بدأت عملية تمديد حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مشهد أقرب ما يكون للكوميديا بعد استبعاد كل المرشحين أمامه، واستدعاء أحد مناصريه للقيام بدور المنافس. فبعد الضغط على رئيس الوزراء الأسبق الفريق أحمد شفيق، وإجباره على التراجع عن الترشح، ثم حبس العقيد أحمد قنصوة، الذي أعلن عزمه على الترشح أمام السيسي، ثم اعتقال رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الفريق سامي عنان، بعد إعلانه نيته الترشح، والضغوط الأمنية على الحقوقي خالد علي، انفرد السيسي بالسباق وحده. وبعد عدة مداولات، وقع الاختيار على موسى مصطفى موسى، أحد مناصري السيسي، ليقوم بدور «المنافس»، أو «المرشح المساند».
المرشح المساند

كان إعلان موسى مصطفى موسى مرشحاً للانتخابات الرئاسية المصرية، وما تلا ذلك من مواقف له، مثار سخرية الكثير من المصريين، فالرجل الذي يشغل منصب رئيس «حزب الغد»، كان قد أعلن دعمه الشخصي ودعم حزبه للسيسي في جولة الانتخابات الرئاسية، وحتى بعد استدعائه كمرشح مساند للسيسي، لم يكُف عن ترديد شعارات التأييد له. ففي مؤتمر حزبي عقب الترشح، قال موسى: «كلنا نقف وقفة رجل واحد خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمسعى ليس أن ينجح السيسي، فكلنا نعرف أنه سينجح، ولكن الهدف أن ينجح باكتساح»، بينما هتف مناصروه: «يحيا الرئيس عبد الفتاح السيسي». كذلك أثار موقف موسى القانوني الكثير من الجدل بعد طعن قدمه المحامي طارق العوضي، يدّعي فيه صدور أحكام جنائية ضده في جرائم مخلة بالشرف، إذ سبق أن صدر ضده حكمان جنائيان، أحدهما بالحبس 3 سنوات، والآخر بالحبس سنة مع الشغل، وكفالة 500 جنيه، فيما كان قد كُشف عن أنه لا يحمل «شهادة مؤهل عالٍ» وفق ما يقتضي القانون المصري، لتُعادَل شهادته الفنية الحاصل عليها عام 1982 بدرجة بكالوريوس في آخر لحظة بقرار من رئيس المجلس الأعلى للجامعات، قبل أن تقضي المحكمة الإدارية العليا برفض الطعن لرفعه من غير ذي صفة.

فوبيا تجتاح المجتمع

بالتزامن مع العملية شبه الانتخابية، اجتاحت العروض و«المارشات العسكرية» المدارس المصرية بترديد أغنية «قالوا إيه؟»، حيث انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مئات المقاطع المصورة لتلاميذ صغار يُرددون كلمات الأغنية العسكرية المنسوبة إلى سلاح الصاعقة بالجيش المصري، التي ألّفها أحد الضباط المتقاعدين، في ظل ارتداء بعض الأطفال والمدرسين والمدرسات في مراحل التعليم المختلفة ملابس شبه عسكرية وأسلحة مزيفة. كذلك أجرت المدارس تدريبات على إخلاء الفصول والمدارس بنحو طارئ، حيث انتشرت صور التلاميذ الصغار وهم يضعون أيديهم فوق رؤوسهم ويهرعون على الدرج كما لو أنها تدريبات للاستعداد لحالة حرب منتظرة. تلك الصور، يقول عنها باحث علم الاجتماع في جامعة ستراسبورغ الفرنسية فراس كافي، لـ«لأخبار»: «إنّها محاولة من السلطة لتجييش المجتمع خلف الدولة في وقت الانتخابات، (وذلك) عبر الأطفال، بأغانٍ حربية غير ممكن لهم أن يستوعبوها في هذه السن المبكرة، كذلك إن مثل هذه التعبئة من الممكن أن تدعم أيّ تصرفات عنيفة تقوم بها القوات الحاملة للسلاح... ما يعكس المناخ العام الذي تُريد الدولة نشره في البلاد مثلما فعل الكثير من الأنظمة الديكتاتورية لتمرير كل تصرفاتها وجعلها مقبولة بين الناس».
نُفِّذت في مدارس إجراءات تُشبه التعبئة والشحن المعنوي


تأتي هذه الإجراءات التي تُشبه التعبئة والشحن المعنوي للتلاميذ والطلاب داخل المؤسسات التعليمية وسط العملية الانتخابية بعد تعليمات من السيسي، الذي قال في كلمته خلال المؤتمر الوطني الرابع للشباب بالإسكندرية، في تموز الماضي: «يجب أن يكون لدى الشعب فوبيا من إسقاط الدولة المصرية، حيث يجب على الإعلام العمل على هذا حمايةً لمصر من السقوط».
تلك «الفوبيا» التي انتشرت كالهشيم، ليس فقط داخل المؤسسات الإعلامية التي تقوم على مدار الساعة ببث رسائل تهديد وتخويف المجتمع، بل أيضاً داخل المؤسسات الأمنية التي اعتقلت خلال الأيام الماضية العشرات من الصحافيين والمعارضين، كان أبرزهم المعارضان اليساريان المحامي حسن حسين 62 عاماً والدكتور جمال عبد الفتاح 70 عاماً، بتهم «تأسيس جماعة إرهابية».
تزامناً مع تلك الإجراءات التعبوية، اجتاحت لافتات دعائية وصور للرئيس عبد الفتاح السيسي شوارع مصر، حيث امتلأت جدران البنايات والميادين والمقاهي والمحلات التجارية بأعداد ضخمة وعملاقة من اللافتات التي تحمل صوره. وقد أثارت تلك الأعداد الضخمة من الدعاية سخرية المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصةً أنّ السيسي يُنافس نفسه في تلك العملية وفق رأي الكثيرين؛ كأنّ النظام يُريد أن يُقنع نفسه بوجود تلك العملية وتعزيز الشعور بالسيطرة.
بالرغم من إقبال الكثيرين من المصريين في الخارج على صناديق الاقتراع في السفارات والقنصليات، بخاصة في دول الخليج، فإنّ المشهد العام في مصر الآن يبدو كأنّه عرض مسرحي ساخر تملأه الدعاية، ويشهد حضور الصناديق... ولكن دون وجود عملية انتخابية حقيقية بعدما صار تمديد فترة حكم السيسي، الثانية، تعكس بوضوح صورة صناديق دون انتخابات.