة للمجلس الوطني الفلسطيني في 1969، وقد دعا المشروع الى «إنشاء دولة فلسطينية ديموقراطية شعبية يعيش فيها العرب واليهود بدون تمييز،... مع إعطاء الحق في تنمية وتطوير الثقافة الوطنية لكل منهما». فعقّبت «أنّ مشروع القرار هذا لم يمض إلى حدِّ الاعتراف اعترافاً صريحاً بحقٍ إسرائيلي في تقرير للمصير القومي يتعايش مع حق تقرير المصير الفلسطيني بعد الإطاحة بالهياكل القمعية للدولة الإسرائيلية عبر نضال فلسطيني ـــــ إسرائيلي مشترك. لكن أفقاً كهذا طرحه نايف حواتمة [في مقال] نُشر في عدد 12 كانون الثاني 1970 في أسبوعية «الحرية» البيروتية. فهنا تَصَوَّرَ حواتمة بنيةً فيديرالية للدولة القادمة في فلسطين، مستشهداً بمثالي تشيكوسلوڤاكيا ويوغوسلاڤيا، مؤكداً بذلك أفقاً ثنائي القومية» (ص 352).
وينهي أبو خليل تعليقاته السياسية بالتصريح الدرامي والديماغوجي التالي: «إنّ الخلاف بيني وبين الأشقر ليس منهجيّاً فقط، بل سياسي أيضاً. هو يرى أنّ هناك صهاينة خيّرين، ويختلف مع صيغة «الصهيونيّة هي عنصريّة»، وأنا أتفق بالكامل مع تلك المعادلة. هو يدعو إلى اعتراف متبادل بين العرب والإسرائيليّين وأنا أرفض وجود الكيان الصهيوني على أي شبر من أرض فلسطينيَ الغالية».
فما هي حقيقة المواقف التي أفصحتُ عنها والتي يشوّهها أبو خليل، سواء كان ذلك عن سوء نيّة أو ضعف فطنة؟ لقد ميّزت بين أصناف من الصهيونية، وكل عالمٍ بالموضوع يدرك أنّ هناك صنفاً من الصهيونية كان معادياً لمبدأ «الدولة اليهودية»، ويدعو إلى «دولة عربية ـــــ يهودية ثنائية القومية»، وهو الصنف الذي يشير إليه نوام تشومسكي ونورمان فنكلشتاين عندما يرفضان وصفهما بالمعاديَين للصهيونية. فميّزت هذا الصنف (الأقلّوي جداً)، الذي لا يمكن نعته بالعنصري (مهما اختلفنا معه)، عن «الصهيونية القائلة بدولة لليهود». وقلت إنّ هذه الأخيرة: «ما إن اختارت إقامة «دولة لليهود» في فلسطين كـ«جزء من متراس أوروبا ضد آسيا، كموقع أمامي للحضارة في وجه البربرية» ـــــ التعريف الذي نجده في بيان مؤسِّسها تيودور هرتسل ـــــ قد أصبحت، تلقائيّاً، بحكم هذا الواقع، حركة استعمارية عنصرية أساساً وبهذه الصفة، مطابقةً لأشكال الاستعمار الأوروبية التي كانت قد تماهت معها...» (ص 438).
أما الاعتراف المتبادل الوحيد الذي تحدّثت عنه في كتابي، فهو ـــــ بما لا يترك مجالاً للالتباس ـــــ الاعتراف المتبادل بالمحرقة والنكبة (ص 439). وقد فسّر أبو خليل هذا المبدأ البديهي بأنّه دعوة إلى «اعتراف متبادل بين العرب والإسرائيليّين»، وهي فكرة غبيّة، وكأنّنا بحاجة إلى اعتراف الإسرائيليين بنا! هذا التشويه يدخله أبو خليل كي يعلن بنبرة المبالغة العاطفية الرخيصة أنّه يرفض «وجود الكيان الصهيوني على أي شبر من أرض فلسطينيَ الغالية» (لاحظوا تملّكه لفلسطين!)، وكأنّه أكثر معاداةً منّي لوجود الدولة الصهيونية، وكتابي كلّه مكرّس بالدرجة الأولى لمحاربتها والقيّمين عليها.
هذا في ما يتعلّق بأهم الافتراءات التي جاءت في مقالة المزايد أبو خليل إزاء مواقفي السياسية. فلننظر الآن بسرعة في بعض ملاحظات العلّامة أبو خليل، والغاية لا تعدو كشف فراغها وغطرستها؛ إذ إنّها، للأسف، عديمة الجدوى تماماً.
لقد كتبتُ في مستهلّ القسم الثالث من كتابي ما يأتي: «في ما سبق، قمنا بدراسة تزامنية للتيارات الإيديولوجية الرئيسية في السياسة العربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. أَمَّا الصفحات التالية، بالمقابل، فهي منظمة تنظيماً زمنيّاً، فهي تركز بشكل حصري، أو شبه حصري، على التيار الإيديولوجي الخاص الذي سيطر على كل حقبة رئيسية. والنظرات التي نلقيها أدناه هي في آن واحد أقل استفاضة وأقل تفصيلاً من النظرات التي ألقيناها في القسم السابق من هذا الكتاب». ثم شرحت سبب ذلك، مؤكداً «أن دراسة للعقود الستة منذ عام 1948، إن كان لها أن تكون مستفيضة وتفصيلية كدراسة العقدين السابقين لعام 1948، من شأنها أن تتطلب أكثر من مجلد واحد...» (ص 279ـــــ280).
