ليس سهلاً أن تقابل «أمير منطقة الشمال الشيخ حسام الصبّاغ». الرجل «يكره أهل الإعلام والصحافة»، أو هكذا يُنقل عنه. يستفيض مُجيبوك بذكر محاسن الشيخ، لكنّ أحد مشايخ السلفية يُعرّج على واحدة من الحوادث التي دفع فيها الشيخ الصبّاغ بعنف صحافياً استوقفه للسؤال عقب أحد الاجتماعات. تستغرب «جلافة غير محببة» تبدر عن شيخ يُحكى الكثير عن مكارم أخلاقه، ولا سيما أنك تعلم أن الشيخ القادم من أستراليا محبوبٌ جداً لتواضعه ودماثة أخلاقه. تُصرّ على طلب اللقاء، مؤكداً أنّك لن تنشر أيّاً من مضمونه. لقاءٌ للتعارف فحسب. يستمهلك أحد الوسطاء، وهم كثيرون، ثم يأتي الجواب بأن ذلك غير ممكن حاليّاً لضرورات أمنية. تعتقد لوهلة أنّ مقابلة الشيخ السلفي بعيدة المنال، باعتباره أحد أبرز المطلوبين للأجهزة الأمنية المحلية والدولية، لكنك لا تلبث أن تعلم أن الصبّاغ يجتمع بقادة الأجهزة الأمنية دورياً. لا بل يذهب أحدهم أبعد من ذلك، ليتحدث عن صداقة تربط بينه وبين مسؤولين أمنيين رسميين في الشمال. هكذا تُصبح السياسة حصانة، لا طالب فيها ولا مطلوب. ويغيب معها السبب الذي يُبقيه في الظلمة، باستثناء عدم استحبابه الأضواء.

تختلف النظرة إلى الشيخ الصبّاغ شمالاً، فتتعدد الأوصاف التي تُطلق عليه. يعده البعض «أمير تنظيم القاعدة اللبناني الجديد وشيخ التكفيريين الذي يُهدد الأمن في طرابلس»، فيما يرى آخرون أنّه «صمام الأمان الأمين على طرابلس الذي يعمل ليلاً ونهاراً لتحييد عاصمة الشمال وإنقاذها مما يُدبّر لها». أوصاف متناقضة تتكرر على ألسنة شماليين يختلفون في الموقف حياله تبعاً لاختلاف مشاربهم السياسية، علماً أنّ الأخير بات يُعدّ من روّاد السلفية، الأقرب إلى الجهاد منه إلى الدعوة. يروي عارفو الشيخ الصبّاغ كيف نشأ الرجل الأربعيني وترعرع في منطقة باب التبّانة. يُخبرون أنه «محبوبٌ لأنه شجاع ونظيف الكف وغير محسوب على تيار سياسي». يتحدث أحدهم عن بداياته، مشيراً إلى أن مسيرته بدأت مع الجماعة الإسلامية، ليتركها بعد المعارك التي شهدتها منطقة الشمال خلال الثمانينيات، ويترك معها لبنان الى أستراليا. هناك، تعرّف ابن التبانة على المنهج السلفي ليعود بعدها إلى وطنه سلفياً أسترالياً. ورغم أنّ الصبّاغ لم يدرس الشريعة في المعاهد الدينية، بحسب أحد المشايخ السلفيين، إلا أنّه يمتلك علماً شرعياً حصّله من الجهد الشخصي وسعة إطلاعه دينياً.
يقيم الشيخ حسام الصبّاغ (مواليد 1968) اليوم في منطقة أبي سمراء، لكن العثور عليه يكاد يكون مستحيلاً، فضلاً عن أنه يُبدّل رقمه الهاتفي شهرياً هرباً من التنصّت والتعقّب، بحسب ما يتردد. لا يؤم الصبّاغ مسجداً واحداً للصلاة، وذلك يزيد من صعوبة اللقاء به، لكن يُحكى عن مساجد محببة اليه يتردد عليها، بينها مسجد الإحسان القريب من مزرعته. في المنطقة التي يعيش فيها الصباغ، تكثر الروايات حول «رجل الخفاء». يُحكى عن كاريزما قيادية تُميّز «أبو الحسن». يتردد أنه عمّم على أتباعه عدم مناداته باسمه حرصاً على أمنه الشخصي، وأوعز إليهم حتى بعدم مصافحته في الأمكنة العامة. يتنقل برفقة مرافقين، علماً أنّه ينزل إلى الميدان بنفسه لدى حصول أي توتّر أمني. وفي منطقة باب التبّانة، يتردد أنّ المجموعة المسلّحة التابعة له هي من بين المجموعات الأقوى على الأرض. هناك تُكثر من السؤال عن الصبّاغ، فيأتيك الجواب بأنّه مرّ من هنا. لا مكان محدداً لوجوده، «تراه في كل مكان»، حيث يحضر فجأة ومن دون سابق إنذار. يُحكى عن ثلاثة أصدقاء مقرّبين من الشيخ الصبّاغ هم: الشيخ سالم الرافعي والشيخ كمال البستاني وعمر حدبة، إضافة إلى الشيخ نبيل رحيم الذي كان مقرّباً منه في وقت سابق، علماً أن الأخير كان قد أوقف في الدعوى نفسها التي أصبح الصباغ مطلوباً بموجبها.
اسم الشيخ الصبّاغ ورد للمرة الاولى في القرار الاتهامي الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الاول (السابق) رشيد مزهر. ومنذ ذلك الحين، أي بتاريخ 11/10/2007، أصبح مطلوباً للمحاكمة. يومها ذُكر أن الصبّاغ يُعرف بلقبين: «أبو مظهر» و«أبو الحسن». وكان مضمون ما اتّهم به في القرار، «إنشاء مجموعات مسلّحة وإعداد وتحضير الشباب المسلم السني فكرياً وعسكرياً وجسدياً لمواجهة التحديات التي قد تطرأ على الساحة اللبنانية». وتطرق القرار إلى أنهم كانوا يهدفون من خلف التدريب والإعداد إلى نصرة المجاهدين في العراق. كان الشيخ الصبّاغ واحداً من عدة متّهمين في هذه القضية، ورغم أن معظم هؤلاء لم ينفوا التّهمة، إلا أنهم أكّدوا لـ «الأخبار» أنه جرى تضخيمها، مشيرين إلى أن استعداداتهم بدأت عقب حرب تموز، وذلك كان «عاملاً مشجّعاً لنا لجلب السلاح ولإعداد والتجهيز كي نكون مستعدين إذا كرّرت إسرائيل اعتداءاتها».