في أعقاب زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الأخيرة إلى المجر، بات بالإمكان القول إنّ الأخيرة أصبحت الدولة الأوروبية «الأقرب» إلى بكين، فيما من المرجح أن تشهد العلاقة بين الطرفين المزيد من التطور في الفترة القادمة. في الواقع، تسعى المجر، وهي الدولة الوحيدة في «الاتحاد الأوروبي» التي لا تزال ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، إلى كسب دور أكبر في تلك المبادرة، وتعميق علاقتها مع الصين في مختلف المجالات، ضاربة عرض الحائط تحذيرات الدول الغربية، التي تزعم أنّ البضائع والشركات الصينية «تقوّض الأمن القومي والاقتصادي» لواشنطن وحلفائها. وخلال الزيارة، أجرى شي محادثات مع رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في بودابست، في اختتام جولة أوروبية استمرت لخمسة أيام. وعلى ضوء اللقاء، وقعت الصين والمجر، الخميس، «اتفاقية استراتيجية شاملة في جميع الظروف»، تراها بكين واحدة من أعلى الاتفاقيات مستوى في العلاقات الثنائية بين أي بلدين. وفي التفاصيل، وقع البلدان نحو 18 اتفاقية، تشمل تطوير البنية التحتية ومشاريع الطاقة، في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، والزراعة والإعلام والثقافة والسياحة، فيما أفادت مصادر مطّلعة بأنّ التعاون قد يمتد إلى القطاع النووي أيضاً. وبحسب وكالة «بلومبرغ»، قد تصل الاستثمارات في البنية التحتية إلى نحو 10.8 مليارات دولار، بينما ستسعى بودابست إلى الحصول على قروض صينية لتمويل هذه الخطط، التي تشمل أيضاً ربط البلاد بـ«ميناء بيرايوس» اليوناني، كون الأخير يُعدّ نقطة دخول للبضائع الصينية إلى وسط وشرق أوروبا. كذلك، نقل موقع «الأخبار النووية العالمية»، ومقره لندن، عن أوربان قوله إنّه «تعبيراً عن الثقة، أصبحت الحقيقة تفرض أن يتم توسيع التعاون بين بلدينا ليشمل قطاع الصناعة النووية بأكمله، وهو ما لم يشهده البلدان حتى الآن». كما تم، طبقاً للموقع نفسه، توقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين حول الاستخدام السلمي للأسلحة النووية.
وقعت الصين والمجر اتفاقية إستراتيجية شاملة، تراها بكين واحدة من الاتفاقيات الثنائية الأعلى مستوى

تزامناً مع ذلك، وإذ تحاول القوى الغربية فرض إجراءات تصفها بكين بـ«الحمائية» على البضائع الصينية، ولا سيما في مجال الصناعات الخضراء، وعلى رأسها السيارات الكهربائية، فإنّ المجر، تسعى في المقابل، إلى الحصول على دعم صيني للعب دول أكبر في القارة الأوروبية في هذا المجال. وفي السياق، أعلنت المجر، في كانون الأول الماضي، أن أحد أكبر مصنعي السيارات الكهربائية في العالم، وهو شركة «بي واي دي» الصينية (BYD)، سيفتح أول مصنع أوروبي لإنتاج السيارات الكهربائية في جنوب البلاد. كما أصبحت المجر مقراً لعدد من مصانع بطاريات السيارات الكهربائية الصينية، وهي تأمل أن تصبح «مركزاً عالمياً» لتصنيع بطاريات الليثيوم. وفي بيان مشترك عقب الزيارة، تداولت وسائل الإعلام الصينية تصريحات لأوربان حول «رفضه شكاوى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول أنّ الصين تغرق الأسواق بالبضائع الرخيصة». على الضفة نفسها، وفي وقت تنظر فيه الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية إلى قطاع الاتصالات على أنّه «قطاع حساس»، وتزعم أنّ شركة «هواوي» على وجه الخصوص تشكل «تهديداً للأمن القومي»، وبعد أسبوع واحد من إلغاء الولايات المتحدة للتراخيص التي تسمح للشركات الصينية بشراء أشباه المواصلات من شركات «كوالكوم» (Qualcomm Inc)، و«إنتل»، وافقت المجر، في المقابل، على تعميق العلاقات مع شركة «هواوي» خلال زيارة الرئيس الصيني، وفقاً لما أفادت به وكالة «بلومبرغ»، التي تابعت أنّ «هواوي» وشركة الاتصالات المجرية «4iG Nyrt» تستعدان لتطوير «منصة خدمات سحابية مشتركة»، وأنّه تم توقيع الاتفاقية الأولية في هذا الاتجاه الجمعة. واستباقاً لهذه الخطوات، كان السفير الأميركي لدى المجر، ديفيد بريسمان، قد رأى، في إفادة أمام الصحافيين، أنّ «الطريقة التي تنمي بها المجر علاقتها مع بكين، بما في ذلك عبر السماح بدخول التكنولوجيا الصينية الإشكالية في بنيتها التحتية الحيوية، تعكس الاهتمام الضئيل الذي توليه المجر لأمنها وأمن حلفائها وشركائها»، على حدّ تعبيره.

خط «صربيا – بودابست»
وأثناء زيارة شي الأخيرة إلى كل من صربيا والمجر، كثر الحديث في الإعلام الغربي والصيني عن مشروع سكك الحديد فائقة السرعة التي تربط بلغراد ببودابست، والذي أصبح يرتبط بشكل وثيق بـ«مبادرة الحزام والطريق»، وتحاول الصين عبره إعطاء «نموذج» عن أي تعاون صيني – أوروبي مستقبلي. وتقود «شركة هندسة السكك الحديدية الصينية» بالتعاون مع شركات صينية أخرى عملية بناء السكة، التي يبلغ طولها نحو 342 كلم، 183.1 منها داخل صربيا، وستؤمن سرعة تصل إلى 200 كلم في الساعة، ما سيقلّص المسافة بين البلدين إلى النصف تقريباً. وقد تم عام 2022، الانتهاء من بناء الجزء الذي يربط العاصمة الصربية بلغراد بثاني أكبر مدينة في البلاد نوفي ساد، ما قلّص المدة بين المدينتين من 90 إلى 30 دقيقة. وبحسب وسائل الإعلام الصينية، فقد دخلت عملية البناء في صربيا مرحلتها الأخيرة والأكثر «صعوبة»، وهي ستربط نوفي ساد بالحدود الصربية – المجرية.
وبدورها، كانت صربيا، أثناء جولة شي الأخيرة، على موعد مع عدد من الاتفاقيات الثنائية، والتي تم التوصل إليها خلال لقاء شي مع الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش. ونشرت وكالة الأنباء الصينية «شينخوا»، في أعقاب اللقاء، بياناً، حول المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين، أكّدت فيه أنّ الطرفين اتفقا على أن تدخل «اتفاقية التجارة الحرة بين الصين وصربيا حيّز التنفيذ ابتداءً من الأول من تموز هذا العام»، فيما ستشمل مجالات التعاون المستقبلية، طبقاً للبيان، زيادة التبادلات العلمية والثقافية والاستثمارات في مبادرة «الحزام والطريق»، وغيرها من المجالات.