«لا. لا يوجد لدينا شخص بهذا الاسم». بحزمٍ، ومن دون تردد أو ارتباك، نفى الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصرالله، أن يكون في حزبه شخص اسمه عماد مغنيّة. كان ذلك ردّاً على سؤال وُجّه له في إحدى المقابلات التلفزيونيّة، في تسعينيات القرن الماضي. مرّ الزمن، حيث الأب مستلقٍ على الفراش في غرفة صغيرة، في أحد مراكز حزب الله، كان عبارة عن بيت لعائلته. يومها أحاطته العائلة، فخطر على بال ابنه أن يسأل والده: «إذا استشهدتَ، فهل سينعيك حزب الله أم سينكرك؟».
ردّ «الحاج رضوان»: «إذا أرادت الشورى (مجلس القيادة في حزب الله) الاعتراف بي أو عدمه فلا علاقة لكم بقرارها». اهتمام مغنيّة ببقائه مجهولاً لم يكن حصراً لأسباب أمنيّة، فهو كما يروي عارفوه لم يتحدّث عن إنجازاته الأمنيّة والعسكريّة حتى للأقربين منه. إنّها إحدى سماته الشخصيّة، حيث كَرِه الظهور والأضواء. يعود الزمن بنا إلى مبنى قديم في شارع «العريس» في الشيّاح، حيث تبلور الالتزام الديني لمغنيّة في الطبقة الأولى من ذلك المبنى. لمّا كان بعمر تسع سنوات فقط، عرّفته أمّه الحاجة آمنة على بعض الجوانب الدينيّة الإسلاميّة، علماً أنّ في ذلك الزمن، كان الملتزمون دينيّاً يشعرون بالغربة، ويُشار إليهم بأصابع اليد في بيئة تزخر بالأحزاب والحركات العلمانيّة والأيديولوجيّات اليساريّة. كان ذلك في سبعينيات القرن الفائت، حين كان منزل «أم عماد» أشبه بحوزة تجتمع فيها النسوة لتلقّي الدروس الدينيّة، وكان الطفل عماد يستمع إلى تلك الدروس، التي انغرست فيما بعد في وجدانه، وانعكست على تصرفاته منذ الصغر. لكنه لم يكتفِ بما سمعه في منزله فحسب، بل كان متعطّشاً للمزيد، ما دفعه وبعض أقرانه للذهاب إلى شيخ في الشياح لتعلّم دروس دينيّة خاصّة. مرحلة الطفولة التي عاشها الفتى لم تَدُر أحداثها في بيئة ميسورة، ولا في ملاعب كرة القدم والمساحات الخضراء الواسعة، وإنما في دائرة الفقر المُدقع في الشياح. هناك حيث تعرّف على قضيّة فلسطين، معايشاً معاناة اللاجئين الذين هجّرهم العدو من أرضهم. في صغره، انجذب الفتى للبزّات العسكريّة والبنادق التي حملها الفدائيون الفلسطينيّون، فأراد أن يكون واحداً منهم، وأن يُقدّم شيئاً من أجل هذه القضية، ولذلك جال على مكاتب التنظيمات القائمة في الشياح، فتعرّف على برامجها السياسيّة وأفكارها وتوجهاتها، قدر مستطاع فتى صغير السن. وبسبب التزامه الديني، لم ينجذب إلى أغلبها، رغم اقترابه من بعضها ومشاركته في عمل تنظيمي لفترات وجيزة في واحد منها على الأقل.

عمل مغنيّة مع «أبو جهاد»
في أمن «القطاع الغربي»، المعني بتنفيذ العمليات في فلسطين

في إحدى جولاته على شارع أسعد الأسعد، استوقفته لافتاتٌ كُتبت عليها أحاديث للإمام علي بن أبي طالب، كان «الحزب الديموقراطي الاشتراكي» قد رفعها أمام مكتبه. يومها دخل الفتى إلى المكتب فقرأ عبارة: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته». قرأ حديثاً آخر للصحابي أبي ذر الغفاري: «عجبتُ لمن لم يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه». صحيح أن تلك الأحاديث جذبته، لكن الحزب، ورغم اسمه اليساري، إلا أنّه حزب إقطاعيّ لرئيس مجلس النواب آنذاك، كامل الأسعد. خرج مغنيّة من المكتب، حازماً أمره في استبعاد هذا التنظيم.

