وعلى خط مواز، واصلت وسائل الإعلام العبرية بث قصص حول الاحتجاجات، بدت أشبه بحملة منظّمة لتشويه هذه الأخيرة. إذ نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على سبيل المثال، عن طالبة إسرائيلية تدعى سحر تارتاك وتدرس في جامعة «بيل»، أنها «تعرضت للطعن في عينها من قبل متظاهر كان يحمل في يده عصا ويحمل العلم الفلسطيني، واحتاجت إلى علاج طبي». وادعت تارتاك، في حديث إلى موقع «واينت»، التابع للصحيفة، أن «ما سيحدث الآن هو أن المزيد من الطلاب سيتعرضون للضرب مثلي، وفي غضون سنوات قليلة ستسيطر هذه العصابات على الجامعات». من جهتها، أشارت صحيفة «معاريف» العبرية إلى أن «هناك قلقاً من أن إسرائيل فقدت الدعم من هذه المؤسسة المهمة، والتي تُعرف بأنها واحد من الأماكن المركزية التي تنمو فيها النخبة الحاكمة ورجال الأعمال في الولايات المتحدة». وسلّطت الصحيفة الضوء على منع أستاذ إسرائيلي من دخول حرم الجامعة، معتبرة ذلك «الحدث الأول من نوعه منذ الحقبة النازية»، فيما نقلت عن طالب دراسات عليا قوله «إنها فوضى هنا»، وإن الأمر «مؤسف للغاية. الفصل الدراسي على وشك الانتهاء، سيكون الأمر كذلك». وأضاف: «ذهب رئيس الجامعة إلى جلسة استماع في الكونغرس، واغتنموا الفرصة لنصب خيمة في الجامعة وتحصين أنفسهم هناك، وإطلاق التظاهرات المروّعة التي ترونها على الشبكات، تهدد الطلاب الإسرائيليين واليهود الذين يتسكعون هناك ويستسلمون لمعاداة السامية والكراهية».
فعّلت إسرائيل أدوات اللوبي اليهودي في واشنطن، تحت عنوان «معاداة السامية»، لمواجهة الاحتجاجات التي تتّسع يوماً بعد آخر
أيضاً، استحضر الكتّاب الإسرائيليون الحقبة النازية، على جري العادة، من أجل إسقاطها على الاحتجاجات الجارية. وقال الكاتب شلومو شامير، في مقاله في «معاريف»، إن «هناك خطأ شائعاً وفادحاً وكذبة خبيثة تم إلحاقها بالتظاهرات، فهذه التظاهرات ليست مؤيدة للفلسطينيين، ولا علاقة لها بمشكلة فلسطين، ولا علاقة لها بمعاناة ومحنة الشعب الواقع تحت الحكم الأجنبي، بل هي تظاهرات دعم لمنظمة إرهابية، وتظاهرات تعاطف مع الإرهاب القاتل». وتابع أن «هذه التظاهرات ليست تعبيراً ومظهراً لمعاداة السامية المقبولة والموثقة في التاريخ، بل هناك نوع جديد من معاداة السامية، وهو ليس أيديولوجياً على الإطلاق»، مضيفاً أن «الشباب والشابات الذين يحتجون، مليئون بالكراهية العمياء لليهود وإسرائيل، تبدو كأنها مسمومة ومليئة بالجنون. كل هذا لا يقلّل من خطورة ظاهرة الهيجان المناهض لليهود، والتي تذكّرنا بألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما وصل النازيون إلى السلطة».
ويبدو، كذلك، أن إسرائيل فعّلت أدوات اللوبي اليهودي في واشنطن، تحت عنوان «معاداة السامية» للضغط على الجامعات الأميركية والمسؤولين الأميركيين، لمواجهة الاحتجاجات التي تتّسع يوماً بعد آخر. وفي هذا الجانب، كشفت «رابطة مكافحة التشهير» (ADL) - وهي إحدى أكبر وأهم المنظمات اليهودية الأميركية -، النقاب قبل أيام فقط، عن تصنيف 85 جامعة أميركية، من تلك التي تضمّ أكبر تجمّعات للطلاب اليهود الأميركيين، طبقاً لـ 21 معياراً وضعتها المنظمة، لقياس «درجة معاداة السامية في الحرم الجامعي»، وما اعتبرته «ممارسات جديدة متزايدة تستهدف الطلاب اليهود». ومن بين هذه المعايير، ما يتعلق بالسياسات والإجراءات الإدارية التي تتخذها الجامعات لـ«حماية طلابها اليهود»، فضلاً عن «أعداد الحوادث المعادية للسامية، وطرق مواجهة العداء للسامية بالحراك الجامعي، ودرجة السماح بالتقاليد والعادات والحياة اليهودية داخل الجامعات».
واللافت أن أهم جامعات العالم، من مثل جامعات «هارفرد» و«ستانفورد» و«شيكاغو» و«معهد ماساشوستس للتكنولوجيا»، حصلت، وفقاً للتصنيف المذكور، على أسوأ تقييم، لما اعتبرته المنظمة «فشل هذه الجامعات في حماية الطلاب اليهود، ومعالجة معاداة السامية»، فيما حصلت جامعتان فقط على درجة «A»، وهما «إيلون» في ولاية كارولينا الشمالية، و«برانديز» في ولاية ماساشوستس، علماً أن الأخيرة كانت أول من يقدم على خطوة إلغاء الاعتراف الرسمي بفرع «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، على خلفية نشاط المجموعة في الحرم الجامعي في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، معتبرة أن العبارات التي رفعتها المجموعة، من مثل «من النهر إلى البحر»، هي خطاب كراهية وتتعارض مع مبادئ الجامعة. وكانت صحيفة «هآرتس» العبرية قد سلّطت الضوء على تزايد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، في تقرير تحت عنوان «هذا ليس الوقت المناسب لدعوة محاضرين من إسرائيل... نواجه مقاطعة غير مسبوقة»، والذي اعتمدت فيه على إفادة 60 باحثاً إسرائيلياً تحدثوا عن تعرضهم للمقاطعة والطرد من المجموعات البحثية العالمية منذ أن شنّ الكيان حربه على غزة.