فاجأت القاهرة الجميع أمس باحتضانها لقاء مصالحة بين حركتي «حماس» و«فتح» الفلسطينيتين. مصالحة بالأحرف الأولى من المفترض أن تتوج الأسبوع المقبل بلقاء يضم مختلف الفصائل لتوقيع الاتفاق الجديد، الذي أثار اعتراضات من إسرائيل والولايات المتحدة. اعتراضات ستتبلور ضغوطاً في الأيام المقبلة لاختبار مدى جديّة السلطة ورئيسها محمود عبّاس في المضي إلى النهاية في تطبيق «الإنجاز المصري».اتفاق «فتح» و«حماس» لم يخرج عن إطار الورقة المصرية القديمة، لكن ضُمِّنت ورقة ملاحظات حركة «حماس»، التي كان النظام المصري السابق يرفض ضمها إلى أوراق الاتفاق، ويشترط دائماً على حركة «حماس» «التوقيع أولاً، ومن ثم الاتفاق على الملاحظات».
ومع سقوط النظام السابق، ورغم أن راعية الملف، الاستخبارات المصرية، لم تشهد تعديلات جذرية باستثناء مديرها عمر سليمان، إلا أن الشرط سقط، لتعلن الاستخبارات أن حركة «فتح» أبرمت اتفاقاً بالأحرف الأولى مع حركة «حماس» لتأليف حكومة مؤقتة وتحديد موعد للانتخابات العامة. وأفادت الاستخبارات بأن المشاورات أدت إلى تفاهم تام على نقاط للمناقشة، بما في ذلك وضع اتفاق مؤقت بمهمات محددة لتعيين موعد للانتخابات.
ورغم أن مصادر فلسطينية تحدّثت لوكالات الأنباء عن لقاءات سريّة سبقت الاتفاق، إلا أن مصدراً مقرّباً جداً من المباحثات أكد لـ«الأخبار» أن اللقاء الذي جرى أمس هو الوحيد بين الطرفين، وأثمر اتفاقاً نتيجة تغيير في المواقف، وخصوصاً من حركة «فتح»، التي فاجأت الجميع بالموافقة على التعديلات التي تطلبها «حماس»، وهو ما أدى إلى سرعة التوصّل إلى اتفاق.
ولخّص المصدر الاتفاق بسبع نقاط أساسيّة، كان الخلاف يتمحور حولها:
أولاً، اللجنة الأمنية العليا، التي اتُّفق فيها على تعيين ضباط وكفاءات بالتوافق بين الطرفين، على أن يبدأ بعد ذلك خبراء بالعمل على دمج الأجهزة الأمنية، بضمان من مصر. يشار إلى أن هذه النقطة كانت الأكثر تعقيداً في جولات الحوار السابقة، ولا سيما أن الخلافات كانت تتمحور حول عدد الأجهزة الأمنية، ومرجعيتها، وخلافات حول مرجعية الهيئة الأمنية المؤقتة، التي ستشرف على إعادة تأهيل هذه الأجهزة.
ثانياً، لجنة الانتخابات، حيث اتُّفق على تعيين أعضائها بالتوافق، على أن يصدر الرئيس محمود عبّاس مرسوماً بتأليفها، بعدما كانت «فتح» ترى أن تأليفها من اختصاص الرئيس الفلسطيني.
ثالثاً، محكمة الانتخابات، التي اتُّفق أيضاً على التوافق على 12 قاضياً، تُشكَّل المحكمة على أساسها «وفق الأصول»، أي بترشيح من مجلس القضاء.
رابعاً، الانتخابات، التي كان توافق على أن تُجرى بعد عام من توقيع الاتفاق، على أساس أن تكون متزامنة مع ثلاثة استحقاقات: الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الخاص بمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج.
خامساً، منظمة التحرير، التي كان الخلاف يدور فيها حول اللجنة العليا المؤلفة من الأمناء العامين للتنظيمات وصلاحياتها. فكان الاتفاق على أن تكون اللجنة مرجعية في الخارج، وقراراتها غير قابلة للطعن، لكن «بما لا يتعارض مع صلاحيات اللجنة التنفيذية» لمنظمة التحرير.