وها إن أبو خليل يشير الى حالتين لم أذكرهما بين منشورات مرحلة بعد النكبة المتعلقة باليهود ـــــ بينما هناك، بلا مبالغة، آلاف عديدة من الكتب والمقالات لم أذكرها ـــــ كي يعلن أن إحاطتي بالمراجع العربيّة «غير كاملة بصورة جليّة». أما الحالتان، فهما الكتاب التافه «عرب ويهود» الصادر في 1968 للمرتدّ عن حزب البعث، سامي الجندي، ويقول أبو خليل عنه «إنّه من المؤلّفات المُبكّرة [كذا] عن الموضوع الذي يهمّنا» بما يوحي بأنّه لم يقرأه. والحالة الثانية، ناجي علّوش الذي يأخذ عليّ أبو خليل عدم الإشارة إلى كتاباته «وفيها حساسيّة للمسألة اليهوديّة»، وكأنّه يجهل أنّ كتاب علّوش الرئيسي عن اليهود هو «الماركسية والمسألة اليهودية» الذي صدر في 1969، لكنّه أُنجز قبل 1967 كما جاء في خاتمته. ولم أجد فيه ما يفيد بحثي في مواقف المقاومة الفلسطينية في مرحلة 1967 ـــــ 1987. وبما أنّه يبدو أنّ أبو خليل لم يقرأ هذا الكتاب أيضاً، فسوف أهديه النسخة التي اشتريتها عند صدوره.
ثم يستهجن ناقدي ذكري لآخرين: «كيف أنّ الكاتب يشير إلى كتابات المؤرّخة بيان نويهض الحوت، مع أنّ كتابها «فلسطين: القضيّة. الشعب. الحضارة» تضمّن استشهادات ببروتوكولات حكماء صهيون (ووالدها كان مُروّجاً مُتحمّساً للبروتوكولات). كيف فات ذلك الكاتب؟» أجزم بأنّ أبو خليل لم يقرأ للدكتورة بيان نويهض الحوت سوى الكتاب الذي ذكره، فلو اطّلع على نتاجها الغزير لأدرك أنّها أغنت المكتبة العربية بمراجع لا يمكن أي باحث في التاريخ العربي والفلسطيني تجاهلها. أما العقلية التي ترى أنّه ما إن اختلفنا مع أحد في شأن ما، حتى لو كان مهماً، وجب علينا نبذ كل ما صدر عنه، فهي عقلية تكفيرية أبعد ما تكون عن المنطق العلمي. والأمر نفسه ينطبق على لوم أبو خليل لي لاستشهادي بكتاب لحازم صاغيّة عن القضية الفلسطينية صدر في 1997. فهل لتحوّل صاغيّة إلى موقعه السياسي الحالي مفعولٌ رجعي، ينسحب على كلّ ما كتب منذ عقود؟ إنّه المنطق عينه الذي دفع أبو خليل إلى لومي على تصنيف إحسان عبد القدّوس في «اليسار الناصري» لأوائل الستينيات، عندما ترأس مجلة «روز اليوسف»، أحد منابر ذلك التيار آنذاك. فيرى أبو خليل «أنّ الرجل كان يمينيّاً، وقد ارتبط بالسادات وبالعداء لليسار»، بما ينمّ عن جهل بالتاريخ وخلط لمراحله. وهذا أيضاً ما جرّ أبو خليل إلى الإيحاء بأنّ المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، عندما أسهم في كشف زيف الادعاءات الصهيونية في موضوع اللاجئين الفلسطينيين، لم يكن سوى «يميني من دعاة المزيد من التطهير العرقي». والحال أنّ الرجل دخل السجن في 1988، في السنة التالية لصدور كتابه عن اللاجئين، لرفضه الخدمة العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، وقد ارتدّ إلى أقصى اليمين في بداية قرننا هذا (كرّستُ صفحات عديدة في كتابي لتحليل ارتداده، وإدانته). ثم يزعم أبو خليل انّني كنت «ليّناً جدّاً في حكمي على نازيّة، أو التأثير النازي على حزب الكتائب، مع أنّ المؤسّس، بيار الجميّل الجدّ، لم ينفِ تأثّره بالنازيّة أثناء رحلته إلى برلين، لحضور الألعاب الأولمبيّة». وكأنّه لم ينتبه إلى أنّني ذكرت «أنّ الكتائب اللبنانية قد أُنشئت في عام 1936 على يد بيار الجميل، وهو صيدلي ماروني لبناني عاد إلى بلاده من برلين وقد ترك النظام النازي في نفسه انطباعاً عميقاً» (ص 130 ـــــ 131). ويضيف ناقدي أنّني أخفّف «من عمق العلاقة التاريخيّة بين حزب الكتائب وإسرائيل». ويضيف: «نحن لا نعلم الكثير عن العلاقة التاريخيّة، إلا ما تسرّب في الكتابات والمراجع العبريّة، وهي تشير إلى دعم مالي إسرائيلي للحزب في انتخابات 1951». وهو يكرر هنا أيضاً ما جاء في كتابي، وقد أوردت اقتباساً طويلاً للمؤرخ بيني موريس السالف الذكر، يقول فيه: «ساعد الصهيونيون والإسرائيليون مجهود الكتائب الدعائي في الولايات المتحدة؛ وطُلب إلى إسرائيل مساعدة ثورة كتائبية في بيروت مساعدة مادية وسياسية؛ وطُلبت مساعدة مالية إسرائيلية، وتم الحصول عليها، لدعم حملة الكتائب الانتخابية في عام 1951» (ص 132).
