يصل إلى أنقرة، اليوم، رئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في ردٍّ للزيارة التي قام بها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى أثينا في السابع من كانون الأول الماضي. وفيما تمرّ العلاقات بين البلدين بمرحلة من الهدوء وتقليص التوتّرات، فإن ذلك لا يعني توقُّع نتائج استثنائية من الزيارة؛ إذ، كما قال وزير الخارجية اليوناني، يورغوس يرابيتريتيس: "سيلتقي الزعيمان ويتحدّثان، والأهمّ هو ما يتّخذانه بعد ذلك من خطوات"، متوقّعاً أن يمرّ اللقاء بينهما في "جوّ من الصداقة والثقة"، وأن تناقَش الموضوعات الشائكة. ووفق الوزير اليوناني، سيعزّز الرئيسان إجراءات الثقة بينهما، وسيرسمان خريطة طريق للخطوات اللاحقة.ويجمع تركيا واليونانَ ماضٍ موغل في التوتّرات والأزمات وحتى الحروب غير المباشرة بين تركيا واليونان، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، وترسيم الحدود بين الجمهورية التركية الوليدة بعد انهيار الدولة العثمانية، وبين المناطق التي كانت تحت الاحتلال العثماني، ومنها اليونان، علماً أن هذه الأخيرة استقلّت عن دولة الخلافة في عام 1828. ولا يزال البلدان يختلفان، منذ أكثر من مئة عام، على الحدود البحرية في بحر إيجه، حيث آلاف الجزر الصغيرة. وأضيفت إلى هذه المشكلة، في السنوات الأخيرة، طريقة تحديد المناطق الاقتصادية البحرية الخالصة لكلّ بلد. وتلقائياً، نتيجة ذلك، فهما يختلفان على حدود المجال الجوي والجُرف القاري. أيضاً، تبرز من وقت إلى آخر مشكلة الجزر الـ 12 (عملياً 14 جزيرة) القريبة جداً من الساحل التركي، والتي أُتبعت باليونان قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، على أن تكون منزوعة السلاح، لكن أنقرة تقول إن أثينا تنشر السلاح فيها، وتهدّد باستخدام القوّة لمنعها من ذلك. تضاف إلى ما تقدّم، المشكلات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية واتّفاق البلدين على استقلال قبرص في عام 1960، وما أعقب هذا من انتهاك للاتفاقات الخاصة بقبرص، دفع القوات التركية إلى غزو الجزيرة عام 1974، واحتلال القسم الشمالي منها. وممّا فاقم من العداء بين أنقرة وأثينا، في السنوات الأخيرة، التباين في العلاقات بين الأتراك والأميركيين، ولا سيما بعد عام 2016، حين اتهمت تركيا الولايات المتحدة بالمشاركة في المحاولة الانقلابية ضدّ إردوغان، حيث نجحت اليونان في استغلال هذا التباين لمصلحتها، عبر تعزيز العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، ولا سيما لجهة إقامة قواعد عسكرية أميركية في البلد الأوروبي، اعتبرتها أنقرة موجّهة ضدّ الأمن القومي التركي.
الزيارة الحالية تمرّ وسط توتّر مفاجئ يتعلّق بقرار الحكومة التركية إعادة كنيسة "كارييه" في إسطنبول إلى جامع


على أن كل هذه الخلافات وغيرها لم تجد حلّاً لها إلى الآن، على رغم مضيّ 100 عام على بعضها، وأكثر من 70 عاماً على بعضها الآخر. ومع أن العلاقات التركية - اليونانية كانت تشهد فترات من الغزل، وخصوصاً في نهاية التسعينيات، ويبدي مسؤولو البلدين كل حفاوة ممكنة في لقاءاتهما، غير أن التوتّر ظلّ السمة الأبرز لهذه العلاقات، وهو ما يجعل تحقّق أيّ تقدُّم جدّي، خلال الزيارة الحالية، أمراً بعيد الاحتمال. ومع ذلك، فإن الزعيمين سيناقشان كلّ جوانب التعاون بينهما، ولا سيما رفع حجم التبادل التجاري من 6 إلى 10 مليارات دولار. غير أن الزيارة الحالية تمرّ وسط توتّر مفاجئ يتعلّق بقرار الحكومة التركية إعادة كنيسة "كارييه" (كورا باليونانية) الموجودة في منطقة الفاتح في إسطنبول إلى جامع، جرى فتحه للعبادة يوم الاثنين الماضي. وعلى هذه الخلفية، رأى ميتسوتاكيس، يوم الخميس الماضي، أن إعادة الكنيسة لتكون جامعاً "أمر مقلق" و"رسالة خاطئة"، مشيراً إلى أنه سيطرح هذا الأمر خلال لقائه مع إردوغان اليوم، فيما طالبته المعارضة بإلغاء زيارته لتركيا.
والجدير ذكره، هنا، أنه باستثناء الروائع المعمارية التي بناها في العهد العثماني، المهندس الشهير معمار سنان، فإن إسطنبول مدينة بيزنطية بامتياز وغنية بالآثار المختلفة العائدة إلى ذلك العهد، ومنها الكنائس، وعلى رأسها كنيسة "آيا صوفيا" التي حوّلها السلطان محمد الفاتح، بعد السيطرة عليها عام 1453، إلى جامع؛ ثم جاء مصطفى كمال أتاتورك وحوّلها إلى متحف من دون أن يعيدها إلى ما كانت عليه، لكن إردوغان ألغى، في 20 تموز 2020، قرار أتاتورك عبر إعادة "آيا صوفيا" إلى جامع. ومن بين الكنائس والأديرة البيزنطية التابعة للروم الأرثوذكس، تعدّ كنيسة "كارييه"، التي بنيت في القرن السادس للميلاد، مميّزة عن غيرها بجماليتها المعمارية وقطع الفسيفساء والرسوم الجدارية فيها. ومع أنها تعرّضت للتخريب على أيدي الحملة الصليبية اللاتينية عام 1204، إلا أنّها استمرّت في كونها كنيسة بعد استيلاء محمد الفاتح على إسطنبول. ولكن في عام 1511، قرّر السلطان بايزيد الثاني تحويلها إلى جامع. ولاحقاً، في 29 آب 1945، قرّرت الحكومة التركية تحويل "كارييه" إلى متحف، وفتحه أمام الزوار عام 1949.
وفي تعليقه على خطوة إردوغان، أشار الكاتب مراد يتكين إلى أنّ في إسطنبول، وحدها، 3555 جامعاً. "فهل هي بحاجة إلى جامع جديد، وخصوصاً أنه كان في الأصل كنيسة؟ أم أن الصلاة في مكان عبادة فخم وعظيم فيه ثواب أكبر؟". ورأى أن "هذه الخطوة لا تفيد إردوغان، فبعد كلام الرئيس التركي عام 2018، والذي قال فيه إنه سيحوّل آيا صوفيا من جديد إلى جامع، خسر بلدية إسطنبول عام 2019".