مغنية في «فتح»

لمّا كان عمره 12 عاماً، انضم مغنيّة إلى حركة «فتح» الفلسطينيّة، والسبب كما قال لاحقاً هو «للعمل من أجل فلسطين». اختياره للحركة لم يكن عن عبث. كانت «فتح» تميّزت بعدم اتباعها فكراً أيديولوجيّاً تسعى لفرضه على عناصرها، بحيث أنّ الشيء الوحيد الذي كان مطلوباً منهم هو قتال إسرائيل، وهذا ما أراده مغنيّة تحديداً. صحيح، قد يستغرب البعض أن يتحلّى ابن 12 عاماً بوعي سياسي. من باب تبديد الدهشة، لا بأس من التذكير بأنّ مغنيّة لمّا كان في عمر العشرين فقط خطّط لعملية تفجير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور (11/11/1982)، والتي نفّذها «فاتح عهد الاستشهاديين» الشهيد أحمد قصير، وهي أقسى ضربة ــ لجهة عدد الجنود القتلى والجرحى ــ تلقاها جيش العدو أثناء احتلاله للأراضي اللبنانية. فرضت البيئة التي نشأ فيها مغنيّة وأترابه على هؤلاء الفتية أن يصبحوا رجالاً في عمر مبكر.

عماد وسلامة

إثر انضمامه إلى «فتح» وتردّده على مكاتبها، تعرّف مغنيّة على الشهيد علي ديب (خضر سلامة، اسمه العسكري في «فتح» حينذاك، هو لبناني أيضاً ويكبر عماد بعامين). أحبّ سلامة مغنيّة، فتقرب منّه، ومع مرور الوقت أصبحا لا يفترقان.
قضى عماد أوقاته متنقّلاً بين المكتب الرئيسي للحركة في الشياح، ومحور مار مخايل، حيث تعرّف على الفصائل الفلسطينيّة واللبنانية المتحالفة معها، وعاين مشاكلها واختلافاتها. خلال تلك الفترة اطّلع على التناقضات العقائديّة والسياسيّة بين تلك الحركات، معايشاً خلافاتها مع حركة «أمل»، والتي تُرجمت في كثير من الأحيان اشتباكات مسلحة. بُعيد اختطاف الإمام موسى الصدر على يد النظام الليبي في عام 1978، اندلعت الاشتباكات في الشياح بين «أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل) و«الحركة الوطنية اللبنانية». ترك قسم كبير من اللبنانيين كبرى الفصائل الفلسطينيّة وانضموا إلى «أمل». أجبرت تلك الاشتباكات مغنيّة وسلامة ــ وكان صيتهما قد أصبح ذائعاً في المنطقة ــ على العمل لوقف نار الاشتباكات ولتحييد المدنيين عن صراعات مَن يفترض أنهم في خندق واحد ضد «اليمين الانعزالي» (بحسب مصطلحات تلك الحقبة). عملا كـ«إطفائيّة» لتلك الحرائق. نجح سلامة حينذاك، الذي كان مسؤولاً عن محور مار مخايل، في الاستفادة من علاقته الشخصيّة التي بناها مع بعض قيادات «أمل» لإنهاء الاقتتال. ساعده مغنيّة في ذلك، فكان يقف على خطوط التّماس بين المتقاتلين ليأمرهم عبر مكبّر الصوت، ومستفيداً من مكانته في الشياح: «أنا عماد مغنيّة آمركم بوقف إطلاق النار». في إحدى المرّات أُصيب بشظيّة رصاصة في قدمه وهو يحاول وقف الاشتباكات. بعد نجاحهما في الحدّ من تلك المعارك في الشياح، لمع اسماهما في «فتح»، ما دفع قائد الثورة الفلسطينيّة ياسر عرفات إلى طلب مقابلة سلامة في «الفاكهاني» للتعرف إليه، خاصة وأن القصص