فرض توسّع الحرب في غزة وقائع جديدة على كل الملفات الساخنة في المنطقة ومنها لبنان. وبعدما تحوّلت جبهة المساندة في جنوب لبنان إلى فوهة بركان، مع تصعيد المقاومة وتيرة رسائلها العسكرية ضد العدو الإسرائيلي، في سياق رسم خطوط دفاع استباقية لأي قرار إسرائيلي بتوسيع المعركة. والنتيجة الأبرز لما يحصل، هو وقف الحركة على كامل الجبهات السياسية الأخرى، إذ تتشابك التطورات العسكرية مع ملفاتٍ داخلية ذات امتداد إقليمي، أبرزها الاتفاق حول الجنوب، وملفَّي الرئاسة والنازحين السوريين.
(هيثم الموسوي)

ففي الوقت الذي سلكت فيه التطورات في غزة مساراً مغايراً تماماً عما كان قبل أسبوعين، وتعطل مفاوضات الوساطة بين العدو وحماس. أصبح الوسطاء على خط بيروت أكثر قناعة بعدم جدوى الكلام بشأن لبنان حالياً. هذا ما يظهره رصد بسيط للاتصالات الخارجية مع القوى السياسية الداخلية. وقال مصدر معني بالاتصالات إن «المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين أبلغ المعنيين في لبنان قبل عدة أيام، بأن لا زيارة قريبة له للبنان، حيث لا إمكانية للبحث في أي شيء»، خاصة «بعد التطورات الأخيرة في غزة والتي أعادت الأمور إلى بداياتها». وأضاف المصدر أن «هوكشتين تحدّث بوضوح عن تراجع صوت الهدنة مقابل ارتفاع صوت الحرب وإمكانية استمرارها فترة طويلة من دون أن يكون هناك أفق حتى اللحظة»، وبما أن حزب الله «حسم أن لا وقف لإطلاق النار في لبنان قبل غزة ولا تراجع عن هذا السقف، فالملف اللبناني بكل تفرعاته وُضع جانباً».
واستناداً إلى الكلام الأميركي، يمكن اعتبار أن كل تحرك موازٍ من أي جهة خارجية لا إمكانية لأن يكون له أي ترجمة عملانية له. وينطبق ذلك على الحراك الفرنسي الأخير الذي أكّدت المصادر أنه «انتهى والورقة الفرنسية أصبحت وراءنا»، كذلك النشاط القطري الذي تمثّل في الأسابيع الأخيرة بدعوة شخصيات لبنانية إلى الدوحة للتباحث معها في الملف اللبناني.
الأمر نفسه انعكس على باقي الملفات. حتى إن «اللجنة الخماسية» المعنية بالملف اللبناني، باتت على قناعة أيضاً بعدم وجود قدرة على إحداث أي خرق في الملف الرئاسي. ونقل مطّلعون على أجواء اجتماعها الأخير في مقر السفارة الأميركية في عوكر، أن الخلاصة هي ذاتها التي ردّدها أعضاء اللجنة أنفسهم في اللقاءت مع الكتل النيابية، لجهة أنها تقوم بحراك ختامي لكل نشاطها السابق، بعدما لمست أن التطورات على الحدود من جهة والانقسام الداخلي من جهة يحولان دون القدرة على تحقيق أي تقدم في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، فضلاً عن «تعمّق الخلافات بين السفراء حول رؤيتهم للحل».
في هذا الوقت، أظهرت الاتصالات الأخيرة، أن الثنائي «حزب الله» و«أمل» بات مع حلفائه أكثر تمسكاً بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وليس من بينهم من هو في وارد التراجع عن دعم هذا الترشيح، إلا في حالة واحدة وهي أن يقرر فرنجية نفسه الانسحاب من هذا السباق، وهو الخيار «شبه المستحيل» بالنسبة إلى فرنجية وفقَ ما قاله بنفسه أمام جميع من يزورونه.
أما بالنسبة إلى قضية النازحين التي باتت تتقاسم المشهد السياسي مع الأزمة الرئاسية المفتوحة والحرب في الجنوب، فأكدت مصادر نيابية أن «ملف النازحين لن يتغير فيه شيء، في ظل الضغوطات الخارجية، إذ لن تتجرأ الحكومة على اتخاذ خطوات كبيرة في هذا السياق». وأكدت أن «الإجراءات التي يقوم بها الأمن العام حالياً والمتمثّلة بترحيل أعداد من النازحين هي إجراءات سبقَ أن حصلت سابقاً، حيث أعيد المئات منهم، ثم ما لبثوا أن عادوا وهذه الأرقام لا يمكن أن تُحدث فرقاً. فالمطلوب هو سياسة عامة تتفق عليها القوى السياسية وتقوم الحكومة بتنفيذها».
وقالت مصادر نيابية إن التوصية التي أقرّها أخيراً مجلس النواب وتتضمن 9 نقاط كخريطة طريق للحكومة لمعالجةِ أزمة النازحين من خلال التنسيق مع الحكومة السورية والجهات الدولية المعنية ضمن جدول زمني يتم وضعه، هي توصية غير مجدية جرى التصويت عليها في جلسة شهدت فوضى عارمة وملتبسة، وبالتالي ليس مفهوماً إن كانت الحكومة ستلتزم بها أم لها.