ثم يمضي أبو خليل: «في المواضيع الإسلاميّة، لا يبدو الكاتب مُلمّاً بما فيه الكفاية. على العكس، فإنّه ينقل التصنيفات والمعايير الغربيّة. ينظر إلى تاريخ الإسلام من منظار التاريخ المسيحي». ويبدو أنّ صاحبنا لا يدري أنّ جوهر العلوم الاجتماعية هو علم الاجتماع المقارَن، فهو يتصرّف هنا على طريقة السذج الذين يرفضون كافة المفاهيم الآتية من الغرب لأنّها «مستوردة». بل لم يلاحظ أنّني، في استعمالي لمفهوم «الإصلاح المضاد» المستمدّ من تاريخ الكاثوليكية، شدّدتُ على اختلاف طبيعة «الإصلاح المضاد الإسلامي» (السلفي الرجعي) عن النموذج الكاثوليكي. ويضيف أبو خليل عمّا جاء في كتابي عن الوهّابية: «يظهر أنّ الكاتب لم يتعمّق في الموضوع، إذ إنّه يزاوج بين الوهابيّة والمذهب الحنبلي»، وكأنّه لا يدري أنّ النزعة التي نسمّيها «الوهّابية» تستمدّ من الحنبلية معظم آرائها من طريق ابن تيمية الذي كان مرجعاً رئيسياً لمحمّد بن عبد الوهاب (فضلاً عن أنّ محاكم المملكة السعودية تعمل بالمذهب الحنبلي).
هذا وقد كتبت في حديثي عن عزّ الدين القسّام أنّه «كان، من نواحٍ كثيرة، سلفاً لـ«جهاديِّي» أيامنا، فهو رجل كان الموت شهيداً من شهداء الإسلام بالنسبة له أسمى آيات الإيمان» (ص 217 ــ 218). ففي تعليقه على هذا القول البديهيّ، يبلغ أبو خليل الحضيض، إذ يكتب: «هنا، تحاكي لغة الكاتب لغة خبراء الإرهاب في الغرب، إذ إنّه يتحدّث عن القسّام كأنّه واحد من إرهابيّي الزمن الحالي. هل أراد الكاتب أن يقول إنّ القسّام كان عضواً مبكّراً في القاعدة، وإنّ رفاته يجب أن تُنقل إلى غوانتانامو؟» هذا القول من السخافة أنّه لا يحتاج إلى تعليق، وسوف أتوقف عنده.
وقد كنت قد أنهيت سجالي السابق مع أبو خليل بالأسف لأنّه «قد أضاع من وقتي في الردّ عليه». فها إنّ أبو خليل يعيد الكرّة، في زمن زادت الثورات العربية من انهماك الحرصاء عليها، فأقول له بعاميّتنا: حلّ عنّي بقى!
* أستاذ في«معهد الدراسات الشرقية
والأفريقية» في لندن
40 تعليق
التعليقات
-
بصراحة انا ذهبت الى المانيابصراحة انا ذهبت الى المانيا منذ سنوات وطبعا ذهبت الى المكان الذي يدعى محرقة اصابني الذهول عندما وقفت وشاهدت المحرقة يعني المجلى في بيتي اكبر من المحرقة واشك اصلا في المحرقة يمكن حرقوا شي 3 او 4شخاص او يمكن 6 وعملوهم 6 مليون اليهود ومنعرف كيف يستثمرون كل شيئ والكذب بدمهم .
-
أي مقارنة ظالمة هذه؟؟؟كيف تجعل من المحرقة (التي يشوب تفاصيلها وحقائقها الكثير من الشك)أكثر فداحة وضخامة من النكبة الفلسطينية؟ هذا تشويه واضح للحقائق أو محاباة مستميتة لليهود والغرب!!!. فكم استمرت المحرقة وكم استمرت النكبة؟ وماذا كانت النتائج؟ ألم يعرض النازيون على اليهود دفع "فدية" للإفراج عن معتقليهم وهم رفضوا الدفع؟ ألم يقم اليهود بخيانة هتلر ونظامه في ذلك الوقت؟؟ وإن صح ذلك،ألا تظن أن الخيانة جريمة تستحق الإعدام"؟؟ لماذا نصدق مقولة الصهاينة وتدحض المزاعم الأخرى؟ علماً أن اليهود حتى اليوم لا يزالون ينالون تعويضات (مادية ومعنوية)من ألمانيا عن المحرقة المزعومة... وماذا نال الفلسطينيون منذ النكبة حتى اليوم؟ ولماذا لا يعترف العالم حتى الآن بأن هناك "نكبة" وأن إسرائيل "الصهيونية" وألمانيا "النازية" صنوان يستحقان الشجب والعقوبة؟ ولماذا يُسمح للنظام الصهيوني بالاحتفال بتاريخها على أنه "عيد الاستقلال"؟؟؟ عزيزي جلبير... كان الأفضل لو لم ترد وتركت المقال ليطويه النسيان.. لكن ما فعلته برأيي تأكيد أحقية أسعد أبوخليل بانتقاد الكتاب وكاتبه.
