اتسعت الجوقة الإسرائيلية التي تأخذ على رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أنه أوصل إسرائيل إلى انسداد استراتيجي من خلال رفضه التطرّق إلى اليوم التالي للحرب في قطاع غزة «قبل القضاء على حركة حماس»، وانضم إليها أيضاً السفير الأميركي في الكيان. وأتى ذلك فيما بدأت واشنطن تفعيل الرصيف البحري إلى غزة، والذي تسعى من خلاله إلى خدمة المصلحة الإسرائيلية، وفق ما تراها هي، وفي الوقت نفسه منع المتطرّفين الذين يهيمنون على حكومة نتنياهو من الإضرار بالمصالح الأميركية في المنطقة. وبعد الاشتباك بين وزير الحرب، يوآف غالانت، ونتنياهو، على خلفية رفض الأول أن تتولى إسرائيل حكم غزة بعد الحرب، كونه سيؤدي وفق رأيه إلى خسائر كبرى لها، نقل موقع «واللا» العبري عن مصادر قولها إن مواجهة وقعت، ليل أول من أمس، في اجتماع للمجلس الوزاري المصغّر، حين توجه عضو مجلس الحرب، غادي آيزنكوت، إلى نتنياهو بالقول إنه «لم يتم اتخاذ أي قرارات منذ أشهر» في إشارة إلى أن الأخير يتعمّد إطالة أمد الحرب. وأشار الموقع إلى أنه «عندما بدأ (آيزنكوت) طرح الخطوات اللازمة برأيه، تدخّل (وزير الأمن الداخلي إيتمار) بن غفير وعلّق قائلاً: سمعناكم أيها الجنرالات يا أصحاب التصوّر، فغضب آيزنكوت، وقال: لقد رأينا نجاحكم في تعزيز الأمن القومي، توقّف عن التدخّل في شؤوني والزم حدودك».كذلك، نشبت مواجهة حادة بين نتنياهو نفسه وبن غفير، بحسب تأكيد «هيئة البث الإسرائيلية» التي نقلت عن الثاني القول إن غالانت ترك جلسة خلال حديثه، وهو ما جعله يوجه حديثه إلى نتنياهو ويطالبه بإقالة وزير الدفاع، لافتاً إلى أنه كلما تحدّث خرج غالانت من الغرفة. ونقلت الهيئة عن مصدر في مجلس الحرب قوله إن «تفكيك المجلس بات أقرب من أي وقت مضى»، وهو ما يدفع نتنياهو على ما يبدو إلى الانحناء أمام الضغوط، من دون تغيير موقفه، إذ نقلت «هآرتس» عنه القول خلال الاجتماع إنه «منفتح على فكرة نقل السلطة في غزة إلى جهات محلية غير مرتبطة بحماس، لكن ليس السلطة الفلسطينية»، وهو خيار كان قد فشل حين طرح قبل أشهر تولي أبناء عشائر متعاونين مع إسرائيل توزيع المساعدات تمهيداً لحكمهم غزة، وأحبطت «حماس» تلك المحاولة سريعاً. وانضم السفير الأميركي في إسرائيل، جاك ليو، إلى النقاش نفسه قائلاً، بحسب صحيفة «هآرتس»، إن إدارة الرئيس جو بايدن تطلب من إسرائيل منذ مدة طويلة خطة لنقل السلطة في غزة إلى هيئة فلسطينية غير «حماس».