التي سمعها «الختيار» عن محبّة الفتحاويين واللبنانيين له سبقته إلى «عاصمة الثورة». كان عرفات يعتقد أنّه سيقابل رجلاً ثلاثينيّاً، لكن صُدم عندما رأى شاباً يبلغ من العمر 18 عاماً يقف أمامه. أُعجب «أبو عمار» بشخصيّته، فعين سلامة مسؤولاً لفتح في الشياح. مع ترؤس سلامة مكتب «فتح» أصبح دور مغنيّة أبرز من ذي قبل، فسعى القياديان إلى لبننة الحركة، وتحييد الشياح عن الصراعات التي تخوضها الفصائل الفلسطينيّة مع «أمل» في المناطق اللبنانيّة الأخرى. نسجا علاقات شخصية مع كلّ الأطراف الموجودة في المنطقة، معتمدين عليها لإنهاء أيّ إشكال.
في الشياح، استطاع مغنية إثبات نفسه، وفرض شخصيته على الفتحاويين الذين تصرّفوا معه على أنه نائب لسلامة، مع أنه لم يكن قد عُيّن في ذلك المنصب بعد، فكان يُصدر الأوامر التي تنفّذ من دون اعتراض أحد. لاحقاً، رسّخت «فتح» الواقع الذي فرضه مغنيّة وعينته نائباً لسلامة. وعمل الأخير على تثبيت مغنيّة في منصبه الجديد، فكان يتعمّد اصطحابه معه في لقاءاته مع قادة الحركة خارج الشياح. كذلك سعى سلامة إلى تعريف نائبه إلى قيادات الصف الأول في «فتح»، وحرص على أن يكون مغنيّة حاضراً معه في الاجتماعات التي عقدها مع عرفات، الذي لم يكن في حينه شخصيّة إشكاليّة كما هي الحال عند البعض في يومنا هذا. في هذه اللقاءات كان مغنيّة، برغم صغر سنه، المبادر إلى إدارة الحديث مع «أبو عمار». كان يتحدّث معه بالأسلوب نفسه الذي كان يتكلم فيه مع سلامة، أي لا يهابه، ولا يتملّقه، ولا يخفي عنه شيئاً، لكنه يحترمه ويعرف قَدْر الشخص الذي أمامه. في تلك الاجتماعات، أطلع مغنية «الختيار» على أخطاء بعض الفتحاويين في الشياح، وأبدى انتقاداً لتصرّفات بعض قياديّي الحركة الفاسدين، كما اعترض على توقف العمليّات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي في بعض الأحيان. تكشّفت أمام «أبو عمار» ميّزات مغنيّة، إذ رأى سرعة البديهة والروح القيادية التي يتمتع بها، ما جعله يقرّبه إليه. لم تنحصر لقاءات مغنية ــ عرفات بهذه الاجتماعات فقط، إذ كانت تنقلات الأخير الدائمة وزياراته المتكرّرة للمحاور، سبباً ليلتقي بمغنيّة مرّات عدّة. هذه الخصوصيّة التي كبرت بين عماد و«أبو عمار» دفعت الأخير إلى الطلب من سلامة الحرص عليه: «انتبه عليه. بيطلع منّه». أدرك الفتحاويون طبيعة هذه العلاقة جيّداً، ففي إحدّى المرّات، طلب أحد قياديي الحركة من سلامة السماح لمغنية مرافقته إلى منطقة البقاع. رُفض طلبه وقال له سلامة «الوالد (اللقب الذي كان يطلقه كل من سلامة ومغنية على عرفات) وصّاني فيه». أصبحت لسلامة ومغنيّة اليد المطلقة في محاسبة الفتحاويين غير المنضبطين في منطقتهما. كان التزام مغنيّة الديني هو المعيار للتقرب من الأفراد والميزان لمحاسبة المخالفين. شدّد على منع أخذ «الخوّات» وعاقب بشدّة كلّ من يأكل «حق الناس».


