سماح ادريس*صبايا، شباب، تعالوْا نتمرّنْ على إعلام جديد.
أمامنا اليوم إعلانُ مبادئ هدفُه الأبعد أن يكون «بمثابة تمهيدٍ لاتفاقٍ بين الإعلاميّين والإعلاميّات على شرعة سلوكٍ مهنيّ تفصِّل القواعدَ والمعاييرَ التي يؤدّي اعتمادُها إلى تطبيق» ثمانية مبادئ أساسيّة. لقد كنتم طوال الفترة الماضية بلا مبادئ أو ضوابط. ظننتم أنّ الحرية تعني الفوضى. ولذا يجب اليومَ، على أبواب الانتخابات العتيدة، أن تنضبّوا قليلاً كي نمرّرَ هذا القطوعَ على خير. لا، طبعاً، لن يَفرض أحدٌ شيئاً عليكم. لن يحدث شيءٌ إلّا برضاكم التامّ، بل بعد أخذ تواقيعكم أيضاً. ولأنّ أكثرَكم تابعٌ لمنابرَ ومحطّاتٍ، تابعةٍ بدورها لأحزابٍ وتيّاراتٍ، تابعةٍ بدورها لزعماءَ ومراجعَ، فيكفي أن نأخذ موافقةَ الزعماء والمراجع. ولمّا كان هؤلاء، من الشيخ سعد إلى السيّد حسن، مروراً بوليد بك والحكيم والأستاذ نبيه، قد اتفقوا في الدوحة على «وقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسيّ والمذهبيّ»، فهذا يعني أنكم ستلتزمون، برضاكم طبعاً، بالإعلام الجديد.
إنّه عصر الإعلام اللبنانيّ الجديد. ولمَ لا يكون إعلامٌ لبنانيّ جديدٌ كالرواية الفرنسية الجديدة؟ ذاك مثلُ هذه، بل سيتفوّق عليها لأنّه سيصون وحدةَ البلد ويدْرأ عنه الفتنة. مبادئه سهلةٌ جداً، وليست في حاجة إلى كاتالوغ. ولأننا لا نحبّ التنظيرَ، ولا يحتمله البلدُ أصلاً، فهاكم نماذج على ما نتمنّى أن تقتدوا به.

■ ■ ■

نموذج واحد: من كلام إعلام 8 آذار. لقد دأبتم، أيها الزملاء، طوال فترة طويلة، على تكرار ما قاله أربابُ عملكم عن الحكومة وخصومكم: «حكومة فيلتمان»، «عملاء أميركا وإسرائيل»، «دموع التماسيح»... لقد قرّرنا اليومَ، في مسوّدة إعلان المبادئ، أنّ كلّ ذلك «تحقيرٌ وتشهيرٌ وتهجّمٌ وبذاءةٌ وتهكّمٌ مسيءٌ إلى كرامات الجماعات والأشخاص». لذا نتمنّى عليكم، من اليوم فصاعداً، أن تغيّروا لهجتَكم كي نمنعَ الفتنة التي تذرّ بقرنها قبل الانتخابات النيابية القادمة بعد شهور. نحن لا نطلب إليكم أن تغيّروا أفكارَكم؛ أبداً، معاذ الله، هذا ليس من طبيعة لبنان الذي بُني على الحريّة والحرْف منذ أيام الفينيقيين كما تعْلمون. بل لا يعْقل أن نطالبكم بالقمع الذاتيّ ونحن، تحديداً، على أبواب الاحتفال ببيروت «عاصمةً عالميّةً للكتاب» (لا بدّ من أن تروْا النتائجَ الباهرة لكدّنا وعرقنا قريباً). كلّ ما نناشدكم إيّاه هو أن تلطّفوا أساليبَكم ونبرتكممثلاً، يمكنكم أن تقولوا إنّ سياسات خصومكم «قد تخْدم المشروعَ الأميركي ـ الإسرائيليّ دون علمهم طبعاً»، وإنّ ثقتَهم بالولايات المتحدة «قد لا تكون في محلّها» بل انزاحت قليلاً. وبإمكانكم أن تصِفوا دموعَ رئيس حكومتكم بأنها «دموعُ الحيتان أو سمكِ القرْش أو الدلْفين» أو ما شئتم، لكن ابتعدوا عن التماسيح رجاءً؛ فالتماسيح تحضّ على العنف والكراهية. ولا تنسوْا أنكم الآن جزءٌ من الحكومة، بل ضمانُ وطنيّتها من خلال الثلث الضامن الذي ناضلتم طويلاً لانتزاعه؛ ولذا فإنّ كلَّ إساءةٍ إليها أو إلى رئيسها إساءةٌ إليكم. والأمرُ نفسُه ينطبق على حديثكم عن باقي زعماء 14 آذار. وهنا نحن لا نأمركم، مثلاً، بالامتناع عن بثّ حديث وئام وهّاب عن «البسَيْن» في معرض نقده لخصمه اللدود، ولا عن «الصرماية العتيقة» في معرض نقده للمحكمة الدولية؛ كلُّ ما نناشدكم إيّاه هو أن تمارِسوا المونتاجَ بكثافة، بحيث يصبح البسَيْن «بيسّيناً» (بركةََ سباحةٍ)، وتصبح الصرمايةُ العتيقة... حسناً، فلنفكّرْ معاً ببديلٍ مهذّب.