وعلى خطّ مواز، تستعد إسرائيل لاستقبال مستشار بايدن للأمن القومي، جايك سوليفان، الذي يصل غداً آتياً من السعودية لبحث العملية الإسرائيلية الجارية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، في ظل طلب واشنطن عدم توسيع العملية، نتيجة أضرارها على احتمالات التطبيع مع الرياض، وكذلك على العلاقة مع مصر التي ازدادت تأزّماً بعد سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري من الجهة الفلسطينية. وأكدت مصادر في القاهرة، لـ«الأخبار»، أن مصر رفضت سريعاً «مقترحاً إسرائيلياً لإعادة تشغيل معبر رفح البري بالتنسيق معها، من خلال مشاركة قوات أممية على الجانب الفلسطيني وتواجد إدارة فلسطينية يجري التوافق عليها، ولا تنتمي إلى حماس أو تمثّلها، وفي الوقت نفسه تكون موجودة بالفعل داخل غزة في الوقت الحالي».
نتنياهو ينحني أمام الضغوط، لكنه لا يغيّر موقفه بشأن «اليوم التالي»


وبحسب المصادر نفسها، أرادت إسرائيل من المقترح الذي رفضته مصر بعد مشاورات لم تستغرق سوى ساعات قليلة، «سيطرة فعلية على المعبر مع تعاون شكلي بين القاهرة ومسؤولين فلسطينيين، على أن تكون كل الأسماء المرسلة للدخول والخروج من المعبر موافقاً عليها من تل أبيب، وأن يقتصر نشاط المعبر على الأفراد وإدخال عدد من الشاحنات». وتضمّنت الخطة مسؤولية كاملة لموظفي الأمم المتحدة عن تشغيل المعبر من ناحية ضبط الحدود والرقابة الجمركية، بحيث يكون دورهم نقل الأسماء وتبادلها مع ممثلي السلطة في رام الله والمسؤولين المصريين، على أن يكون هناك انسحاب إسرائيلي من داخل «رفح» وانتشار في محيطه فقط.
وجاء الرفض المصري مدفوعاً بعدة اعتبارات، وفق المصادر نفسها، في مقدمتها رفض «التورّط في تحمّل مسؤولية الفلسطينيين» الذين سيتولون إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني، بالإضافة إلى أن الموافقة المصرية تعني اعترافاً ضمنياً بالسيادة الإسرائيلية على المعبر، إلى جانب الصدام المحتمل مع المقاومة. وبحسب المصادر فإن الخطة الإسرائيلية التي أعدّها جهاز «الشاباك» وعرضها مسؤولوه في القاهرة خلال زيارة الأربعاء الماضي، تضمّنت قصر عبور المساعدات على معبر كرم أبو سالم مع تدقيق إسرائيلي في الشاحنات، وإمكانية أن يكون الموظفون المعيّنون على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، هم أنفسهم الذين عملوا بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة حتى سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007.
وفيما تشعر القاهرة بالقلق من التحركات الإسرائيلية المختلفة في ما يتعلّق بالمساعدات التي بدأ نقلها عبر الرصيف البحري الأميركي لإدخالها إلى القطاع، برزت تحفّظات أميركية على مقترح نشر قوات دولية داخل القطاع، وهو ما يعني بالنسبة إلى القاهرة تبني الموقف الإسرائيلي. وعلى رغم المناقشات التي جرت بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأميركيين حول طبيعة الدور الذي يجب أن تتولاه تلك القوات، بما في ذلك المسؤولية عن حماية المدنيين في المخيمات وأماكن تواجدهم، فإن التحفّظات الأميركية ارتكزت على ما وصفه مسؤول أميركي بـ«المغامرة غير المحسوبة» في ظل القلق من حدوث اشتباكات بين القوات المقترح إرسالها ومقاتلي «حماس». كذلك، حذّر مسؤولون مصريون نظراءهم الأميركيين من «التوتر غير المسبوق» في العلاقات مع إسرائيل، خصوصاً في ظل عدم القدرة على التوصل إلى نقاط تفاهم في ما يتعلق بالوضع على الشريط الحدودي. وأشارت المصادر إلى أن مصر تدرس الآن أكثر من أي وقت مضى سحب سفيرها من تل أبيب، في حال عدم استئناف المفاوضات مجدّداً وعدم وقف العملية الإسرائيلية في رفح.