التسويات الضريبيّة تضرب هيبة الدولة والإعفاء من الغرامات مكافأة للمتهرّبينمحمد زبيب

1- لماذا قانون تنظيم الإجراءات الضريبية؟ وما أهميته في ظل نظام ضريبي مشكو منه؟

النظام الضريبي في لبنان، لا يزال يقوم على أساس تعدّد الضرائب النوعية، ولذلك جاء هذا القانون ليضع إطاراً تشريعياً ينظّم العلاقة بين الخاضعين للضرائب وبين الإدارة الضريبية، ولا سيما من يقوم بالتحقّق والتحصيل. ويهدف هذا القانون إلى توحيد المفاهيم وتحديد موجبات المكلفين وحقوقهم في مجال الضريبة. وأهميته لا تكمن فقط في تجميع الإجراءات القائمة في القوانين المختلفة، بل في كونه أدخل أيضاً العديد من التغييرات في ما خص مفهوم الوعاء الضريبي، وآلية التعاطي مع الضرائب، وآلية الاعتراض، وكيفية التحصيل ونسب الغرامات، وقد وحّد وبسّط الإجراءات كلّها.عموماً، جاءت كل هذه التعديلات لمصلحة المكلّف، ولا سيما لجهة وضوح النصوص وشفافيتها وتجميعها في نص واحد، ولجهة العبء القائم من جراء التغريم، فهو أحدث خفضاً ملحوظاً لنسب الغرامات القائمة. على سبيل المثال، أعطى حقاً بتعديل التصاريح، وأعطى فائدة للمكلف عند تأخّر الإدارة، وحدّد مهلاً قصيرة لبت الاعتراضات، وأعفى عدم تختيم السجلات من الغرامات.

2- لكن ألا تعتقد أن هذا القانون يتعارض مع المشروع لذي أنجزته وزارة المالية لوضع ضريبة موحّدة على الدخل؟

إن مشروع قانون الضريبة الموحّدة أصبح بحكم المنجز في وزارة المالية، وسوف يعرض على مجلس الوزراء في مرحلة قريبة، وقانون الإجراءات الضريبية لا يتعارض مع هذا المشروع، بل يتكامل معه، وهو من النصوص التي تؤسّس للضريبة الموحدة، لأنه يوحّد العديد من المعايير لجهة المهل، التغريم، الإجراءات والنسب، وكان من الممكن أن يصدر هذا النص بالتزامن مع قانون الضريبة الموحدة، لولا الإلحاح على صدوره بأسرع وقت ممكن، لذلك يمكن اعتبار قانون الإجراءات الضريبية إطاراً تمهيدياً يتماشى مع التنظيم الإداري الجديد الذي يقوم على المهمّات لا على نوع الضرائب.

3- يتضمن قانون الإجراءات الضريبية خفض غرامات بطريقة دائمة، كما أن احدى مواده اعفت المتهربين من 90 % من قيمة الغرامات مع مهلة طويلة ومستغربة للتسديد تمتد حتى نهاية عام 2009، ألا تعتقد بأن ذلك سيؤثر سلباً في إيرادات الخزينة العامة ؟

علينا أن نميّز ما بين أمرين: إن إعادة النظر بنسب الغرامات القانونية هي في موقعها وهي ضرورية، إذ إنها تحديد جديد لنسب الغرامات القائمة. أما في ما خص المادة 153، التي أشرت إليها، فهي مادة أضيفت إلى مواد القانون خلال الجلسة التشريعية، ولم تكن في صلب المشروع الأساسي، وهي تخلق إشكالية على صعيدين: أولاً، إنها تحدد مهلة طويلة جداً لتسديد الضرائب في ظل الإعفاءات الكبيرة من الغرامات، وبالتالي تُوجد حافزاً للمكلفين للامتناع عن دفع ما يستحق عليهم قبل نهاية هذه المهلة، ما يؤدّي إلى تحميل الخزينة عجزاً إضافياً كبيراً، فالإعفاء من 90 في المئة من قيمة الغرامة، يجعل كلفتها أقل بكثير من الفوائد الرائجة، اي ان الغرامة على المكلّف ستكون أقل بأضعاف من فائدة الاستدانة التي تعود إليه، وهذا محفّز لكي لا يدفع لأن الخزينة تتحول إلى مقرض «رخيص» بالنسبة إليه، هذا إضافةً إلى الخسارة المباشرة على الخزينة التي تستدين بفوائد أعلى من نسبة الغرامات المطبّقة... ثانيا، إن مبدأ خفض الغرامات عموماً قد يكون له تفسيرات أو أسباب موجبة في بعض المراحل الصعبة التي يمر بها الاقتصاد أو بعض قطاعاته، إلّا أن هذا الكلام لا يلغي الضرر الناتج من تكريس سياسة الإعفاء من الغرامات، فهذه السياسة تمييزية، إذ إن الغرامة المسددة قبل خفضها تصبح حقاً مكتسباً للخزينة، ولا يستطيع من سدّدها استردادها بعد الخفض أو الإعفاء، بمعنى أن المستفيد هو من تقاعس عن تسديد الضريبة أو الغرامة، وبالتالي نكون قد عاقبنا من التزم وكافأنا من يجب معاقبته... ثم إن الضريبة مترتبة على أرباح محققة فعلياً، وبالتالي ليس هناك مبرر لعدم تسديدها إلا في حالات
استثنائية.

