سبقت الجرّافات إعلان وادي زبقين محمية طبيعية. قبل حوالي عام، استجابت وزارة الأشغال والنقل لطلب وقف مشروع شق وتعبيد طريق يقطع الوادي ويمتد من قرية العزّية (قضاء صور) إلى قرية رامية (قضاء بنت جبيل)، بانتظار رأي وزارة البيئة في طلب جمعية «الجنوبيون الخضر» إعلان وادي زبقين محمية طبيعية.ظنت بلديتا زبقين وياطر (المعترضتان على المشروع) والجمعيات الأهلية والناشطون البيئيون أنهم أنقذوا الوادي ونباتاته وحيواناته من أسنان الجرافات ولهيب الإسفلت. لكن ما حصل لم يكن سوى تأجيل مؤقت للأشغال. إذ رصدت الجمعية أعمال حفر وجرف في طريق ترابية تقع بين رامية ومزرعة الصالحاني. ولدى مراجعة المتعهد، أكّد أن الورشة محصورة بالتأهيل والتنظيف. لكن الورشة سرعان ما تمدّدت في اتجاه عين التينة لناحية زبقين، حيث جرى جرف وتوسيع الطريق الوعرة نحو عين الماء في أسفل الوادي. ومن هناك، يستكمل المسار نحو العزية.

لماذا أعيد تحريك المشروع؟

رئيس «الجنوبيون الخضر» هشام يونس أوضح لـ«الأخبار» أن التحركات الإحتجاجية والجولات على النواب والوزراء «أدت إلى وقف المشروع قبل عام وتلقينا تعهدات من المسؤولين بسحبه من التداول». وشملت جولات الناشطين، مدعومين من بلديتي زبقين وياطر، النائب عن بنت جبيل أيوب حميد ونواب صور الذين «أبلغوا وزير الأشغال والنقل يوسف فنيانوس رفضهم للمشروع الذي أقر في عهد سلفه غازي زعيتر». بالتزامن، قدمت كل من الجمعية وبلدية زبقين طلباً إلى وزارة البيئة بإعلان الوادي محمية. وتضمّن الطلبان خرائط للوادي وصوراً لطبيعته ودراسة عن مميزاته الحيوية، فضلاً عن موافقة خطية من أصحاب الأملاك الخاصة ضمن الوادي على إعلانه محمية. مع ذلك، بحسب يونس، «لم تقم الوزارة بأي تدبير حتى الآن، ولا حتى وضع الوادي في حالة قيد الدرس منعاً لأي إجراء».
لم تقم وزارة البيئة بأي تدبير لوضع الوادي في حالة «قيد الدرس» منعاً لأي إجراء


كل تلك التحركات لم تمنع المشروع، فما هو سره؟ في اتصال مع «الأخبار»، لمّح رئيس بلدية زبقين علي بزيع إلى أن أحد المتنفذين اشترى عقاراً في الوادي ونال حظوة شق طريق تمر بالقرب منه لاختصار المسافة. علماً بأن طول الوادي يقدر بعشرين كيلومتراً من الحنية إلى رامية. فيما الطريق المعتمدة حالياً تزيد بخمسة كيلومترات فقط، وفق بزيع. يستغرب الأخير إصرار الوزارة على متابعة المشروع رغم رفض بلدية زبقين التي تقع المساحة الأكبر من الوادي في أراضيها، إضافة إلى رفض بلدية ياطر والحملة التي قامت بها الجمعيات الأهلية. ولفت إلى أن الوزارة لم تقم بدراسة ميدانية مسبقة أو إجراءات قانونية ملزمة، لا سيما إحصاء الملكيات الخاصة في الوادي والإستحصال على موافقة أصحابها والتعويض عليهم. علماً أن الطريق سيمر في 28 عقاراً. الوزارة استفادت من موافقة بلدية رامية على المشروع، فشرعت في تنفيذ الأشغال في الإتجاه المعاكس، أي من رامية نزولاً نحو زبقين والعزية. هكذا يصبح الطريق أمراً واقعاً.