بدايات العمل الأمني

شارك مغنية، وهو ابن 12 عاماً، في أوّل دورة عسكريّة له في معسكر لـ«فتح» في منطقة الدامور. تدرّب الفتى على تفكيك وتركيب العبوات ونصب الكمائن. بعد هذه الدورة، جذبه العمل الأمني، الذي سخّره للعمل العسكري، وذلك بسبب علاقته وقربه من مسؤول الأمن المركزي في لبنان، اللواء ماجد محمد توفيق النجمي (راجي النجمي). خضع لدورات أمنيّة مغلقة في «مدرسة الأمن» التابعة لـ«فتح» في منطقتي طريق المطار ثم في المركز الرئيسي في الفاكهاني. لفت عماد في تلك الدورات نظرَ مدربيه، إذ عُرف عنه حرصه على الاهتمام بدروس الدورة، وشرحها لزملائه. يذكر بعض رفاق مغنية في تلك الفترة أنه كان يمضي الليل في قراءة كتب عسكرية عن الجيوش العربية والعالمية ومشاهدة الأفلام المتعلقة بالأمن والعمل الاستخباراتي. هذه النزعة، نقلها عماد لاحقاً إلى حزب الله بعد انضمامه إليه، فروى عارفو الحاج أنه في بعض الجلسات كان يكتفي بعرض أفلام توثيقية عن عمل استخباري عوضاً عن إعطاء درس. حبّه لـ«العمل الأمني» فتح له أبواباً للعمل مع خليل الوزير (أبو جهاد) في أمن «القطاع الغربي»، المعني بتنفيذ العمليات في الداخل الفلسطيني، ومع هايل عبد الحميد (أبو الهول) في «الأمن المركزي»، ولاحقاً مع النجمي في «أمن الإقليم».

وبخلاف ما يُشاع عن أنه كان مكلّفاً بحماية عرفات في «أمن الـ17»، فإن عماد لم ينضم إلى هذه الوحدة، إنما كان مقرباً منها بسبب كثرة تردده إلى المقرّات الأمنية الرئيسية التابعة للحركة في الفاكهاني. مع خليل الوزير «أبو جهاد»، عمل مغنية داخل فلسطين. أصبحت مهمته استطلاع الحدود اللبنانية ــ الفلسطينية، واختيار الممرات الآمنة التي سلكتها المجموعات الفدائية إلى الداخل الفلسطيني، وتشكيل خلايا استطلاع في الجنوب اللبناني. في تلك الفترة تعرّف عماد على أماكن تخزين السلاح، والمخابئ التي كانت تستخدمها المقاومة لتنفيذ عمليات ضد العدو. لاحقاً، وبعد خروج «منظمة التحرير» الفلسطينية من بيروت عام 1982، وبقاء بعض الخلايا والأفراد في لبنان، استفاد مغنية من شبكة العلاقات هذه، ومن عمله مع الوزير، فحرّك عناصر هذه الخلايا لتنفيذ عمليات كبيرة ضد العدو.

