انعكس إصرار الجيش السوري على تحرير منطقة بيت جن في سفح جبل الشيخ الجنوبي الشرقي عبر مجريات المعارك التي دارت هناك. الخيار لم يكن سهلاً، فالمنطقة ذات الجغرافيا الصعبة، شكّلت اختباراً حقيقياً للجيش في اختيار الأساليب والتكتيكات المناسبة، وخصوصاً في ظل دعم إسرائيلي كبير للمسلحين، ومتابعة من جيشه للمعارك من على أعلى قمم جبل الشيخ.
في البداية حاول الجيش، السيطرة على تلة بردعيا المطلة على مغر المير، والطريق الواصل بينها وبين مزرعة بيت جن. وجاءت تلك الأولوية، لكون السيطرة على التلة ستتيح أفضلية عسكرية للجيش. وبعد إتمام تلك المهمة، بدأت دفاعات المسلحين تتهاوى. استمرت المعارك لتثبيت النقاط المحررة، ومحاولة التقدم لمسافات قصيرة. ومنذ نحو أسبوع تقريباً، بدأ العمل على حسم تلك المعارك في أسرع وقت، وإنهاء وجود المسلحين في ذلك الجيب.

لا يزال العدو الإسرائيلي يمتلك نفوذاً في المنطقة الجنوبية


اعتمد الجيش السوري أسلوب التطويق والعزل، حيث سيطر على بعض التلال الحاكمة، ثم عمد إلى فصل المناطق بعضها عن بعض وقطع طرق الإمداد، فضلاً عن تكثيف القصف المدفعي. واستنفد المسلحون كل جهودهم في محاولة الصمود تحت كثافة تلك الضربات، وعملوا بمساعدة العدو الإسرائيلي على استقدام مسلحين من درعا ومحيطها. وتم نقل هؤلاء من جباتا الخشب بآليات عسكرية عبر أراضي الجولان المحتل، ليعاد إدخالهم إلى منطقة بيت جن، من المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ، لتجاوز نقطة الفصل بين سيطرة المسلحين في محيط بلدة حضر.
وبرغم الدعم الإسرائيلي، فقد استطاع الجيش السوري بحلول عصر يوم الأحد تطويق بيت جن ومزرعتها، بعد عزلها عن مغر المير وقطع خطوط دعمها. وفاقت حصيلة قتلى المسلحين، المئة، خلال الأسبوع الأخير. وأول من أمس، أرسل المسلحون عبر وسطاء محليين، رسالة إلى الجيش السوري، مفادها «الاستعداد للتفاوض في ظل وقف لإطلاق النار، ريثما يتم ترتيب أمر الخروج من المنطقة». تمت الموافقة على طلب المسلحين، ومنحوا مهلة تمتد على نحو 72 ساعة، لتنظيم عملية خروجهم من المنطقة كلياً. ووقع خلاف بين المسلحين، على وجهتهم بعد الخروج، إذ انقسموا بين من يريد الرحيل إلى «إمارة إدلب»، وهم من «جبهة النصرة»، وبين آخرين من «جبهة ثوار سوريا» الذين اختاروا الخروج إلى ريف درعا الغربي. أما «مورو»، قائد عمليات المسلحين في منطقة بيت جن، وهو صاحب العلاقات الطيبة مع الموساد والجيش الإسرائيلي، فلم يعلن وجهة خروجه المفترضة. وفي السياق، رجحت بعض المصادر العسكرية في الجنوب السوري، في حديثها إلى «الأخبار»، خروج «مورو» إلى الأراضي المحتلة.
وجرت كل العمليات في بيت جن تحت نظر العدو الإسرائيلي، الذي كان يرصدها من مرصد جبل الشيخ، ومراصد أخرى، مستفيداً من ارتفاعها. ويقول مصدر عسكري سوري رفيع إلى «الأخبار» إن «الإسرائيلي كان يرى كل شيء. أساليب القتال، القصف، الخطط والتكتيكات. وكان ينبّه المسلحين أحياناً، ويدعمهم بالذخيرة والعتاد حينما يرى حاجة إلى ذلك».
في الفترة الأخيرة، كان مسلحو بيت جن ومحيطها يتلقون دعماً إسرائيلياً مباشراً، إن من ناحية الرواتب الشهرية التي كان يدفعها لهم، أو من ناحية الدعم العسكري المباشر، كالقصف المدفعي والتسليح والتجهيز وحتى نقل الأفراد. ويرى ضابط رفيع في الجيش السوري أن «المشروع الإسرائيلي في المنطقة هناك انتهى بسقوط بيت جن»، مضيفاً أن «الإسرائيلي حاول أن ينقذ المشروع، عبر محاولة فاشلة للسيطرة على بلدة حضر الحدودية في الفترة السابقة، لكنه فشل فشلاً ذريعاً». بدوره، يؤكد أحد قادة الجيش الميدانيين أن «هذه أولى الضربات المباشرة والقاسية للإسرائيلي. وصمود المنطقة الجنوبية كلها وبلدة حضر وغيرها كان فشلاً لخطط العدو، لكن عملية بيت جن وتحريرها شكلت ضربة لمشروع الحزام الأمني». ويضيف: «لا يزال العدو يمتلك نفوذاً في المنطقة الجنوبية. لا شك أنه تلقى ضربة قاسية، لكنه لن يستسلم، وسوف يستفيد من القرى الحدودية الأخرى مثل جباتا الخشب والقنيطرة المهدّمة وغيرها لإعادة ترميم مشروعه ولو جزئياً».
ومن المتوقع في المرحلة المقبلة، بعد خروج المسلحين من المنطقة، أن يثبت الجيش نقاطاً استراتيجية وحاكمة للسيطرة على الحدود، ومنع محاولات العدو الإسرائيلي للعبث بالمنطقة الحدودية. وقريباً، ستصبح الغوطة الغربية بأكملها خالية تماماً من المسلحين.