سادساً، الحكومة، التي اتُّفق على أن تؤلَّف من شخصيّات كفوءة ومستقلة، على أن يُتَّفَق على أسماء الوزراء ورئيس الوزراء، وسط ترجيحات بأن يتولى منيب المصري رئاسة الحكومة.
سابعاً، اتُّفق على بدء مشاورات تأليف الحكومة بعد توقيع الاتفاق مباشرة.
وأكد المصدر نفسه أنه اتُّفاق أيضاً على أربع مهمات رئيسية، هي توفير مناخ إجراء الانتخابات، وإكمال إجراءات المصالحة، ومعالجة الآثار الناشئة عن الانقسام، وإعادة الإعمار في غزة ومعالجة الوضع الاقتصادي.
وأثنى المصدر على الدور المصري الجديد في جلسة الحوار، مشيراً إلى أن الإدارة المصرية لم تتدخل في فرض شيء، «أبلغونا بأننا نساعدكم في تقريب وجهات النظر، وأنتم تتحملون مسؤولية الفشل». وشدّد على أن الأداء المصري الجديد أخذ موقفاً على مسافة واحدة بين الطرفين، وهو ما أسهم في التوصّل إلى اتفاق. وكشف عن أن أبو مازن سبق أن توجّه إلى المصريين لإبلاغهم بأنه ينوي التوجه إلى قطاع غزة وتأليف حكومة، غير أن المصريين رفضوا ذلك وأكدوا له أن الحل الوحيد هو في عقد لقاء للتفاهم.
أما عن أسباب هذا التحوّل السريع في الموقف الفلسطيني من المصالحة، فرأى المصدر أن المشهد الإقليمي يدفع أبو مازن في هذا الاتجاه، ولا سيما أنه في وضع حرج في المحيط العربي المتغير، إضافة إلى وضعه في المفاوضات وخلافه مع رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فيّاض. وأشار إلى أن عباس يخشى من أن انتعاش حركة «حماس» على حساب التغيير الحاصل في مصر، الذي يترجم بتخفيف للحصار.
ولم يستبعد المصدر أن يعمل جميع المتضررين الآن على إفشال إتمام المصالحة، مشيراً بذلك إلى أطراف داخل السلطة، إضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل ودول خليجية، التي باغتها الاتفاق. وأضاف أن ما تحقق في القاهرة ليس النهاية، بل هو بداية معركة ستسعى إلى تحطيم الاتفاق.
والمعركة بدأت فعلاً، فمع شيوع نبأ الاتفاق، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليعلن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يمكنه أن يأمل إبرام اتفاق للسلام مع إسرائيل إذا مضى قدماً في اتفاق المصالحة مع حركة حماس.
وقال نتنياهو: «على السلطة الفلسطينية أن تختار إما السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماس. ليس من الممكن قيام سلام مع الاثنين. حماس تسعى إلى تدمير إسرائيل وتطلق صواريخ على مدننا... على أطفالنا». وردّت السلطة على مطالب نتنياهو، بالإشارة إلى أن عليه «الاختيار بين السلام والاستيطان».
وعبّر وزراء أعضاء في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) عن مفاجأتهم من اتفاق المصالحة، وسط تقديرات بأن الاتفاق سيدعم عباس مع اقتراب أيلول الذي ستصوت خلاله الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتراف دولي بدولة فلسطينية.
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني عن الوزراء أن اتفاق المصالحة بين حماس وفتح يأتي مفاجئاً؛ لأن الموضوع لم يكن مطروحاً أبداً في الهيئات السياسية والأمنية الإسرائيلية كما لم يُطرح احتمال التوصل إلى اتفاق مصالحة.
وفي موازاة ذلك، عبر مسؤولون سياسيون إسرائيليون آخرون عن تقديرهم أن اتفاق المصالحة سيدعم عباس مع اقتراب استحقاق أيلول، الذي ستصوت خلاله الجمعية العامة للأمم المتحدة على اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وقدر المسؤولون الإسرائيليون أيضاً أن يؤدي اتفاق المصالحة إلى هدوء أمني نسبي في الشهور القريبة، في ضوء رغبة عباس بإثبات قدرته على توحيد الجانبين وعلى السيطرة الميدانية.
أميركيّاً، أكد البيت الابيض أن أي حكومة وحدة فلسطينية مقبلة ينبغي أن توافق على مبادئ اللجنة الرباعية الدولية. قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي تومي فيتور: «رأينا التقارير (عن اتفاق المصالحة بين فتح وحماس) ونسعى إلى معرفة المزيد. وكما قلنا في الماضي، إن الولايات المتحدة تدعم أي مصالحة بين الفلسطينيين، شرط أن يدعم (ذلك) قضية السلام».
وأضاف المتحدث في بيان أن «حماس منظمة إرهابية تستهدف مدنيين. ولأداء دور بنّاء بغية التوصل إلى السلام، على أي حكومة فلسطينية أن توافق على مبادئ اللجنة الرباعية وأن تنبذ العنف وتحترم الاتفاقات المعقودة في الماضي وتعترف بحق إسرائيل في الوجود».
مطلب أميركي ردّ عليه القيادي في «حماس»، موسى أبو مرزوق في مؤتمر صحافي مشترك مع القيادي في «فتح» عزام الأحمد؛ إذ قال إنه كانت هناك في الحوارات السابقة التي جرت بين فتح وحماس على مدار عام ونصف عام «نقاشات في البرنامج السياسي لحكومة (الوحدة الوطنية)، وكانت نقطة الخلاف بشأن شروط الرباعية الدولية، والآن الرباعية اندثرت هي وشروطها ولم نأت على ذكرها أو ذكر شروطها» في الاتفاق الذي جرى التوصل إليه.
من جهته، قال القيادي في «حماس» محمود الزهار للصحافيين إن برنامج حماس السياسي هو «لا للاعتراف (بإسرائيل)، لا للمفاوضات» معها، لكنه رأى أن الخلافات بين حماس وفتح بشأن عملية السلام لن تؤثر على عمل الحكومة التي ستؤلَّف بموجب الاتفاق؛ لأن هذه الحكومة مهمتها إدارة الشؤون الفلسطينية الداخلية.



بهجة وحذر

شارك مئات الفلسطينيين في تظاهرة عفوية مساء أمس في غزة بعد الإعلان رسمياً عن التوصل إلى اتفاق للمصالحة. وتجمع المئات في ساحة الجندي المجهول بمدينة غزة، ورددوا شعارات ترحب بإنهاء الانقسام وتدعو إلى تعزيز الوحدة ورفعوا الأعلام الفلسطينية. وأطلق سائقو السيارات أبواق سياراتهم في مشهد فرح يعكس رغبة الفلسطينيين في إنهاء الانقسام.
وفي الوقت نفسه، أبدى فلسطينيون تفاؤلهم الحذر إزاء الحراك القوي الذي يشهده ملف المصالحة. وقال الكاتب الفلسطيني مصطفي إبراهيم إن: «الفرصة ما زالت قائمة لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، وبوجود الإرادة لدى الطرفين، يستطيع الفلسطينيون إنجاح هذه الفرصة التي انتظروها كثيراً، ولم يعد لديهم متسع من الوقت أكثر من ذلك».
من جانبها، عبّرت مشيرة أبو شماس (23 عاماً) عن عدم تفاؤلها بنجاح المصالحة في الوقت الحالي، وخصوصاً في ظل ما يجري في الوطن العربي من متغيرات. وقالت «إن هذه الجولة بين (فتح وحماس) ما هي إلا جولة لمسرحية سياسية بين الطرفين (..) والمصالحة لا تأتي إلا من الداخل الفلسطيني، لا عبر جولات حوار سئمناها طوال السنين الماضية».
بدوره، أكد الفنان التشكيلي محمد حرب (29عاماً) أن مصر ستكون هذه المرة أكثر جدية في ما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية الداخلية خلافاً للجولات السابقة التي جمعت الحركتين في القاهرة.
(يو بي آي، سما)