المنامة | يبدو أن قدر البحرين أنها ستبقى دائماً على موعد مع مفاجأة أميركيّة، وعلى البحرينيّين أن يكونوا أكثر تقبّلاً لتبعية النظام لأميركا وانقياده التام لتوجّهاتها، هذه هي الخلاصة التي يخرج بها أحد نواب الوفاق المستقيلين، معطياً انطباعه الأولي بصورة تهكّمية ساخرة عن التراجع السريع للحكومة البحرينية عن قرارها المضيّ قدماً في حلّ جمعيتي «الوفاق» و«أمل» الإسلاميتين.تبدأ حكاية التدخل الأميركي في انتفاضة 14 شباط بعد ثلاثة أيام على بدئها؛ الموعد الأول لدخول الجيش بكامل ثقله في أزقّة المنامة، حين مهاجمة دوّار اللؤلؤة في 17 شباط عند الثالثة فجراً. حينها تدخّلت الولايات المتحدة عبر اتصالات مكثّفة دفعت الجيش إلى الانسحاب الى ثكنه في اليوم الثاني من الهجوم، فيما عاد الناس إلى الدوّار لمواصلة أعمالهم الاحتجاجية، وكان ملاحظاً تفضيل المعارضة عدم الحديث عن الدور الأميركي في سحب الجيش، لعدم ثقتها المطلقة بالتعاطي الأميركي مع الأحداث.
وبدأ التدخل الأميركي يتضّح أكثر فأكثر مع وصول مساعد وزيرة الخارجية، جيفري فيلتمان، مطلع آذار المنصرم.
قيل إنه أتى ليشجّع المعارضة على الحوار مع السلطة، صار الموقف الأميركي واضحاً للمعارضة البحرينية يومها.
حدود اللعبة التي يمكن أن تسير عليها هي طاولة فضفاضة للحوار، لا تنتج شيئاً، حوار من أجل الحوار، كلام لأسابيع ليس له أي ترجمة واقعية على الأرض. فهمت المعارضة الرسالة الأميركية الثانية، وواصلت صمتها مدركة أن جيفري فيلتمان هو أكثر السياسيين الأميركيين فهماً واستيعاباً للعقل الشيعي وهواجسه
وطموحاته.
التدخّل الأميركي الثالث جاء في زيارة قام بها وزير الدفاع روبرت غيتس في 11 آذار. التقى خلالها مع المسؤولين لبحث الأزمة. وخرج بكلام أعطى البحرينيين دفعة أمل، لكنه كلام للاستهلاك الإعلامي فقط. غادر غيتس وتحرّك معه الأسطول الأميركي (الخامس) بعيداً عن المياه الإقليمية، ليدخل إلى البحرين 1200 جندي سعودي تحت مظلّة درع «الجزيرة»، وتدخل البلاد في نفق قانون الطوارئ.
صار الموقف الأميركي واضحاً من خلال كلام المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، حين قال إن «الولايات المتحدة لا ترى في قوات درع الجزيرة احتلالاً». ليتبين أكثر مع تصريح وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن «الولايات المتحدة كانت على علم بقدوم قوات درع الجزيرة للبحرين»، ما أثبت أحقيّة عدم ثقة المعارضة البحرينية بالإدارة الأميركية وعدم التعويل عليها.
لكن في كل الأحوال، من المؤكّد أن الولايات المتحدة قادرة على ممارسة ضغوط على الحكومة البحرينية للتراجع عن أي قرار. وقد تأتي هذه الضغوط في شكل أوامر فوقية، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال تراجع الحكومة البحرينية عن حلّ جمعيتي
«الوفاق» و«أمل». إذ جرت العادة أن يقوم تلفزيون البحرين الرسمي بحملة إعلامية يطالب فيها بأمر ما، ليتبعه قرار من السلطات بتلبية هذا الأمر. هكذا جرى الأمر مع التحريض على مستشفى السلمانية وصحيفة
«الوسط».
وبعد الحلقة التحريضية على الجمعيتين، توجهت وزارة العدل لرفع قضية الحلّ إلى النيابة العامّة.
وبعد ساعات من إذاعة النبأ الرسمي، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها لسعي الحكومة إلى حلّ المعارضة البحرينية، ليُعلن بعدها وزير الخارجية البحريني خطاباً عُدّ تصالحياً تجاه «الوفاق» عبر دعوتها الى المشاركة في الانتخابات التكميلية، التي ستجرى على مقاعدها الشاغرة التي استقالت منها، لحقه تصريح لوزارة العدل قالت فيه إنها ستحدد موقفها تجاه الجمعيتين المذكورتين في ضوء الحقائق والمعطيات وحين اكتمالها.
يؤكد النائب الوفاقي المستقيل لـ«الأخبار» أن الحكومة كانت عازمة على حلّ الجمعيتين، فيما كانت ستقبل استقالة النواب الوفاقيين السبعة الباقين تمهيداً لاعتقال البعض منهم، لكن على ما يبدو أن الإدارة
الأميركية لم تكن راغبة في وصول الأمور إلى هذا المستوى. وعليه، فقد قرّرت إيقاف هذا التخبّط والجنون الرسمي، حين ارتأت ذلك، معتبراً أنها قد تكون بداية انتهاء فترة السماح الأميركية
للبحرين.