4- كيف يتحول الاعفاء الى دين اضافي؟

ان الغرامات قبل خفضها، كما الضرائب، تمثّل إيرادات تقابلها نفقات، فعندما يجري خفضها يرتفع العجز، فتضطر الحكومة إلى زيادة ديونها لسدّ هذا العجز، ما يعني أن فئات من المكلفين حققوا أرباحاً وكان عليهم أن يشاركوا في عملية إعادة التوزيع عبر الضرائب، جرى إعفاؤهم من هذا الواجب، ثم جرى تحميل كل المجتمع كلفة هذا الإعفاء عبر الاستدانة الإضافية، أي إننا عندما نخفض العبء عن الفئات التي ربحت ولم تسدد الضرائب، نكون قد حمّلنا جميع فئات المجتمع العبء الذي كان ملقىً على هؤلاء، لأن الدين العام ليس سوى ضريبة مؤجلة.

5- هذا ينطبق أيضاً على تحرّكات جمعيات التجّار التي تقترح مشروع قانون لإجراء تسويات ضريبية بدءاً من عام 2005 لغاية الآن، فهل تعتقد أن ذلك يزيد الوضع سوءاً؟

لا يمكننا أن نعاتب بعض الفئات على مطالبتهم بما عودتّهم إيّاه الدولة، وبأشياء سبق أن حصلوا عليها. طبيعي أن تعمل الجمعيات والمؤسسات على تحسين مواقعها، وتخفيف الأعباء عنها، ولكن مبدأ التسوية هو كارثة، لأن التسوية تشجّع على عدم الالتزام بالقوانين، فمن دفع لا يستفيد من التسوية، ومن لم يدفع يستفد، وبالتالي لا يجوز أن نكافئ من لم يلتزم بالقوانين ونعاقب من التزم.
ثم إن التسوية تضرب هيبة الدولة في بلد كلبنان، حيث المشاكل والمحميات وصعوبة التنفيذ وضآلة إمكانات الدولة وانحسارها بحسب المراحل، وعدم قدرتها على فرض هيبتها، فما يبقى للدولة هو الاستمرارية، بمعنى أن الدولة ستبقى، ويبقى في ذهن كل «المستقويين على الدولة» أنها ستعود إلى المطالبة بحقوقها وبحقوق الناس، لأن الخزينة ليست إلّا وسيلة لإعادة توزيع المال... أما التسوية، فهي ضربة لاستمرارية الدولة، لأنها تطوي صفحة من الماضي، بينما يجب أن تحافظ الدولة على حقها بالعودة إلى هؤلاء المتلكئين.

6- ولكن هناك مبدأ مرور الزمن، وهو مبدأ قانوني قديم، إذ تسقط الضرائب والغرامات بعد مرور فترة معينة؟

نعم هناك مبدأ مرور الزمن، لكن أن يكون 4 سنوات فقط أفضل من أن يكون صفراً بعد التسوية.

7- ما هي تقديرات وزارة المال للإيرادات الفائتة من جراء التسويات والإعفاءات من الغرامات وخفض الغرامات؟

الذريعة بأن التسوية تشجع المكتومين على الانخراط في النظام أثبتت التجربة عدم صحتها، إذ تكفي الإشارة إلى أن التسوية الأخيرة لم تأت إلّا بأقل من ثمانية مليارات ليرة من مكتومين دخلوا في النظام، بينما جدية العمل الإداري الدؤوب أدت إلى إدخال أكثر من خمسين ألف مكتوم، فضلاً عن أن 23838 مكلّفاً سوّوا أوضاعهم بشروط غير منصفة للجميع، ولم يأتِ ذلك إلا بمئة وسبعين مليار ليرة، بينما تحمّل المجتمع أضعاف ذلك ديناً بعدما سقطت المبالغ الأساسية.


معكوسة