إذا ما وضعنا ضحايا الحروب وما تصنع يد الإنسان وكوارث الطبيعة التي تخطف الأرواح خبط عشواء، فإن معدلات الأعمار عامة، والنساء خاصة آخذة بالارتفاع. طالت أعمار النساء أكثر من عشر سنوات في المنطقة العربية لمعدل 76 عاماً، وأصبح بمقدورهنّ التمتع بمباهج الحياة «إن وجدت»، لكنهنّ في الوقت عينه سيتعرضنّ أكثر لمشاكل الصحة الجسدية والنفسية والجنسية.
فبعد ست سنوات من اليوم، سَيُبلى العالم بـ19مليون إصابة جديدة بالسرطان، أي بزيادة 5 ملايين عن عام 2012، وسيكون نصيب منطقة الشرق الأوسط منها ما يزيد عن نصف مليون حالة. سيكون النساء أول ضحايا السرطان بانتشارٍ غير متناسق نتيجة التمييز التاريخي بحقهن، والذي يؤدي الى غياب الكشف المبكر والرعاية الدورية المناسبة.
تشكل السرطانات النسائية من الثدي الى الرحم وعنق الرحم والمبيض جزءاً كبيراً من أكثر عشر سرطانات شيوعاً عند النساء، تصيب منها قَدَراً من كيانها وأنوثتها وجنسانيتها وحضورها. كما وتتضاعف أعباء الإصابة نظراً لما يصاحبها من خجلٍ وإقصاءٍ وهالة من «التابو» على سلوكات المرأة المصابة تجاه تشوّش إدراكها لنفسها وجسدها وعلاقتها بالرعاية المطلوبة.
يأتي هذا المسار بالرغم من التحسن الهائل للعلاجات الطبية السرطانية، ولكن دون مواكبة ذلك التحسن لشمولية العناية بكل جوانب وعوارض العلاج وعلى رأسها الصحة الجنسية. تشير إحدى الدراسات الصادرة من الولايات المتحدة الأميركية أن ما يزيد عن 50% من مرضى السرطانات النسائية يعانين من اضطرابات جنسية طويلة الأمد ترتبط بألم المجامعة والرغبة وغياب النشوة.
الصحة الجنسية تعني الكثير لغالبية المصابات بالسرطان، ومنهنّ ما زلنّ في أعمارٍ شابة، وقد أشارت غالبيتهنّ الى أن مقدمي الرعاية لم يتحدثنّ معهنّ عن آثار العلاج على حياتهنّ الجنسية. تتحدث دراسة صادرة عام 2017 من جامعة جونز هوبكنز أن المسائل الجنسية عند مرضى السرطان تبقى مهملة، خصوصاً عند النساء، حيث أشارت 65% منهنّ أن أطبائهنّ لم يشيروا قط الى تأثير العلاج على الصحة الجنسية والأداء الجنسي.
إن ما يفعله علاج السرطان الجراحي أو الكيميائي أو الشعاعي- رغم الشفاء الباهر وإنقاذ حياة الكثيرين ـ يترك آثاراً مدمرة في حياة المرأة الجنسية وإدراكها لجسدها. تخسر المرأة خصوبتها ومشاعرها الجنسية والإثارة والرغبة في أغلب الأحيان. تُصاب الأعضاء التناسلية وخصوصاً المهبل بالتسمم والتلف، ويزداد ألم المجامعة، والأصعب أيضاً العلاقة الغير صحية والمتنافرة بين المرأة وجسدها وأثر كل ذلك على ثقتها بنفسها. في دراسة عن السرطان والجنس من أوروبا، شعرت أكثر من نصف الناجيات من السرطان أن حياتهنّ الجنسية أصبحت سيئة بسبب الخوف من الألم، وأوجاع المجامعة، وازدرائهن لأجسادهن.
«ربحت المعركة مع السرطان، لكني خسرتها مع نوعية الحياة والحفاظ على الأنوثة»، كما وصفت إحدى الناجيات، وتقول أخرى «هلق بدّي عيش بس بدّي إنسى العلاقة الجنسية»، وتضيف ثالثة «ما بعرف اذا زوجي بعد بيطلع فيي متل قبل».
لا بدّ لمقدم الرعاية ومراكز الرعاية من تسليط الضوء على الجنسانية والسرطان وتثقيف المصابات على خيارات العلاج المتاحة وأثر كل منها على الصحة الجنسية، والتشاور في خطط الرعاية، وهو ما سيتم استكماله قريباً في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت. هناك فائدة ملموسة من توعية المرأة حول الجوانب المتعددة للعلاج على المديين القصير والبعيد، خصوصاً أن أكثر من 40% من الناجيات يرغبن في الحصول على الرعاية في الصحة الجنسية.
دفع هذا النقص برعاية الصحة الجنسية والحاجة اليها عند الناجيات من السرطان، مجموعة من أطباء النساء من جامعة شيكاغو الى إصدار مانيفستو للحفاظ على العمل الجنسي عند النساء والفتيات المصابات بالسرطان. يدعو المانيفستو مقدمي الرعاية الى اكتساب المهارات المتعلقة بالصحة الجنسية لمرضى السرطان وتثقيفهنّ حولها وتقديم العلاجات اللازمة للحفاظ عليها واستعادتها. تتعدد أنواع العلاجات الجنسية المتاحة وما على الأطباء إلا التنبه وإعطاء أولوية مستحقة لها.
يستحق الانتصار على السرطان كل التهليل والإكبار لمقدمي العلاج، وكل التقدير والتشجيع للناجيات، لتبقى نوعية حياة المرأة العاطفية والجنسية وثقتها بنفسها وكيانها، التحدي الأكبر الواجب مواجهته وتحقيقه ليكتمل فعلاً التغلب الشامل على السرطان.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية