البطريرك بشارة الراعي يدرس، الآن، فكرة أن يزور إيران!هذه هي الفتوى التي خرج بها جهابذة مقربون منه لتسوية الوضع مع المحتجين على زيارته لفلسطين.
لن تردّ إيران على أحد أن طالبها بعدم استقبالك. ولن يخرج من يدين زيارتك لها، إلا إذا وجدت أمانة 14 آذار، بجناحيها القواتي والمستقبلي، أن زيارة كهذه تمثل «تطبيعاً» مع «العدو الفارسي»، علماً بأن تاريخ هؤلاء لا يشي بجرأة من هذا النوع. إلا إذا أفتى لهم نابغة بأن يعترضوا، فيحصل التوازن، ويكون البطريرك لهم من الشاكرين!

هكذا يطبخ سياسيو 14 آذار. يجمعون البيض والدقيق، ثم يأتون بالخضر، ليصنعوا قالب حلوى، ولا مشكلة إن خرج من الفرن على شكل عجة!
لم يفهم الجميع، سابقاً، سر إصرار الراعي على رفض كل الاعتراضات على زيارته مناطق تحتلها إسرائيل. قال أمام كل من ناقشه إنه في زيارة رعوية. بعث برسائل الى من يهمه الأمر: أنا خارج بروتوكول زيارة البابا. لن ألتقي إسرائيليين. لن أصرح لوسائل إعلام إسرائيلية. لن أقابل شخصيات سياسية، لا إسرائيلية ولا فلسطينية ولا لبنانية، هناك. لن أقارب أي موضوع سياسي. ستكون مجرد زيارة رعوية!
في الإجراءات. أنشأت شرطة الاحتلال خلية أمن خاصة لمواكبة زيارة الراعي. برضاه أو من دون علمه، حرصت على تنفيذ «المواكبة عن بعد». إلا أن الأمر لن يمر هكذا من دون مضاعفات، وخصوصاً أن البطريرك لا يقوم بزيارات فردية، وهو قرّر زيارة قرى هُجّر أهلها، ويمنع العدو عليهم العودة للعيش فيها. كما أنه تنقل في أكثر من منطقة، ويجب القيام بكل ما «يؤمن له الأمن الكامل».


تفاهم حزب
الله وعون وفّر
آليّة محاكمات
عادلة وعودة لمن فرّوا خوفاً
لن نقول للبطريرك إنك تحركت تحت حماية قوات الاحتلال. صحيح أنه لم يطلب ذلك. إلا أن هذا ما حصل!
لكن، ماذا عن ترتيبات الاجتماعات العامة مع الفارين من عناصر جيش العملاء بقيادة الفار من وجه العدالة أنطوان لحد؟
ليس صحيحاً أن الراعي لا يعرف شيئاً عن هؤلاء. المطارنة المعنيون بهذا الملف يعرفون التفاصيل الدقيقة لملفات جميع اللبنانيين هناك، الذين فيهم لائحة من المجرمين، القتلة، الذين لا يريدون العودة الى لبنان. وهؤلاء يدركون أن البلاد لا تحتمل ظلهم أصلاً. ومعظم أفراد عائلات المنتمين إلى هذه الفئة قرروا البقاء الى جانبهم، بعدما حصلوا على تعويضات مالية من العدو، سمحت لهم بالسكن والعمل والتعلم، وحصلوا على وثائق تتيح لهم السفر.
أما بقية اللبنانيين هناك، فقد عرض عليهم العودة. المتعاملون منهم مع العدو، رجالاً أو نساء، عليهم تسليم أنفسهم للسلطات اللبنانية، يخضعون لمحاكمات، ويلتزمون تنفيذ أحكام تقضي بعدم عودتهم إلى قراهم إلا بعد سنوات. وأبرز تفاهم سياسي بشأن هؤلاء تم بين حزب الله والتيار الوطني الحر. قام التفاهم على أسس متينة، تقضي بتوفير آليات محاكمة عادلة تؤمّن عودة من فرّوا خوفاً. لكن معظم هؤلاء، فضلوا الخيار الآخر: هم في وضع يناسبهم معيشياً، ويرفضون المثول أمام القضاء اللبناني، كما يأبون الفصل بينهم وبين أفراد عائلاتهم. هم يريدون فرض شروطهم على الجميع، ويطلبون، فوق ذلك، ضمانة من المقاومة والدولة بأن لا يتعرض لهم أحد بكلمة.
لكن الراعي، الذي يبدو أنه رجل انفعالات، وجد نفسه في فم الذئب. فجأة، تخلى عن كل البروتوكول الخاص بالزيارة، وصار يصرخ ببراءة العملاء جميعاً. كان متوقعاً أن يوجه الى هؤلاء تنبيهاً، بضرورة احترام الدولة التي يطالب بقيامها طوال الوقت. وبدل أن يذكّرهم بأنهم ارتكبوا الأخطاء الكبيرة، وأن عليهم إعلان التوبة، صار يحرضهم على المزيد. فقال لهم، أنتم أكثر وطنية من الآخرين. لم نعرف من يقصد بالآخرين. هل هو يقول لجلاد إنه أكثر إنسانية من ضحيته؟
لم يكن خطأ الراعي بسيطاً. كان جسيماً، وجسيماً جداً.
ألم يفكر للحظة أنه بفعلته هذه إنما يوقظ ذاكرة أليمة عند قسم غير قليل من اللبنانيين، عند الذين ـــ وباسم دماء الشهداء والتضحيات، وباسم أخلاقية المقاومة ـــ أعلنوا التزامهم الصفح، لأجل حفظ البلاد والعباد؟
ألم يخرج من حوله من يلفت انتباهه، الى أنه يعيد الى الواجهة اليوم كل الصور القبيحة، عن مجموعة قتلة وسفاحين، قامت بارتكابات، أقل عقاب لها هو الموت إعداماً؟ هل هو بحاجة الى إعادة الشريط 15 سنة الى الوراء؟ هل هو يريد فعلاً، أن يخرج أبناء القرى الحدودية للانتقام؟
ألم ينتبه الى أنه تصرف كمن يريد استدراج «الآخرين» إلى ارتكاب فعل جرمي؟ هل هو فكر بأنه يستدرج المقاومة وجمهورها الى خطأ قررت عن وعي التصدي له يوم حصل التحرير في عام 2000؟ هل من يذكّره، أنه خلال أيام التحرير المجيدة، سقط للمقاومة شهداء كثر، بينما لم يصفع عميل واحد أو يبصق في وجه مجرم من هؤلاء؟
البطريرك الراعي ارتكب ما يوجب القعود على كرسي اعتراف. وعليه أن يجلس أمام أيتام الشهداء الذين قتلهم هؤلاء العملاء.
ليس لنا إلا أن نقول له بصدق وصراحة: لا بطولة تمحي عاراً. ولا صوت جلاد يخفي أنين الضحية. وليس أمامك إلا خيار واحد: اعتذر عما فعلت!