-
الصهاينة يكتشفون العداء العربي للسامية ابتداءا من 2006ابحثوا على جوجل عن تعبير "العداء العربي للسامية" “arab anti-Semitism” OR “arab antisemitism” في 1995 لم يكن هناك أية إشارة إلى "العداء العربي للسامية" حتى نهاية 2000 كان مجموع الصفحات التي ورد فيها هذا التعبير 82 مع نهاية السنة عدد الصفحات 2001 151 2002 308 2003 395 2004 523 2005 723 2006 9,650 2007 12,400 2008 16,800 2009 72,100 الأحرى بالباحث المناهض للصهيونية بإخلاص أن يتخذ موقعا هجوميا بتناوله لاختراعاتهم السامة منذ منتصف العقد الفائت، لأن "المسألة" عمليا لم تكن مطروحة قبل ذلك لسبب بسيط... العداء للسامية، والعنصرية بشكل عام، ليست بقضية مزاج أو أراء شخص أو مجموعة أو شعب، بل هي نتاج وتعبير وأداة أنظمة اجتماعية سياسية في مرحلة تاريخية محددة (النظام العنصري في جنوب أفريقيا، النظام النازي في ألمانيا، الكيان الصهيوني الاشكنازي المحتل لفلسطين، مختلف الأنظمة الاوروبية والأمريكية)
-
نموذج لمثقف جائع تنقصه الكرامةإن التاريخ القديم والحديث غني بهذه النماذج من ''المثقفين'' الذين ظنوا أن التغيير في المجتمع يحدث بمجرد تحبير تأملاتهم...التغيير يا ساده يتطلب ابطالاً في الفكر والعلم وفي العمل وفي ألشعور أما ما عدا ذلك ينتج أشباهاً لا تلبث أن تصبح في خدمة الأمر المفعول ....
-
ما قاله لي عجوز يهودي ذات مرة" كان على اليهود، إن أرادوا إقامة دولة، ان يقيموها في بافريا الالمانية مهد النازية. هناك(وهناك فقط) كان بإمكانهم تصفية حساباتهم التاريخية والوجدانية مع من أباد منهم الكثيرين. لا أفهم كذلك معنى الاعتراف المتبادل بين اليهود والفلسطينيين بالمحرقة والنكبة؟ ما هي دلالات هذه الاعتراف؟ علما أن اليهود الصهاينة هم هم من نكبوا الشعب الفلسطيني (وما يزالون)، ولا دخل للفلسطيني ولا العربي بمحرقة اليهود.
-
لقد حفزني هذا النقاش ومنطقلقد حفزني هذا النقاش ومنطق الاستاذ جلبير لقراءة الكتاب. ارجوا اعلامي عن كيفية الحصول على النسخة العربية منه.
-
هل تحتاج قضية فلسطين إلى إنكار وقوع المحرقة؟ 4أخيرا، تعليقات سريعة على بعض الملاحظات. يرفض ممانع حزين دعوة الأشقر إلى "الاعتراف المتبادل بالمحرقة والنكبة". سيدي، أرجو أن أكون بينت أن اعترافنا بالمحرقة لا يتضمن أي تنازل عن قضية فلسطين. أما الصهيوني الذي يعترف بالنكبة، فإنه، إن كان متسقا، ينسف أسس مشروعه. وفيصل باشا يرى أن الأشقر بتركيزه على المحرقة يهادن الصهيونية، وهو يسألني: "هل تساءلت لماذا وزارة الخارجية الاسرائيلية تكتب عن المحرقة بالعربي"، ويخاطبني قائلا "عمر نحن إنسانيين بطبعنا وبالفطرة". عزيزي، لا غرابة في أن تكتب الخارجية الإسرائيلية عن المحرقة بكل لغات العالم. هذا جزء من حرب المرويات التي يحاول الصهاينة فيها تبرير مشروعهم الإجرامي. الصهاينة يستغلون المحرقة لتبرير جريمتهم المتواصلة في فلسطين، وعلينا أن نفند هذا الاستغلال لا بالوقوع في الفخ الذي ينصبونه لنا، وإنما بتناول المحرقة تناولا تاريخيا وعلميا مثلما يفعل بالضبط الأشقر. وأذكرك بأن أفضل من فند الاستغلال الصهيوني للمحرقة هو يهودي معادٍ للصهيونية يُدعى نورمان فنكلشتاين أباد النازيون أغلب أفراد عائلته، ويثني عليه الأشقر في كتابه. وأنا أتفق معك في أننا إنسانيون بالفطرة، لكن الفطرة لدى الإنسان يا عزيزي ليست عفوية، فالإنسان مثلا حيوان عاقل، لكن كثيرا من بني البشر لا يعقلون للأسف. ولعل قيمة كتاب جلبير الأشقر الكبرى هي أنه يُذكِّرنا بفطرتنا الإنسانية التي يجاهد عدونا الصهيوني على تجريدنا منها وشيطنتنا. وأنا أضم صوتي لك يا فيصل في نقدك لما نعرفه في بعض بلدان الغرب من حظر التساؤل عن حدث تاريخي، لكن فقط ألفت نظرك إلى أنك لو قرأت كتاب جلبير الأشقر لوجدته ينتقد هذا الحظر ويدافع عن حق منكري المحرقة، الذين يرفض موقفهم تماما، في حرية التعبير.
