غزة | قبل ثلاثة أيام من بدء العملية العسكرية الأخيرة في مخيم جباليا، كانت المستشفيات المتبقية في شمال وادي غزة، قد أعلنت أنها قد تتوقف عن العمل في غضون 48 ساعة، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل مولّدات الكهرباء والشح الشديد في المستهلكات الطبية. وقبل أن يطرأ على الواقع الصحي أي جديد، بدأ التوغل الكبير في المناطق الشرقية من المخيم، لتزيد حالة النزوح، التي خلّفها التوغل، من التهديدات التي تطاول كل مناطق وأحياء شمال القطاع دفعة واحدة، وسط النقص الشديد في الكادر الطبي. وفي هذا السياق، يقول مصدر طبي تحدّثت معه «الأخبار»، إن «كثيراً من الأطباء والممرضين اضطروا للنزوح مع عائلاتهم، بغرض البحث عن مأوى»، لافتاً إلى أن «معظم الممرضين والمتطوعين يسكنون جباليا أو الأحياء المحيطة التي تعرّضت للتهديد. وقد خرج الجميع من المكان الذي استقروا فيه طوال خمسة أشهر، نحو المجهول». ويصوّر أحد المواطنين، بدوره، المشهد في مستشفى «كمال عدوان»، المستشفى الحكومي الوحيد الذي يعمل في محافظة الشمال، بقوله إن «العشرات من المصابين يصلون إلى المستشفى، فيُلقون على الأرض لأن الأسرّة قد امتلأت على آخرها بالمصابين. ولا يجد هؤلاء حتى من يقطّب جروحهم».لدى وصولنا إلى «كمال عدوان»، تحدث إلينا الدكتور محمد ظاهر، مؤكداً أن «هناك عجزاً كبيراً في كل شيء: في الأوكسيجين وفي أدوية التخدير، وفي المسكّنات، وحتى في الشاش والكحول»، لافتاً إلى أن «مولدات المستشفى قد تتوقف في أي لحظة». وحول الكادر الطبي، يقول إن «جزءاً كبيراً منه كان قد اعتُقل في اقتحامات سابقة للمستشفى أو لمراكز الإيواء المحيطة، وجزء آخر نزح إلى جنوب القطاع». ويضيف: «انشغل جزء كبير من زملائنا خلال اليوم الأول في تأمين عائلاتهم وإجلائها من المناطق الخطيرة، لذلك نحن نتابع عشرات الحالات في وقت واحد». وبالنتيجة، «لا يحظى المصابون بما يستحقّونه من رعاية».
على غرار «كمال عدوان»، يزداد الضغط على مستشفيي «المعمداني الأهلي» و«العودة»


وعلى غرار «كمال عدوان»، يزداد الضغط على مستشفيي «المعمداني الأهلي» و«العودة»؛ وهذه الثلاثة هي المستشفيات الرئيسية التي تحمّلت العبء كلّه، بعدما أُخرج مستشفى «الشفاء» من الخدمة. وبحسب معتصم صلاح، وهو عضو «لجنة الطوارئ» عن وزارة الصحة، فإن «العمليات الكبرى المتزامنة في منطقة جنوب مدينة غزة في حي الزيتون، ومخيم جباليا، زادت من الضغط على المنظومة الطبية المتهالكة أصلاً». ويضيف صلاح، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «المنظومة الصحية أُنهكت ليس بسبب نقص المعدات الطبية فقط، إنما لأننا نعيش حالة طوارئ منذ أكثر من سبعة أشهر، وقد تعرّضت المؤسسات الصحية والطاقم الطبي للاستهداف المتعمّد، ما قوّض قدرة المنظومة على العمل بكامل طاقتها»، مشيراً إلى «وجود عجز في أطباء العظام والجراحة، وعجز في سيارات الإسعاف التي دمّر العدو العشرات منها».
وبحسب فارس عفانة وهو رئيس قسم الإسعاف والطوارئ في مستشفى «كمال عدوان»، فقد استهدف جيش الاحتلال خمسة من ضباط الإسعاف خلال القيام بمهامهم في إجلاء الجرحى من حي السكة شرقي مخيم جباليا. ويقول عفانة في حديثه إلى «الأخبار»: «استطعنا في يوم واحد إجلاء 70 مصاباً و15 شهيداً من مناطق العمليات في شرق المخيم، لكنّ العدد الأكبر من الشهداء لا يزال تحت أنقاض المنازل المدمّرة وفي الطرقات»، مشيراً إلى أنه «لدينا أزمة وقود خانقة، وسياراتنا متهالكة، كما أن قوات الدفاع المدني التي تعمل بشكل رديف معنا، تعرّضت أكثر مقدراتها للتدمير والتخريب». ويختم حديثه بأن «منظومة الإسعاف والإنقاذ في وضع صعب جداً».