التعرف إلى الإسلاميين

قبل إعلان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حاول عماد التقرب من «لجان المساجد» و«الطلبة المسلمين»، لكنهم لم يتفاعلوا معه على اعتبار أنه «فتحاوي». رغم ذلك، استطاع فرض نفسه عليهم، كإسلامي قوي في «فتح»، خاصة أنّ تلك المرحلة شهدت سجالاً داخل البيئة الإسلامية الشيعية حول ثورة الإمام الخميني في إيران التي لم تكن قد انتصرت بعد، بين من أيّد ثورة الإمام وآمن بفكرة ضرورة التجهيز عسكرياً، في مقابل من تبنّى مواقف مراجع شيعية تتحفّظ على هذا التوجه. رفض مغنيّة وجهة النظر الأخيرة، مؤكداً ضرورة التمكين العسكري، فعمل على تدريب أفراد من «اللجان الإسلاميّة»، في ما عُرف بـ«مجموعات الصف»، نسبة إلى آية قرآنية في سورة «الصف»: «إِنَّ الله يحبُّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص». مع انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران في عام 1979، رأى مغنيّة فكراً إسلامياً ثورياً يجب العمل معه إلى جانب الثورة الفلسطينية، معتبراً أن الخيار الذي لطالما آمن به لجهة تقوية الحالة الإسلامية عسكرياً، قد انتصر أخيراً. بعد انتصار الثورة، حُسب عماد على مجموعات الإسلاميين، إلّا أنه بقي تنظيمياً في «فتح»، فعمل على استقطاب الشبان غير الملتزمين دينياً إلى الحالة الإسلامية الناشئة. وسمح قُربُ المكتب الرئيسي للحركة في الشياح من مسجد كان دائم التردد إليه، بتعرّفه إلى بعض الشبان الذين لم يكونوا قد حدّدوا خياراتهم بعد، فأشركهم في دورات «فتح» العسكرية التي كانت تستقبل في معسكراتها أيّ راغب بالتدرّب من دون انتمائه إليها. في تلك المرحلة، أصبح مغنية الملجأ للشباب المتديّن، وتخطى اسمه الشياح، فأتى الشبان من مناطق عدة للمشاركة في دورات مختلفة الاختصاصات. في بعض تلك الدورات شارك مغنية شخصياً في التدريب، فاهتمّ في شرح «تكتيكات» القوات الخاصة في الجيوش العربية، وإظهار الفروقات التي تميّز أداء كلّ جيش. كان ينصح الشبان الملتزمين دينياً بالابتعاد عن بعض الشخصيات الفتحاوية التي يعرف أن تأثيرها سيكون سلبياً عليهم.
في نيسان من عام 1980، أعدم نظام صدام حسين رجل الدين المعروف السيد محمد باقر الصدر. أثّرت تلك الحادثة في نفس مغنية، خاصة وأنه كان من المتأثرين به، كما لم يكن قد مضى على اختطاف الإمام موسى الصدر سوى عامين. بعد إعدام الصدر، اندلعت اشتباكات في الشياح بين حركة «أمل» و«جبهة التحرير العربية» الموالية لـ«البعث العراقي». في تلك الفترة، طلب مغنية من مجموعته الفتحاوية ومجموعات «الصف» القتال ضد «البعث». كان منزل مغنية في شارع «العريس» نقطة انطلاق المجموعات إلى محاور الاشتباكات، لتعود صباحاً إليه، ومنه إلى مراكزها. عرف جهاز «الأمن الموحد» التابع لـ«فتح»، بمشاركة مجموعات مغنيّة في القتال، ولذلك استُدعي إلى المركز الرئيسي في الفاكهاني للتحقيق معه. عادة، كان مغنية في مثل هذه الحالات يغيب لساعات ويعود إلى مركزه بعدها. لكن، بعد أحد الاشتباكات تلك استُدعي للتحقيق، فبقي لمدة يومين، ما دفع مجموعته إلى الاعتقاد بأنه قد سُجن وأنهم سيُعتقلون تباعاً. وفي خلال سعيهم لمعرفة مصيره، حضر أحد قياديي «الأمن الموّحد» إلى الشياح، فسألوه عن مصير مغنية، فأجاب الأخير إنه «مع عرفات وقد أبقاه عنده».