-
هل تحتاج قضية فلسطين إلى إنكار وقوع المحرقة؟ 3لسان حال منكري المحرقة من الغيورين على فلسطين هو أن إنكارها أو التقليل من شأنها ضروري لكي يُنتزع عن إسرائيل أساس "شرعيتها". وهم بذلك يضربون القضية الفلسطينية في مقتل مرتين. أولا، هم يسلمون ضمنا بأن المحرقة، بفرض وقوعها، تعطي مبررا لإسرائيل، وإلا لما استماتوا في إنكار وقوعها. إنهم بذلك يسلمون ضمنا من حيث لا يدرون بمشروعية قيام إسرائيل لسبب بسيط وهو أن المحرقة وقعت بالفعل. وكتاب جلبير الأشقر بالمناسبة ليس عن المحرقة ذاتها وإنما عن ردود الفعل العربية إزاءها، لكنه يوجه القارئ للمراجع الموثقة التي تفند حجج منكري المحرقة. ومشكلة هذا الموقف هي الخلط بين التفسير التبرير. نعم، المحرقة أسهمت إسهاما كبيرا في قيام دولة إسرائيل لأسباب يشرحها الأشقر جيدا، ولكنه يؤكد بشكل مقنع أنها لا تبرر قيامها مطلقا. وعلى سبيل المثال، لا شك أن الحرب العالمية الأولى ثم أزمة 29 الاقتصادية الطاحنة أسهمتا إسهاما كبيرا في صعود النازية. لكن هل يبرر ذلك صعود النازية؟ بالطبع لا. فبوسع المرء تماما إدانة الهمجية المتمثلة في الحرب العالمية الأولى وإدانة النظام الاجتماعي الذي أفرز أزمة 29، مدينا معهما ما أفرزتاه من قمة الهمجية متمثلة في النازية. وبالمثل، بوسعنا أن ندين الجريمة البشعة المتمثلة في المحرقة، وأن ندين أيضا الجريمة البشعة المتمثلة في اقتلاع شعب من أرضه لكي يصبح الفلسطينيون، حسب تعبير إدوارد سعيد البليغ، ضحايا الضحايا، وهي جريمة يزيدها بشاعة تلويثها لقضية ضحايا المحرقة. وثانيا، حينما يتبنى المدافعون عن قضية فلسطين حجج منكري المحرقة من "المؤرخين"، فإنهم يضعون أنفسهم في صف اليمين المتطرف الجديد في أوروبا الذي خرج من صفوفه هؤلاء المؤرخين، ومن نافل القول أن في هذا بالغ الضرر بالقضية.
-
هل تحتاج قضية فلسطين إلى إنكار وقوع المحرقة؟ 2الخيار الآخر هو نقد الخطاب الصهيوني من أساسه وتفكيكه وتعريته، وتفنيد مقولة تجسيد الصهيونية للمسألة اليهودية. وهذا هو خيار المناضلين ضد الصهيونية ممن يحملون قيما إنسانية تجعلهم ينفرون من جميع صور القهر، وجلبير الأشقر من هذه الفئة. وتشمل صفوف هؤلاء يهودا مناهضين للصهيونية يشكلون شوكة في حلق المشروع الصهيوني. ليس هذا مجال التعمق في المسألة اليهودية، لكن القارئ المدقق لتاريخ الصهيونية يتبين أنها كانت مرآة لاضطهاد اليهود أكثر من كونها نضالا ضد هذا الاضطهاد، وأنها تحالفت دوما مع أسوأ كارهي اليهود والراغبين في التخلص منهم. وليس في الأمر مؤامرة. فالصهيونية حركة رجعية تنظر إلى اضطهاد اليهود كشيء ثابت خارج عن التاريخ نابع عن التناقض الأزلي الذي لا سبيل لتذليله بين اليهود و"الأغيار". من الذي يلقى عنده مثل هذا الخطاب هوى؟ إنهم كارهو اليهود من العنصريين الراغبين في "تطهير" أوروبا من يهودها. مؤسس الصهيونية النمساوي تيودور هرتسل كان صحفيا في فرنسا أواخر القرن 19، وعاصر قضية الضابط الفرنسي اليهودي دريفوس الذي اتُّهم ظلما بالتجسس لصالح ألمانيا. ماذا كان موقف هرتسل ممن هبوا للدفاع عن دريفوس من يهود وغير يهود مثل إميل زولا ونجحوا أخيرا في تبرئته؟ صب عليهم جام غضبه مؤكدا أنه ينبغي لليهود إزاء العداء للسامية أن يتركوا البلدان غير المرحبة بهم ويؤسسوا دولتهم بعيدا (وبمعاونة نفس الكارهين لهم الطامعين في أن تكون الدولة الوليدة رأس حربة لمطامعهم الاستعمارية). وقال هرتسل مقولته الشهيرة: "أعداء السامية سيكونون أخلص أصدقائنا". وتاريخ الصهيونية اللاحق برهن على صدق تلك المقولة، كما في علاقة وايزمان ببلفور ولويد جورج، وكلاهما من عتاة كارهي اليهود، ثم علاقة بن غوريون بالنازية التي يكشف كتاب جلبير الأشقر أبعادها.
-
هل تحتاج قضية فلسطين إلى إنكار وقوع المحرقة؟ 1يحكى أن رجلا كان يعيش في الغابة، فرافق دبا وقامت بينهما علاقة وطيدة، وراح الدب المخلص يتفانى دفاعا عن صاحبه. وذات يوم، بينما يغط الرجل في النوم، حطت على وجهه نحلة خاف الدب أن توقظ صاحبه من النوم، فتناول صخرة كبيرة، ورماها على رأس الرجل، وبدلا من قتل النحلة قتل صاحبه. وحال الغيورين على قضية فلسطين حينما ينكرون وقوع المحرقة أو يقللون من أهميتها كحال هذا الدب. فمن حيث لا يعلمون يلحقون أبلغ الضرر بقضيتهم ويقدمون لعدوهم هدية غير مقصودة لكنها ثمينة. الصهيونية يا سادة تقوم على زعم جوهري تحاول به التغطية على طابعها الاستعماري الاستيطاني العنصري، وعلى اجتثاثها لشعب فلسطين من أرضه ولعبها دور كلب حراسة المصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط، وهذا الزعم هو أنها تجسيد المسألة اليهودية، والرد التاريخي على قرون من معاناة اليهود واضطهادهم بلغت ذروتها بصعود هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، تمهيدا للإبادة المنهجية لليهود اعتبارا من 1942 فيما أسماه النازيون "الحل النهائي". وتضيف الصهيونية إلى هذا الزعم الرئيسي زعما آخر مكملا له يقول إن أعداءها إنما ينطلقون في موقفهم من كراهيتهم المتأصلة لليهود. إزاء هذا الزعم الرئيسي وذاك الزعم المكمل، ماذا نفعل نحن أنصار قضية فلسطين؟ أمامنا خياران. الأول هو التسليم بمقولة إن الصهيونية تجسِّد المسألة اليهودية وتتماهى معها، والبحث عن جذور الصهيونية في طابع خبيث لليهود متأصل فيهم. في هذه الحالة، نكون قد وقعنا في الفخ الصهيوني وشوهنا قضيتنا العادلة، وهل من قضية أعدل منها، سامحين لعدونا الصهيوني أن يصورنا ككارهين لليهود من حيث هم كذلك. ومن حسن الحظ أن ثمة خيارا آخر يمثله كتاب جلبير الأشقر "العرب والمحرقة النازية".
