لندن | توسّعت دائرة الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين في أوروبا إلى مزيد من الجامعات في بريطانيا وإيرلندا وعبر البر الأوروبي، متسبّبة بصداع لإداراتها، وللنخب الحاكمة، والأجهزة الأمنية، كما المنظّمات الصهيونية. وبعدما أقام طلبة جامعة «ووريك» البريطانية المرموقة (وسط البلاد) مخيّماً في قلب الساحة الرئيسية للجامعة، على نسق المخيّمات التي أقامها طلبة جامعة «كولومبيا» الأميركية، اندفع طلبة حوالى ثماني جامعات بريطانية مهمّة في مدن مانشستر ونيوكاسل وليدز وشيفيلد وبريستول، بدورهم، إلى إنشاء مخيّماتهم الاحتجاجية، فيما أقدم طلبة «غولدسميث» في جامعة لندن على احتلال مبنى المكتبة الرئيسي، وشارك طلبة كلية لندن الجامعية بكثافة في مسيرة نُظِّمت للاحتجاج على الهجوم الإسرائيلي على رفح، أمام مقرّ رئاسة الوزراء البريطانية، في 10 داونينغ ستريت. كذلك، بدأت ثلّة من طلبة جامعة أدنبرة الإسكتلندية العريقة إضراباً عن الطعام، بينما أسّس طلبة من جامعة «أكسفورد»، جامعة شعبيّة من أجل فلسطين تمركزت أمام متحف رئيسي في الحرم الجامعي، وهو ما فعله أيضاً زملاؤهم في «كامبريدج» الذين خيّموا أمام مبنى كلية «كينغز» في الجامعة.وبالمقارنة مع المعاملة السيئة والقمعية التي ووجهت بها احتجاجات طلبة الجامعات الأميركية من قِبَل إداراتها، فإن نظيرتها البريطانية قوبلت بتفهّم ملحوظ من جانب إدارات جامعات المملكة بشكل عام. وقال ناطق باسم جامعة «كامبريدج»: «الجامعة ملتزمة تماماً بالحرية الأكاديمية وحرية التعبير في إطار القانون، ونحن نعترف بالحقّ في الاحتجاج». ومن جهتها، نقلت الصحف عن مصادر في جامعة «غولدسميث/لندن»، قولها: «نحن ندرك أن الطلبة البريطانيين لديهم آراء قوية حول الحرب الجارية، ويتمسّكون بحقهم في التعبير عن أنفسهم بحرية، مع إدراكهم ضرورة أن تكون احتجاجاتهم ضمن القانون». وهو ما كرّره أيضاً رئيس جامعة أدنبرة، فيما قالت رئاسة جامعة «مانشستر»: «في حين أنّنا نعترف تماماً بالحقّ في الاحتجاج، فإن إقامة معسكر في حرم المدينة يثير مخاوف محتملة تتعلّق بالصحة والسلامة، ويخاطر بتعطيل الموظفين والطلبة ومجتمعنا الأوسع، وفي النهاية هو استخدام غير مصرّح به وغير قانوني لحرم الجامعة، لكنّنا سنفعل كل ما هو ممكن للحفاظ على العمل كالمعتاد مع استمرار الاحتجاجات». أيضاً، انخرطت بعض الإدارات في حوارات وُصفت بالإيجابية مع الطلبة، تناولت إلى جانب مطالبات قطع العلاقات مع إسرائيل ومؤسّساتها وداعميها، البحث في طرق لمساعدة الطلبة الجامعيين الفلسطينيين. كما أنه في كلية «ترينتي» في دبلن بإيرلندا، قرّر الطلبة تفكيك مخيّمهم الاحتجاجي بعد اجتماع لممثّليهم مع إدارة الكلية التي وافقت على إعادة النظر في علاقاتها مع الكيان والمؤسّسات الإسرائيلية.
لكنّ الحكومة البريطانية لم تخفِ عداءها للتحرّكات الطالبية، إذ تحدّث ريشي سوناك علناً عن «دعم كامل لقوات البوليس إذا حاول طلبة الجامعات البريطانية تكرار احتجاجات طلبة الجامعات الأميركية». كما دعا رؤساء جامعات البلاد إلى مقرّه في لندن الأسبوع الماضي للتشاور حول ارتفاع مزعوم في «معاداة السامية». وقال الناطق الرسمي باسمه، إن رؤساء الجامعات استمعوا إلى تشديد رئيس الوزراء على»ضرورة العمل لكي تكون جامعاتنا آمنة للطلبة اليهود»، وشجّعهم على تبنّي «نهج صارم تجاه السلوكيات الاحتجاجية غير المقبولة».
