منذ نحو شهرين حتى الآن، يشكل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، «مادة دسمة» للإعلام الغربي الذي عمل على تشويه صورة الرجل وبرنامجه الانتخابي، من أجل إرباك المشهد الداخلي في روسيا، دون النظر إلى إنجازاته خلال توليه الحكم. في تلك الحملة، كان التركيز بدايةً على القول إن همّ الرئيس الروسي الوحيد كان تطوير الأسلحة وتنمية البلاد على الصعيد العسكري، دون الاكتراث بالمقاطعة الدولية على الصعيدين الاقتصادي والمالي. وذهب بعض المراقبين الغربيين إلى التنبؤ بأن تعمّ حالة من الفوضى بعد الانتخابات، أو في أقصى حد، بعد كأس العالم في حزيران المقبل، بسبب الوضع الاقتصادي «المزري» الذي تعيشه روسيا، كما تقول إذاعة ألمانيا الدولية «دوتشيه فيليه».وقام الرهان الإعلامي الغربي بصورة أساسية على فكرة مقاطعة الناخبين الروس للانتخابات، باعتبار ذلك التحدي الأكبر للكرملين. فمثلاً، كتبت صحيفة «الغارديان» البريطانية أنه يجب على موسكو اعتماد «طريقة وسطية» في الانتخابات المقبلة، أي أن تستقطب أكبر عدد من الناخبين، لأن نسبة التصويت تحدد رضا الشعب. وأضافت الصحيفة أنه يجب في الوقت نفسه على الكرملين تجنّب تكتيك «ليّ الذراع»، في إشارة إلى إرغام الشعب على الانتخاب. ولم تستثن «الغارديان» أي مناسبة للإشارة إلى التظاهرات التي حدثت بعد الانتخابات النيابية الروسية عام 2011، حين حدثت مواجهات بين الشرطة وأنصار المعارضة، لكنها أقرت بأن «الانتخابات الروسية لا تواجهها مشكلات كبيرة... بوتين استطاع على مدار السنوات الماضية الهيمنة على الساحة السياسية».
على النسق نفسه، تحدثت «دوتشيه فيليه» عن «إغراءات» تقدمها السلطات الروسية لحثّ الناخبين على الاقتراع، مثل «تقديم فحص سرطان مجاني يوم 18 آذار لكل روسي ينتخب»، وتقديم جوائز من ضمنها «ربح تذكرة لحضور عرض ترفيهي». لكن اللافت أن الإعلام الغربي أجمع على فوز بوتين في الانتخابات، ونُشرعدد من المقالات يؤكد هذه النتيجة، إذ عنونت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن «الروس يواجهون صعوبة في الاختيار بين فلاديمير بوتين أو فلاديمير بوتين»، وتناولت في مقالتها الأدلة والمؤشرات التي ستدفع في رأيها الناخب الروسي إلى اختيار بوتين.
استهدف الإعلام الغربي تشويه صورة بوتين وبرنامجه الانتخابي


في سياق متصل، أثار الإعلام الغربي موضوع منع المعارض المثير للجدل أليكس نافالني، من الترشح، معتبراً أن ذلك «ديكتاتورية» تمارسها السلطات الروسية المتخوفة من إمكانية فوز نافالني، علماً بأن الأخير منع من الترشح بسبب أحكام قضائية. لذلك، تكون الطريقة الوحيدة والحقيقية لجعل المواطن الروسي يقتنع بنزاهة الانتخابات ويتحمس للمشاركة ــ من وجهة نظر الغرب ــ السماح لنافالني بالترشح. وكان للاقتصاد حيّز في التغطية الغربية التي ركزت على الحديث عن ضعف الاقتصاد الروسي في السنوات الأخيرة، وعن «أحلام» بوتين في تقويته، فيما لم يجرِ التطرق إلى القانون الأميركي الذي يجيز مكافحة الأعداء، بعدما أتاح فرض عقوبات على قطاعات جديدة من الاقتصاد الروسي وعرقلة مشروعات الطاقة الجديدة وخطوط أنابيب تصدير الغاز وفرض عقوبات على الصفقات المهمة وغيرها.
من جهة أخرى، رصد الإعلام الروسي تنفيذ بعض وسائل الإعلام الألمانية حملات دعائية للتحريض على الانتخابات الرئاسية. وأشار تقرير روسي إلى مقالة في «دوتشيه فيليه» بنسخته الروسية جاءت بعنوان «خمس استراتيجيات للأعمال الاحتجاجية في الانتخابات». وجاء في المقالة أنه «إذا لم يعجبك أحد من المرشحين في الانتخابات الروسية، اكتب على البطاقة الانتخابية (لقد سئمنا بوتين) وبعد ذلك صوّرها وارفعها على الإنترنت لكي يعلم جميع الناس بها». ودعا كاتب المقالة إلى عدم كتابة الجملة المذكورة أمام اسم بوتين في البطاقة الانتخابية، مشيراً إلى أنه في تلك الحالة سيحسب الصوت لمصلحة بوتين. كذلك، اقترح على الناخبين أخذ البطاقة الانتخابية معهم إلى المنزل وتصويرها، أو عدم الذهاب إلى مراكز الاقتراع مطلقاً.
تعليق الصحف البريطانية، والأوروبية عامة، لم يكن مغايراً كثيراً لما تناوله الإعلام الأميركي، خاصة أن ثمة موقفاً سلبياً ضد موسكو منذ اتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية والتواطؤ مع الرئيس دونالد ترامب لإسقاط المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. إذ قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن «بوتين في مواجهة مع نفسه»، مشيرة إلى أن منافسه هو «مقاطعة الانتخابات». وأضافت الصحيفة أن بوتين «استخدم أسلوباً قمعياً ضد المعارضة»، ورأت أن ما يفعله «لا يتسم بالنزاهة».