-
اتفهم مواقف الاستاذين، فهمااتفهم مواقف الاستاذين، فهما يحملان وجهتي نظر مختلفتين للدفاع عن قضية واحدة: فلسطين...
-
3لذا فالدافع الإنساني لن يعني أن الصهاينة سيعترفوا بالنكبة لكونهم ليسوا بشرا(كل إنسان عند الولادة هو إنسان من حيث قابليته لكن أفعاله هي التي تحدد ماهيته فيما بعد فقد يكون شريفا جدا أو وضيعا جدا كما أصحاب الفكر الصهيوني _بالمفهوم الذي نصطلح عليه لا كما لوى عنقه(أي عنق المفهوم) الأشقر ليعتبر أن هناك صهاينة غير عنصريين!_), وأما الدوافع الأخرى فهي مرفوضة مطلقا...و في الموضوع الإسلامي فإنه ليس صحيحا بالكامل أن المذهب الوهابي أو مذهب إبن تيمية هو حنبلي, ربما فقهيا هو حنبلي, ولكن من نواح أخرى فالمذهب الحنبلي لا يظهر جليا في المذهبين المذكورين وليس الآن محل للتفصيل. وأخيرا مع كل ذلك أعتقد أن الوقت فات على كل هذا الكلام لأن إسرائيل حقا على طريق الزوال النهائي وسيلقى كل مجرم عقابه االعادل ,قال الإمام علي (ع) "يوم العدل على الظالم أشد من يوم الظلم على المظلوم"
-
2"أما الاعتراف المتبادل الوحيد الذي تحدّثت عنه في كتابي، فهو ـــــ بما لا يترك مجالاً للالتباس ـــــ الاعتراف المتبادل بالمحرقة والنكبة (ص 439). ", المشكلة هي أن الأستاذ جلبير يعترف بأن الخصم الذي نواجهه يمكن تسميته بإنسان(لن أعيد ما كتبته سابقا يمكن مراجعة تعليقاتي على مقالة الدكتور أسعد أبو خليل "العرب والمحرقة النازية"),العدو الذي يصل إحتقاره للآخرين لدرجة عدم الإعتراف بحقهم في الوجود وجواز التنكيل بهم وبأطفالهم(ما معنى أن يرسل "أطفال إسرائيل" رسائل على الصواريخ إلى أطفال لبنان, وما معنى فتاوى حاخامات إسرائيل الهمجية بحق العرب (مثلا عفوديا يوسف)..من هو الذي سيرضى بالإعتراف بالنكبة من الصهاينة(إن كنت تتحدث عن اليهود فإن العرب والإسلاميين خصوصا لا مشكلة لديهم مبدئيا ضد اليهود إن لم يلتزموا بالفكر الصهيوني, لذا نحن نرفض أي ظلم بحقهم لو ثبت وقوعه),في الواقع حتى الحديث عن الإعتراف المتبادل بالنكبة والمحرقة المفترضة إن كان لسبب إنساني فلا داعي للإعتراف المتبادل بل يكفينا القول "إن ثبت وقوع المحرقة فنحن نرفضها كما نرفض أي ظلم".
-
1أؤيد ما قاله الأستاذ "Helal" وأعتقد أنه كاف وممتاز, وأضيف: يريد الأستاذ جلبير الأشقر من العرب أن يصعدوا المنابر (خصوصا في خطب صلاة الجمعة) وأن يستدعوا الشعراء, وأن تكتب الكتب والمقالات وينادى في كل مكان "يالثارات المحرقة النازية" وووو... كل هذا فقط ليثب العرب أنهم شرفاء و"إنسانيين" وأنهم ليسوا من اللاساميين والعياذ بالله..في الواقع نحن لسنا مع الظلم من أي كان بحق أي كان, ولكن حتى لو ثبت أن المحرقة حصلت وبالحجم (غير المنطقي الذي ذكرته يا أستاذ جلبير, وماذا عن الكتابات الغربية لأكاديميين محترمين تشكك بالمحرقة أو بحجمها على الأقل,إذ كيف يقتل نظام ما 6 ملايين إنسان من دون دوي هائل,دوي المحرقة المفترضة مصطنع على يد الصهاينة وهذا واضح)فإن الإستغلال البشع الذي حصل يدفعنا أولا إلى التشكيك في وقوعها أو حجمها على الأقل, ثانيا ما دامت المسألة خرجت عن إطارها الإنساني بفعل "أولياء الدم" المفترضين علينا عدم المبالغة في توصيف المحرقة (المفترضة) منعا لإستغلاله من قبل أعدائنا..
