هي نفسها الأيدي الخارجة من بين حطام تلقي تحية الوداع. هي نفسها العيون الباقية في رؤوس مقطّعة تبحث عن ناصر لها. هي نفسها الأجساد المحروقة، الملتوية على نفسها. كأنه النوم في غير أوانه.هو نفسه، العقاب على صبر مظلوم رفض ذل الأقربين والأبعدين. هو نفسه، جرم قول لا في وجه ظالمين. وهو نفسه، ثمن العصيان والخروج من صفوف الخانعين.
هي الصورة ذاتها. في صنعاء، وكل اليمن، وقبلها في لبنان وسوريا وفلسطين. هي صورة قانا، حيث لا يبقى في المكان إلا شواهد القبور. وحيث الأعزل هو الهدف الدائم.
هي الحرب في شكلها الأقسى الذي
يصاحب آخر الجولات قبل إسدال الستارة

هو القاتل نفسه. لو كان اسمه أميركا، أو بريطانيا، أو فرنسا، أو إسرائيل، أو آل سعود. هي النار نفسها، التي لم تترك حراً إلا طالته، ولم تترك أعزل إلا كوته. وهو القتل نفسه، لم يعد يحتاج الى اسم أو عنوان أو مكان. وكأن القاتل يهوى أن يصير القتل عادتنا إلى أبد الآبدين.
لكنها لم تعد الحرب نفسها. لا هم الجنود الذين لهم حصون لا تصلها الأيدي، ولا نحن الضحايا الصامتين. هي الحرب في شكلها الأقسى، لكنه الشكل الذي يصاحب آخر الجولات، قبل أن تسدل الستارة، وترفع الدماء عن السيوف، ويرتفع الصوت ناعياً كل الظالمين.
هي الحرب التي لا تحتاج إلى شرح إضافي، ولا إلى تبرير لخوضها، وهي الحرب التي تفتح الأبواب أمام الرحلة الأخيرة، نحو النصر الأكيد.
هي الحرب، التي تأخر العقلاء في شنها، ضد مجانين فاتهم العقل، وفاتهم الحظ، وفاتهم التبصّر، فقرروا السير نحو الهاوية منتشين.
هي الحرب التي تنشد صوتاً واحداً، يشمل العرب أينما انتشروا وعاشوا وتعذبوا، وهي الحرب التي تواجه عدواً واحداً، لم يكن يوماً إلا واحداً، ولو تأخر كشف الوجوه.
هي الحرب القائمة منذ قرر الرجل الأبيض أننا لسنا أهلاً لحياة في عالمه. ويوم قرر استعبادنا بأشكال يعدّل فيها كل يوم وكل سنة وكل عقد وكل قرن. والرجل الأبيض، يزرع صورته القاتمة مثل سواد الليل، في قلب ووجه كل من تذلل له، من أهل جلدتنا، الذين صارت لهم جلدة أخرى، تخص القاتل الكبير.
هي الحرب التي لم تعد تحتمل التأويل، والتدوير، وكثرة التحليل. وهي الحرب التي تقول لنا، كل ساعة وكل دقيقة، إنها الحرب الوحيدة التي لا يمكن تركها دون دماء ودون انتصار.
هي الحرب التي لم يعد جائزاً فيها السؤال عن اعتدال وعن صبر المترددين. هي الحرب التي توقظ فيك كل شيء قابل للصرف ناراً بوجه القاتل. وهي الحرب التي لا مجال فيها لتسوية، لا منتصف لطريقها لتلاقي أحداً فيه، ولا وسط لقولها حتى تكون أحسن الآدميين.
هي الحرب الفاصلة، التي يعلنها العدو المجنون. سليل الليل، وسليل قاطعي الطرق والرؤوس والأرزاق. والتي لم يعد يحتمل فيها، حتى الأنين.
هي الحرب التي تخصّنا جميعاً. أو قل، هي الحرب التي تخص كل من يقدر على صد اللهيب، وعلى حمل جسده ودمه وكفنه، والسير بخطى ثابتة، واضحة ومباشرة، نحو الهدف الحقيقي، لا يتلهى بعملاء، أو أنذال، أو خانعين. هو السير الذي يجعل النتيجة واضحة لا لبس فيها. وليس فيها إلا غالب ومغلوب. هناك، حيث ينتظرك اليقين.
لم يكن ينقصنا مجزرة، ولا شهداء، حتى نعرف أن أولوية وحيدة ترتسم في أفقنا. وهي أولوية إسقاط أولئك الشياطين، الذين يحنّون إلى أيام الجهل المطبق. أولئك الذين يحكمون شعوباً أو مناطق على شكل مجتمعات أو دول. وهي أولوية القول بأنه لم يعد هناك أي فرق بين آل سعود وإسرائيل، فهم القتلة، الذين يغتصبون الأرض ومن عليها، وليس من أمل في حرية وأمان إلا بفنائهم!