أُلقي القبض على حوالى 100 شخص من جامعة «السوربون» بعدما احتلّ الطلبة المحتجّون قاعة محاضرات رئيسية


أما في باريس، فأُلقي القبض على حوالى 100 شخص من جامعة «السوربون» بعدما احتلّ الطلبة المحتجّون قاعة محاضرات رئيسية. وفي الوقت ذاته، كانت الشرطة الألمانية تطرد الطلبة من مقرّ مجموعة التضامن مع غزّة في جامعة «فراي» وتزيل خيامهم، فيما تخطّط الحكومة الألمانية لتشريع قواعد جديدة تمكّن إدارات الجامعات من طرد الطلبة لأسباب سياسية. وفي بلجيكا، احتلّ عشرات الطلبة المؤيدين لفلسطين مبنى في جامعة «غنت» لليوم الرابع على التوالي، وكذلك فعل زملاء لهم في جامعة «أوتريخت»، مطالبين بقطع علاقات جامعاتهم مع الكيان. وفي إسبانيا، حيث تستمرّ التظاهرات، شُيّدت مخيّمات التضامن مع فلسطين في العديد من الجامعات في جميع أنحاء البلاد، بينما يستمر عشرات الطلبة في جامعة «فالنسيا» في الاعتصام في مخيّم نُصب منذ حوالى الأسبوعين للضغط في اتّجاه قطع علاقات جامعتهم مع الاحتلال. أيضاً، انتشرت مخيّمات مماثلة في جامعة «كومبلوتنسي» في مدريد، وجامعة برشلونة، والجامعات في إقليم الباسك. وتحظى الاحتجاجات الطالبية في إسبانيا بتأييد شعبي، وهي تلقّت دفعةً من وزيرة العلوم والابتكار والجامعات، ديانا مورانت، التي قالت للصحافيين، هذا الأسبوع، إنها فخورة بطلبة بلادها «لتنظيمهم هذه الاحتجاجات». وأضافت أن «جامعات إسبانيا لا ينبغي أن تكون مساحات للتكوين الأكاديمي فحسب، بل فضاءات للتفكير النقدي أيضاً». وفي ما اعتبره الطلبة انتصاراً لحَراكهم، قالت منظمة تمثّل 77 جامعة حكومية وخاصة عبر إسبانيا، في بيان لها، إن أعضاءها سيعيدون النظر ويعلّقون عند الاقتضاء اتفاقاتهم مع الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية التي لم تعبّر عن «التزام ثابت بالسلام والامتثال للقانون الدولي الإنساني».
لكنّ الصورة اختلفت في هولندا، حيث اعتدت قوات الشرطة بقسوة على الطلبة الذين أقاموا متاريس من الطاولات وطوب الشوارع والمقاعد الخشبية في حرم جامعة أمستردام، وألقت القبض على مئات منهم وسط هتافات: «عار عليكم». واتّهم ناطق باسم الشرطة الهولندية، الطلبة بارتكاب قائمة طويلة من الجرائم شملت «العنف العام والتخريب والاعتداء على ممتلكات الغير ومقاومة الاعتقال». ومن جهته، وصف مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي المكلّف بتسيير الأعمال، الاحتجاجات في جامعة أمستردام، بأنها «تجاوزت الحدود»، وكتب مخاطباً الطلبة عبر صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي: «التظاهرات مسموح بها دائماً. لكن استخدام العنف ضدّ الشرطة والتخريب أمور غير مسموح بها مطلقاً. عليكم التوقف عن ذلك!». وزعم روته أنه «في كثير من الأحيان، وبكلمات قاسية بشكل متزايد، يتمّ توجيه اللوم على العنف في غزة ضدّ اليهود الهولنديين»، معتبراً ذلك أمراً غير مبرّر و»شكلاً من أشكال معاداة السامية التي يجب أن نواصل جميعنا محاربتها بصوت عال وصريح».
وفيما نفت مصادر طالبية بشكل قاطع ادّعاءات روته، أكدت في الوقت ذاته مشاركة ملحوظة لطلبة يهود في تنظيم الاحتجاجات. كما أن مقاطع فيديو تناقلها الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء، أظهرت أن الطلبة في جامعة أمستردام لم يبادروا إلى العنف، بل هاجمتهم الشرطة المدجّجة بمعدات مكافحة الشغب، بالهراوات، وانهالت عليهم ضرباً، قبل أن تستجلب جرافات ثقيلة لإزالة المتاريس، علماً أن حوالى 169 طالباً ما زالوا رهن الاحتجاز على خلفية تلك الأحداث. وامتدت التوترات أيضاً، إلى جامعات تورنتو وكولومبيا البريطانية ومونتانا في كندا، وكذلك ملبورن وسيدني وأديلايد وبيرث في أستراليا، ووصلت إلى أجواء مسابقة الأغنية الأوروبية - التي تُعقد دورتها هذا العام في مالمو في السويد – حيث تظاهر الآلاف احتجاجاً على مشاركة مغنية إسرائيلية في المسابقة.