مصطفى عاصيحتى الآن لم يعرف السبب الذي حدا الدوائر الإعلامية في قصر بعبدا على سحب الفقرة الجوهرية من تصريح رئيس المجلس السياسي في حركة حماس، خالد مشعل، بعد لقائه رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، التي تتحدث عن إحباط طبخة لتوطين الفلسطينيين في لبنان، والتعميم على وسائل الإعلام لإسقاط الفقرة من نشراتها الإخبارية. ولم تجد حماس تفسيراً لإجراء القصر، لأن الجزء الأساسي من المحادثات بين مشعل وسليمان تناول هذا الموضوع.
هذه الطبخة التي عادت حماس وتحدثت عنها وعن كيفية إسقاطها، يمكن تلخصيها باتفاق أبرمه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، يقضي بسماح إسرائيل لعشرين ألف لاجئ فلسطيني فقط بالعودة إلى فلسطين، من بين خمسة ملايين منتشرين في الشتات. ولكن اضطرار أولمرت لتقديم استقالته وعجز خليفته تسيبي ليفني عن تأليف الحكومة أثّرا على المضي في إكمال هذا الملف.
وكاشف مشعل المسؤولين اللبنانيين بتفاصيل السيناريو، وأوصل إليهم تحذيرات واضحة من مرحلة خطيرة تنتظر الواقع الفلسطيني في لبنان قد تعقب انتهاء الحوار الفلسطيني في القاهرة.
ويضيف المصدر أن القاهرة انخرطت أعمق في أداء الأدوار التي لزّمتها إياها واشنطن نتيجة فشلها في القيام بها مباشرة. وهذا التبنّي المصري للدور الأميركي يُلمس في أكثر من مكان وفي موضوعين أساسين:
ـــــ الأخذ بيد محمود عباس للتوصل إلى الحل النهائي مع إسرائيل ومساعدته في تسويق فكرة التوطين في لبنان.
ـــــ إقناع حماس بالتجديد لعباس رئيساً في التاسع من كانون الثاني المقبل، بطلب مباشر من الولايات المتحدة التي تتمسك برجلها عباس وتخشى سقوطه الأكيد على يد حماس، في حال حصول انتخابات.
إذاً، على حدّ السكين سيدور حوار القاهرة الذي تريد منه الولايات المتحدة ومصر وحركة فتح بنداً واحداً، هو التجديد لعباس، فيما حماس تتوخى منه توافقاً على سلة توافقات متكاملة، تبدأ بترتيب الانتخابات الرئاسية والتشريعية، ثم تأليف الحكومة، وصولاً إلى إعادة بناء الأجهزة الأمنية والعسكرية ووقف الملاحقات والاعتقالات في الضفة الغربية. ومع إدراك القاهرة صعوبة إقناع حماس بالتجديد، تميل إلى تحميلها تبعات الفشل، بعد أن تستنفد المحاولة ما قبل الأخيرة المتمثّلة بدعوتها إلى التوقيع أوّلاً على التجديد، ثم التحاور في بقية البنود إلى ما شاء الله. وعليه، فإن الجميع يتحسّبون لحال الفراغ الفلسطيني المرتقب وانعكاساته على المخيمات، ويرتّبون أوراقهم على هذا الأساس قبل تحرّك المياه الراكدة.
ـــــ مصر تقوم منذ أشهر بما يشبه المسح الأمني والسياسي للمخيمات، مستخدمة عناصر وضباطاً من فتح.
ـــــ محمود عباس (بإيعاز من مصر) عيّن أديب الحصان في منصب المدير العام للأمن الوطني الفلسطيني في لبنان، وحدّد مقرّه في مبنى السفارة الفلسطينية، وأوكل إليه مهمة توحيد الأجهزة الأمنية تحت جناح واحد، على أن تكون مرجعيته الوحيدة في الضفة الغربية.
ـــــ حركة فتح تصنع عدواً أمامها هو تنظيم «جند الشام» في مخيم عين الحلوة، وتحرص على إبقائه حالة قائمة في الإعلام وعلى الأرض كقوة أصولية متطرفة بغية خلق الذريعة الدائمة لتفجير الوضع الأمني، متى صدر قرار التفجير، إلى جانب تصوير عين الحلوة كمخيم نهر البارد.
أما على خط حماس، فقد تحرّكت دبلوماسيتها نحو أكثر من عاصمة عربية لشرح الصورة، وعممت قراراً على عناصرها بالتزام الهدوء وعدم الانجراف إلى أي عمل مخلّ بالأمن. وفي هذا الإطار، يُقرأ حرص حماس على إشراك لبنان في تفاصيل حوار القاهرة والحرص على إيفاد مشعل إلى لبنان رغم الأخطار الأمنية، لتطلب من المسؤولين اللبنانين ثلاثة أمور:
ـــــ الإسراع في رعاية الحوار الفلسطيني ـــ اللبناني وتفويت الفرصة على من يخطط لإحداث خضّات عسكرية، وتنظيم علاقة اللاجئين بالدولة، والطلب رسمياً من الجهات المعنية في لبنان الاتصال بكل الفصائل الفلسطينية وتبليغها بصوت عال أنها لن تتهاون في منع أي إخلال بأمن المخيمات.
ـــــ حثّ السلطة اللبنانية على مطالبة السلطة الفلسطينية بأن يكون لها مرجعية واحدة في لبنان، لكون هذا الأمر يعزز موقف الدولة اللبنانية في جبه الضغوط الدولية لفرض التوطين. وهنا أبلغت حماس اللبنانيين أنها ستكون العون له في رفض هذه الضغوط.
عن التدخل المصري الأمني في المخيمات والتخفّي بقفازات حركة فتح، يستعين مسؤول فلسطيني بالماضي للإشارة إلى الحاضر. وبعد أن يذكّر بأن حركة فتح هي أساساً صنيعة مصر أيام الرئيس جمال عبد الناصر، يروي أنه في عام 1971 صدمت سيارة لاجئاً فلسطينياً على كورنيش المزرعة وقتلته، فنقل إلى مستشفى المقاصد. ولمّا بحثوا في أوراقه الخاصة، وجدوا بطاقة عضوية صادرة عن حركة فتح. اتصل المسؤولون في المستشفى بحركة فتح للاستعلام عنه، وتفقدوا منزله في مخيم شاتيلا دون أن يعثروا على ما يعرّف عنه. وبعد مراجعة فتح لكل سجلات عناصرها، أكدت أنّ القتيل ليس منها، وأنّ البطاقة غير صادرة عنها. بعد أيام، اتصل المصريون بفتح وطلبوا تسلّم الجثة، ليتبيّن لاحقاً أنه ضابط في الاستخبارات المصرية.
جانب من الزيارة الأخيرة لنائب رئيس الاستخبارات المصرية عمر القناوي إلى لبنان تناول إطلالة على واقع المخيمات، «حيث كان يطرح الكثير من الأسئلة على من التقاهم من نوع: هل يمكن حل المشاكل الأمنية في مخيم عين الحلوة إذا نشرت قوة أمنية فيه؟» سؤال وضع مسؤول حماس خطاً عريضاً تحته.