■ ■ ■

نموذج ثانٍ: وسيكون من كلام 14 آذار هذه المرة، حرصاً على «التوازي» كما جاء في إعلاننا. لنعترفْ يا إخوان بأنكم، رغم «سيفيليزاسيونكم» مقارنةً بالآخرين، قد بالغتم في وسائل إعلامكم بذكْر عبارات التشهير والقدح والذمّ. أمِنَ المعقول أن تنعتوا 8 آذار بعملاء سوريا وإيران، ثم نراكم جالسين وإيّاهم في حكومةٍ وطنيةٍ واحدة؟ ثم إنه لا يمكنكم أن تقولوا عنهم إنهم أصوليّون ومتعصّبون ويكْرهون الحياة، لأنهم سيقولون بدورهم إنكم منذ مدّة تعتمدون أنتم أيضاً، وفي غير مكانٍ من لبنان، على أصوليّين لا يقلّون تعصّباً وحبّاً بالموت في سبيل الله... وسُنّة رسوله. ولا يمكنكم أن تنعتوهم عبر إعلامكم بأنهم غيرُ حضاريّين، لأنهم سيسألونكم عبر إعلامهم عن حضارة حليفتكم أميركا في العراق، وهكذا نَغْرق في جدالٍ عقيمٍ نحن في غنىً عنه في هذه المرحلة الدقيقة التي (تعرفون بقيّة الجملة يا صبايا ويا شباب...).
إذنْ، كلّكم بالهوا سوا، وعليكم أن تحاولوا أن تفتّشوا عن كلماتٍ ومصطلحاتٍ لا تجرحهم ولا تدفع بالبلد إلى مهاوي الفتنة. ما رأيكم، مثلاً، أن تقولوا إنّ سياساتهم «تذكّركم» بسياسات سوريا وإيران، أو «تتصاقب» معها؟ وما رأيكم أن تفتّشوا عن كلمتيْن مبدعتيْن شبيهتيْن بـ «الكمّيّة» و«النوعيّة» اللتيْن استخدمهما الشهيد الشيخ بيار ليصف أعدادَهم الهائلة العديمةَ الإبداعِ، مقابلَ عبقريتكم المقتصرة على النخبة؟ ما رأيُكم مثلاً بـ «العامّة» و«الخاصّة»؟
أما إذا أردتم أن تشتموا الحزبَ القومي الذي أحرق مكاتبَكم وضرَب إعلاميّيكم، فلا تستخدموا صفةَ «زعران» كي لا يصفَكم خصومُكم (وهم ممثّلون في حكومتكم بوزيرٍ تؤكّدون أنه سبق أن هدّد أحدَ زعمائكم بالقتل) بـ «جزّاري حلبا»، وفي هذه الحال لن ننتهي لا منكم ولا منهم. ما رأيكم مثلاً ، بدلاً من «اعتدى زعرانُ ميليشيا الحزب القوميّ على أحد صحافيينا»، أن تقولوا: «تعرّض عناصرُ غيرُ منضبطين ينتمون إلى حزبٍ عقائديّ ممثل في الحكومة ببعض الكلمات غير اللطيفة لزميلنا فلان» أو «قام بعضُ المنزعجين من مسيرة السلْم الظافرة بعملٍ غيرِ لذيذ بحقّ أحد العاملين عندنا»؟
أما بالنسبة إلى عون، فآخ من عون! ولكنْ ليس معقولاً يا جماعة أن تصفوه بالأخوت والجعاري والـ «عو»؟ ولو! ما رأيكم في أن تنعتوه بـ «الزعيم الذي فقد البوصلة» أو «النائب ذي الصوت الجهوري» أو «العسكريّ السابق العصبيّ المزاج»؟ ولا تخافوا: فأنصارُكم سيفْهمون أنّ كلماتكم الجديدة هي استعادةٌ مهذّبةٌ لائقةٌ ناعمةٌ لكلماتكم القديمة الفجّة المتشنّجة، وهذا لن يؤثّر سلباً في قوتكم الشعبيّة على أبواب الانتخابات القادمة.

■ ■ ■

ولكنْ ماذا لو قال زعماءُ المعسكريْن، فجأةً، كلماتٍ فيها قدحٌ وذمّ وتشهيرٌ وتهكّمٌ وتهديد؟
لا مشكلة يا صبايا ويا شباب في هذه الحال. إذ ستردّدون في إعلامكم، وفجأةً أيضاً، ما قاله زعماؤكم، وستفتحون الأدراجَ وتُخْرجون كلماتكم وتعابيرَكم ومقالاتكم الميليشيويةَ القديمة. وإذا ساقكم القضاءُ إلى المحكمة فلا تقلقوا: فزملاؤكم في وسائل إعلامكم سينصّبونكم أبطالاً للعنفوان وحريّة الفكر. والغرامة؟ كمْ قلتم؟ 50 مليون ليرة؟ طز! سيدفعها عنكم زعيمُكم عن طيبِ خاطر.
ها قد عاد الوضعُ إلى سابق عهده، واستعدتم روحَكم العنفوانيةُ الأصلية... إلى أن ينعقد دوحةٌ جديدٌ، فيلتقي إعلاميّوكم بإعلاميّيهم لكتابة إعلانِ مبادئ جديدٍ.
*رئيس تحرير مجلة الآداب