«مختار» والسيد فضل الله


تأثر «مختار» بغياب الحماية الشخصية للسيد فضل الله، فشكّل فريق حراسة


بعد إعدام الصدر في العراق، بدأ البعث العراقي في لبنان بملاحقة رجال الدين الشيعة المؤثرين في المجموعات المؤيّدة للثورة الإيرانية وحزب الدعوة، وعلى رأسهم السيد محمد حسين فضل الله، الذي تعرّض لأكثر من محاولة اغتيال. وفي عام 1979 التقى مغنية بالسيد فضل الله للمرة الأولى. ففي ذلك الزمن وبسبب ملازمة عماد للفصائل الفلسطينية ذات الأيديولوجيا اليساريّة، خافت الحاجة آمنة على ولدها، وأرادت الاطمئنان إلى التزامه الديني، فطلبت منه لقاء السيد فضل الله. بعد تلك الجلسة، زارت والدة مغنية فضل الله لمعرفة انطباعه عن نجلها، فقال السيد لها: «ما تخافي عليه، عقله بيوزن بلد». بدوره، تأثر «مختار» (الاسم العسكري الذي استخدمه مغنية في تلك الفترة) بتواضع «السيد». لاحظ غياب الحماية الشخصية له، فقرر تشكيل فريق حراسة له من بعض أفراد مجموعة «الصف» التي درّبها، وعملت معه. لم تعترض «فتح» على ذلك، إذ كان مسؤول «أمن الإقليم» راجي النجمي، ومسؤول «فتح» في الشياح، سلامة، على علاقة جيدة مع السيد فضل الله. ومع تأسيسه فريق الحماية خصص عماد أغلب وقته لمرافقة السيد، خاصة بعد محاولة اغتيال تعرض لها فضل الله، واستشهد فيها أحد أصدقاء عماد، حسن عزالدين، خلال تصديه لعناصر «البعث» العراقي في منطقة الغبيري. بعد هذه الحادثة، قرر مغنية ومن معه نقل مقر سكن فضل الله إلى منطقة بئر العبد. وبرغم تمضيته معظم وقته مع السيد فضل الله، لم يقطع مغنية علاقته بـ«فتح» وبسلامة مسؤول الحركة في الشياح. فكما يقول عارفوه، إنه لم يكن يقطع علاقته بأحد. في تلك الفترة، أصبح التزام مغنية وخياره الديني واضحين، وأصبح عقله مرتبطاً بالإمام الخميني، إلّا أن ذلك لم يؤثر على علاقته بقيادات «فتح»، وتحديداً سلامة، الذي ساهم في دعم فريق حماية فضل الله. كان سلامة يطلب من عناصر «فتح» اللبنانيين والمقربين منه ومن مغنية، حضور دروس فضل الله الدينية، قائلاً لهم «اذهبوا واستمعوا إلى دروسه واستفيدوا منها حتى لو لم تصلّوا».
مع فضل الله بدأت مرحلة جديدة من حياة عماد مغنية. أصبح فيها السيد مرجعاً روحياً لمجموعات كبيرة من الشباب المتديّن، ومغنية قائداً لبعضها.







راديو «أبو عمار»



خلال زيارته ياسر عرفات في تونس في العام ١٩٨٨، أهدى «أبو عمار» الشهيد عماد مغنية، جهاز راديو. إعتاد مغنية الإستماع عليه وتحديداً على إذاعة «مونتي كارلو»، وكان يعتبره من الأغراض العزيزة عليه فكان ينقله معه إلى المراكز الحزبية التي كان يسكن فيها. لا تزال عائلة مغنية تحتفظ بـ«راديو أبو عمار» حتى يومنا هذا. في حرب تموز ٢٠٠٦، حرصت زوجة الشهيد مغنية على إخراج الراديو معها من آخر مسكن لها، لأنه من بين الأغراض العزيزة على قلب الحاج رضوان.




يوم القدس




لم يكن «يوم القدس العالمي» (يوم الجمعة الأخير في شهر رمضان) يوماً عادياً بالنسبة إلى عماد مغنية. كان «الحاج رضوان» يصر على مشاركة عائلته في ذلك النهار تحديداً. ويروي الذين عملوا معه أنه كان يتابع أدق التفاصيل في ذلك اليوم: من طريقة توزيع كاميرات البث، إلى ملابس المشاركين في العرض العسكري، إلى الشعارات التي سيحملها المشاركون، ومضمون الكتيّبات التي توزَّع في المناسبة، وصولاً إلى طريقة أداء القسَم في نهاية الحفل. وكان مغنية وشقيقه جهاد من أوائل المشاركين في أول احتفال بـ«يوم القدس العالمي» دعا إليه الإمام الخميني عام 1979، وأقيم في لبنان عامذاك في منطقة الأوزاعي.




سيارات السيد

في السنوات التي تلت الاجتياح الإسرائيلي، بقي الشهيد عماد مغنية إلى جانب الراحل السيد محمد حسين فضل الله. استفاد في تلك الفترة من سيارات السيد لتنقلاته الشخصية أيضاً، ربطاً بالحصانة المعنوية التي كان يحظى بها فضل الله. يقول عارفو مغنية إنه كان يمتلك كل بطاقات تسهيل المرور التي كانت تُصدرها الأجهزة الأمنية والأحزاب حينذاك. يُضاف إلى ذلك أنه كان يستفيد من كونه مجهولاً. فكان يتجول في سيارات الأجرة، وخاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية، أو على دراجات نارية، كتلك التي كان يستخدمها في الضاحية وعدد من المناطق في حرب تموز 2006.