غزة | استغلّ جيش العدو توجُّه أنظار العالم إلى العملية العسكرية البرية في جنوب قطاع غزة، وشنّ عدواناً برّياً جديداً في مخيم جباليا شمالي القطاع، والذي يماثل مدينة رفح لجهة الظروف الإنسانية، إذ تحوّلت فيه المدارس والمؤسسات والمرافق الأهلية وبيوت الأقارب والمعارف، إلى مراكز إيواء لأكثر من 170 ألفاً. وصباح السبت، ألقت طائرات الاحتلال منشورات طلبت فيها مغادرة جميع سكان مناطق محافظة شمال غزة، وفي مقدّمتها مخيم جباليا، الذي سيتحوّل وفقاً لبيان جيش العدو إلى منطقة عمليات خطيرة، تبدأ من قلب المخيّم وتمتدّ لتشمل كلّ الأحياء الشرقية المحيطة، مثل السكة والصالحين وتل الزعتر وجباليا البلد والنزهة، والأحياء الغربية مثل بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، وهي المساحة الكبرى التي يطالب الاحتلال بإخلائها في وقت واحد منذ بداية الحرب.المشهد في مخيم جباليا كان صعباً؛ فبعدما انقضت ساعات نهار السبت، ومنّى الأهالي أنفسهم بأن لا يخرج التهديد من إطار محاولة الإرباك والحرب النفسية، بدأت مع ساعات المساء الطائرات الحربية بتنفيذ العشرات من الأحزمة النارية تجاه مناطق شرق المخيم، تزامناً مع قصف من وسائط المدفعية التي أَطلقت المئات من القذائف، ما اضطر عشرات الآلاف من سكان المنازل في حي السكة ومراكز الإيواء، للإخلاء. ومع ساعات نهار أمس، كشف ضوء الشمس عن حجم الكارثة: الآلاف من الأسر افترشت الأرصفة، إذ لا يمتلك أيّ من النازحين إلى المخيّم منذ سبعة أشهر، أيّ خطة بديلة للإخلاء.
أحمد الكحلوت، وهو أحد النازحين الذين التقاه مراسل «الأخبار»، يقول في حديثه: «إحنا نزحنا أصلاً من بيت لاهيا، هدم منزلنا، وما لقينا غير مدرسة وكالة نسكن فيها. اليوم، ما فيه عنّا خيار ثاني، لا في شرق ولا غرب غزة، عيلتنا مكونة من 20 شخصاً، حتى وسيلة مواصلات للخروج من المخيم ما فيه... وين نروح؟».
العملية العسكرية في محافظة الشمال تزامنت مع تحذير المؤسسات الصحية من أنها ستوقف خدماتها خلال 48 ساعة


في المناطق التي وجّه جيش الاحتلال الأهالي للنزوح إليها، أي الشمالية الغربية، تبدّى الجزء الأكبر من مشهد المعاناة. هناك، في أحياء الشيخ رضوان والنصر، حيث تزدحم مراكز الإيواء المتبقية بعشرات الآلاف من النازحين، لم يجد مَن خرج من جباليا، سوى أن ينصب خيامه في الشوارع وعلى شاطئ البحر. يقول أبو عامر: «ضاقت فينا الدنيا، هان لا فيه مية ولا كهربا ولا حتى شيء نفرشه ننام عليه، ما فيه غير ستر الله، ما باليد حيلة، راحت نص العيلة، بدنا نحافظ على من تبقّى». في شارع الصفطاوي الذي يربط المناطق الغربية بمخيم جباليا، ستشاهد الآلاف من الأهالي وهم يحملون ذويهم المسنّين على ظهورهم، ويجرّون ما يستطيعون من أغطية وملابس، على غير هدى إلى المقصد الذي سيذهبون إليه. ومع ساعات الظهيرة، تحوّلت كل بقعة في المخيم إلى كتلة ملتهبة، حيث شرعت طائرات «الكواد كاتبر» والطائرات الحربية بإطلاق النار تجاه كل مَن يتحرّك. ووفقاً لشهود عيان، فقد دمّر جيش الاحتلال العشرات من المنازل والعمارات السكنية المرتفعة في محيط حيَّي الصالحين والسكة، قبل أن تتمركز آلياته في منطقة السلام وزمو، وتشرع في عمليات تجريف وتفجير واسعة.
وتزامنت الهجمة الجديدة للعدو، مع تحذير المؤسسات الصحية من أنها ستوقف خدماتها خلال 48 ساعة، بسبب النقص الشديد في وقود السولار اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء، فيما انعكس ذلك الواقع المتردّي على قدرة الطواقم الطبية وسيارات الدفاع المدني على إنقاذ وانتشال المصابين والشهداء من تحت الأنقاض. ووفقاً لمصدر في مستشفى «كمال عدوان» الحكومي الوحيد الذي يعمل في محافظة الشمال، فإن سيارات الإسعاف عجزت عن الوصول إلى العشرات من المصابين والشهداء الذين قضوا تحت أنقاض منازلهم، فيما اضطر الأهالي لنقل المصابين على عربات تجرّها الدواب.