فوائد اقتصادية

يجهد «الجنوبيون الخضر» وبلدية زبقين لإعلان الوادي محمية طبيعية وإدراجه على خريطة السياحية البيئية. في الأشهر الماضية، استضافت البلدة وفوداً عدة من المهتمين برياضة المشي والتسلق. بعض أبناء البلدة يتطوعون في أيام العطل لمرافقة الزوار وإرشادهم إلى مسار الوادي وتعريفهم إلى مميزاته. الإفادة الإقتصادية التي يجنيها بعض المقاهي والمحال من حركة الزوار، بثّت روح الإهتمام بالوادي بين كثيرين. البعض ساهم بالإبلاغ عن تعديات تمددت على نحو تدريجي إلى الوادي. فمن جهة مجدل زون، هناك أراض مصنفة كسارات. ومن جهة بلدات عدة، سجلت تعديات على الملكيات الخاصة ورمي نفايات من قبل بلديات وأشخاص لا سيما من ناحية العزية.

ماذا ستفعل بلدية زبقين؟ نفذت البلدية والجمعية السبت الماضي وقفة احتجاجية عند مشارف الوادي. وبدءاً من اليوم، يطلق بزيع مروحة تحركات لدفع وزارة البيئة الى الإستعجال بإعلان الوادي محمية. علماً بأن قرار «البيئة» يستتبع إحالة اقتراح إعلان المحمية إلى مجلس النواب للموافقة. البرلمان في حال وافق يحيله إلى مجلس الوزراء الذي يرفعه إلى رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري في هذا الخصوص.
إعلان وادي زبقين محمية طبيعية يحفّز على منح حماية مماثلة لوادي العزية ــــ زبقين ــــ رامية من جهة، ووادي الشعب من وادي حامول والناقورة حتى عيتا الشعب من جهة أخرى. «الجنوبيون الخضر» أجروا مسحاً ميدانياً للوادي الممتد من العزية إلى ياطر ورامية والحاصباني وشيحين وبيت ليف ووادي العيون ومجدل زون. وفق المسح، تمتاز أحراج زبقين بالتواصل والسعة بقطر يتجاوز في بعض المواقع ٣,٦ كيلومترات من المناطق الحرجية. فيما تشكّل مياه الأمطار والينابيع التي تتفجّر شتاء من الصخور في الجبال المحيطة نهراً في قعر الوادي يصل الى وادي رميش. ينابيع العزية والنفخة والعتمة والقصب والدلافة والتنور (الصالحاني) تتفجر في الشتاء. إلا أن نبع عين التينة (موقع الأشغال الحالية) يستمر بالتدفق، بنسب متفاوتة، طوال أيام السنة. المشهد يكتمل بالتنوع الحيوي من أصناف الزواحف والبرمائيات والطفيليات المائية والقشريات الصغيرة وحشرات الماء وسلاحف المياه العذبة و«حنكليس» نهري وأصناف متعددة من الضفادع والأسماك التي تعيش في مستنقعات مياه الينابيع. ومن الحيوانات اللاحمة التي رصد وجودها في الوادي، الضباع المخططة والثعالب الحمراء والنيص والخنازير البرية والغرير والقطط البرية وابن آوى الذهبي والطبسون أو الوبر الصخري. وفي الوادي مرتفع «جبل النمر» نسبة الى النمور التي كانت تشاهد فيه في ستينيات القرن الفائت. وخلال نشاط المقاومة في الستينيات والسبعينيات والإحتلال الإسرائيلي حتى عام 2000، عُزل الوادي عن أهله. بعد عودتهم إليه، فقدوا أثر النمور والذئاب. علماً أن النظام الحيوي حمى نفسه في المغر التي يبلغ عرض بعضها ٢٥ متراً وعمقها ٣٥ متراً وارتفاعها عشرة أمتار.
الأهمية الكبرى للوادي تكمن أيضاً في الذاكرة الجماعية لأهالي المنطقة. فقد شكل الإسناد الخلفي الغذائي والمائي والسياحي للحنية وزبقين وياطر حتى رامية. البيدر التحتاني، أحد زوايا الوادي، يُنسب إلى حقول القمح والحبوب التي كان تزرع وتدرس فيه. ومن العيون التي كانت تنبع بالمياه العذبة طوال السنة، كانت النسوة تملأن الجرار لاستخدامها للشرب وتحضير الطعام وغسل الثياب والإستحمام.