-
لا كرامة لنبي في وطنهلا يمكن لكلمات قليلة أن تفي هذا الكتاب العظيم حقه، لكن تثير الدهشة حقا تعليقاتٌ على المقال ترتاب، من منظور الغيرة على قضية فلسطين، في المؤلف وكتابه. من الجلي أن أصحاب تلك التعليقات لم يقرءوا هذا العمل العلمي الجبار، فلو فعلوا لتبينوا أسباب سخط الدوائر الصهيونية الواسع على كتاب ينطوي على إدانة ثلاثية للصهيونية. أولا، يكشف الكتاب موقف الصهيونية من اضطهاد اليهود. فالصهيونية كانت مرآة لكراهية اليهود وتكريسا لها، وليس ردا عليها أو نزوعا للتحرر منها. يقتبس الأشقر مقولة بن غوريون الفاضحة للمنطق اللاإنساني للصهيونية: "لو كنت أعرف أن بالإمكان إنقاذ جميع الأطفال في ألمانيا بنقلهم إلى إنكلترا، بينما لا يمكن إنقاذ غير نصفهم بنقلهم إلى فلسطين، لاخترت الخيار الثاني". ويفضح الكتاب تواطؤ الصهيونية تاريخيا مع العنصرية ضد اليهود، ويبين الصلة العميقة بين هذا التواطؤ وبين الطابع الاستعماري الاستيطاني العنصري للمشروع الصهيوني في فلسطين. وثانيا، يفند الكتاب الافتراء الصهيوني والاستشراقي عن عداء العرب المزعوم لليهود كيهود، ويعرض عبر بحث علمي رصين صورة نزيهة ومشرقة للمواقف العربية الرئيسية في زمن المحرقة، حيث يبين أن العرب، على تنوع مواقفهم، لم يقعوا في الأغلب في الخلط المعيب بين اليهود كيهود والمشروع الصهيوني. وثالثا، يدحض الكتاب استخدام الصهيونية للمحرقة كمبرر للمشروع الصهيوني. فالرد على جريمة ضد الإنسانية لا يمكن أن يكون بجريمة أخرى ضد الإنسانية، وموجهة ضد طرف لا ناقة له ولا جمل في الجريمة الأولى. إن الأمل معقود اليوم على الثورات العربية لكي تغير أوضاع عالم عربي يصفه الأشقر بحق بأنه "تحكمه، على حسابه، أنظمة تفرز الجهل والغباء"؛ عندئذ، سيسهم هذا الكتاب النبيل في تعليمنا كيف نعادي الصهيونية دون أن نفقد إنسانيتنا.
-
تحياتي للدكتور اسعد ابو خليل.تحياتي للدكتور اسعد ابو خليل.
-
أنا مقيم في الولايات المتحدةأنا مقيم في الولايات المتحدة الامريكية،ما هي الطريقة للحصول عل نسخة من الكتاب وشكرا
-
الفوضى: عندما "يفوت الكل بالحيط"كنت أعمل في إحدى شركات المال الأميركية البارزة(حتى تسامحهم و ديمقراطيتهم أجبراني على الإستقالة طوعاً-لاحظوا الجبر و الطوع... تخبركم الكثير عن ديمقراطيتهم) و كان من الذين يعملون تحت إشرافي فتى من أصول بولندية. صدف يوماً ان حدثني عن معاناة جده في مخيم أوشفيتز, و لكن جده لم يكن يهودياً بل كان غجري.مما رواه الفتى عن شهادة جده ان ضحايا المخيم لم يكونوا جميعهم من اليهود و حتى لم بكنونوا أكثريتهم بل من الأطياف التي ذكرها فيصل باشا في تعليقه بالإضافة إلى الغجر. الفتى المسكين لم يعلم أن مديرة الإتصالات في الشركة التي كان مكتبها يجاور مكتبي يهودية صهيونية من يهود جنوب أفريقيا الذين هجروها بعد سقوط نظام الفصل العنصري. الفتى طُرد من عمله في اليوم التالي بدون سبب مقنع. ربما جلبير الأشقر لم يكن ليحصد كل هذا الإستحسان من قبل المؤسسات الأكاديمية الأميركية لو كتب كتاباً عن المحرقة ينقد فيها متاجرة الصهاينة بالمحرقة بدل من نشر الغسيل العربي. ربما أيضاً لم يقصد تهميش القضية الفلسطينية و لكنه فعل. ربما حجج الدكتور أسعد "أكاديميا" و نقدياً ضعيفة و لكن بوصلته القومية لم تخطئه هذه المرة. و لكن الأكيد أن الدكتور جلبير سقى الدكتور أسعد من نفس الكأس المرة التي يحاول الدكتور أسعد أن يسقي بها غيره. هل هذا هو التوقيت المناسب لهذا الجدل العقيم في ظل ما يُخطط لبلادنا؟ أم إنها الفوضى التي تجيز أن "يفوت الكل بالحيط".
-
أساتذة الجامعات حينما يتساجلونمشكلة مثل هذه السجالات أنّها لا تميّز بين نقد الأفكار ونقد الأشخاص. يعني تماما مثل ما يحدث بين الناس "العاديّين" عندما يختلفون. وهذا واقع مروّع: حال من يُفترض أنّهم نخبة لا يختلف عن حال من يُعدّون عوامَّ! بسرعة انزلق المتساجلان -وكلاهما أستاذ جامعيّ صاحب كتب وأبحاث- إلى لغة الشخصنة والبحث في "النوايا". سجالكما أيّها الأستاذان ينفّر القارئ من المتابعة، فترفّقا بنا، وأعيدا النظر في وسائل "معركتكما"، فبنا من الهموم هذه الأيّام ما يضيّق النفس عن الاحتمال!
-
اتق الله بفلسطين يا أشقرالغريب في كتاب الأشقر هو عنوانه بالأساس. فما دخل العرب بالمحرقة؟ ولماذا التركيز عليهم وهم لا ناقة لهم ولا جمل فيها. فقد حصلت المحرقة في أوروبا ونفذت في أوروبا ومجرموها كما ضحاياها هم أوروبيون. ويأتي عنوان كتاب الأشقر وكأنه تبرير لاغتصاب فلسطين ومحوها عن خارطة العالم. ويقارن بين مأساة الشعب الفلسطيني والمحرقة ويعتبر ان المحرقة أكبر فظاعة. فلماذا هذه المقارنة. إتق الله بفلسطين يا أستاذ أشقر. لماذا لم تقارن المحرقة بمحرقة الهنود الحمر والتي ذهب ضحيتها عشرات الملايين من أبناء القارة الجديدة على أيدي المستعمرين الأوروبيين؟ ولماذا الحديث عن الشيخ أمين الحسيني؟ هل تعرف جماعة شتيرن الإرهابية التي فجرت فندق النبي داوود؟ وكيف هذه الجماعة مع عناصرها مثل اسحق شامير ومناحيم بيغن عرضت التعاون مع النازية في الوقت الذي يقال إن المحرقة كانت تجري فيه؟
-
صدق المثل حين قال ’’الناسصدق المثل حين قال ’’الناس بالناس و القطة بالنفاس’’ !! ..لانو نحنا ما ورانا شي و فاضيين لكم و لخلافاتكم الشخصية !! و اتنيناتكم حلووووو عنا ..
-
لسنا من أقام المحرقةجميل جداً استاذ البير هذا السجال من على صفحات الاخبار العزيزة بينك وبين الاستاذ اسعد،ونحن كقراء نحكم كل بحسب رؤيته للأمور،أنا ارى ان ابو خليل محق في توصيفه للأمور بان هذا الكتاب يعد اضافة الى المكتبة الصهيونية ولن يتوانوا يوما في استعماله وتحريف كلامك لخدمة مشروعهم،الحسيني عمل وربما يكون اخطأ،ولكن ليس انت ولا اسعد يحق لكم ان تحكموا على الرجل،وما يهمني هنا انك تعيد نظرية الصهاينة أيضاً في هذا المقال الا وهي مقولة:المحرقة ذهب ضحيتها ما بين خمسة وستة ملايين يهودي،اولا هذا الرقم مبالغ فيه جداً ،ولماذا اليهود فقد هم الذين احرقوا مع ان النازيين قتلوا الجينان بما يعرفوا بسنتي و روما قتلوا الشيوعي والخوري والمعاق والجاذ جنسياً وكذلك كل من خالفهم الرأي،والحرب كلفت أرواح الملايين من الروس والأفارقة والألمان وغيرهم من الشعوب،وآخرهم نحن العرب ندفع فاتورة الحرب وتبعاتها وترتكب فينا المحارق يومياً.عوضاً عن ذلك لماذا تكتب عن المحرقة ولا تكتب عن افريقيا التي آباد المستعمر الابيض شعوبها ،واذا كان لك لا بد ان تكتب عن المحرقة فكان الأجدر بك ان لا تبحث في تاريخنا بل ابحث عن الحقائق عن عدد الذيين قتلوا من اليهود وكيف ولماذا عندها تكون باحثا ،اما وانك تكتب فعليك ان تتقبل النقد.وكن مشوراً لابو خليل انه عرف بكتابك وانا لا ادفع فلسا واحداً بكتاب يحكي عن المحرقة لأننا شبعان دفع.وربما ادفع بعض من تذاكر الصهاينة عندما يغادروا فلسطين .
-
رأي في رأيأرجو من الأخبار أن تقوم بمسح لآراء القراء حول درجة اهتمامهم بالجدل الأشقري-بوخليلي المتمركز حول ما كتبه هذا حول ما كتبه ذاك، مضافا إليه الآن الاستشهاد بما كتبه صهيوني حول ما كتبه هذا... وهذا التعليق.
-
المقارنة بين الجرائميبدو أن السيد جلبرت بمقاله لم يفعل غير تأكيد أن أسعد أبو خليل محق في شكوكه واعتراضاته. هاهنا أيضا يعيد السيد جلبرت تأكيد أن الإبادة النازية أسوأ من النكبة الفلسطينية.ومن حقنا أن نتساءل هنا: من جهة: ما هي المعايير التي اعتمد عليها في هذه المقارنة؟ ومن جهة ثانية: ما المبرر وما الداعي للمقارنة بين جريمة وأخرى؟ وإن كان السيد جلبرت يصر على المقارنة فقد نقول له إن الجريمة الصهيونية المتمثلة في النكبة أسوأ من حيث أنها قادت إلى عذاب مستمر لشعب كامل منذ أربعة وستين عاماوهو عذاب يقابل بتجاهل غربي كامل. بينما الجريمة النازية انتهت بتوقف اضطهاد اليهود في العالم وتحول مجرد إنكار اضطهادهم إلى جريمة يعاقب عليها في الغرب.
-
شكرا"في شهر تشرين الأول الماضي، قمت بجولة في ولاية كاليفورنيا بدعوة من خمس من أهم الجامعات فيها" شكرا أسعد أبو خليل.