أسامة الخالدي*
السبب الرئيسي في ضعف تمويل البحث العلمي في العالم العربي هو أننا لا نقدّره، إلا أن تحويل العلوم الأساسية إلى تكنولوجيا منتجة يقود إلى تعزيز العلوم الأساسية. هنا عرض للمحاولة الأردنية في هذا المجال:

أسس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا في الأردن مركزاً افتراضياً (Virtual center) للتكنولوجيا الحيوية. والفرق بينه وبين المراكز العادية هو أن المركز العادي يمنح العالم المتميز حيزاً جغرافياً وأدوات وميزانية بملايين الدولارات فيجمع أخصائيين في موضوع محدد، يتعاونون في دراسته بينما تختفي هذه الشروط في المركز الافتراضي. لا شك أن وضع عدد من المتخصصين في مركز واحد والتفاعل في ما بينهم يقود إلى تقدم أكبر في الموضوع.
إلا أن المراكز الافتراضية قد تتميّز الفعالية ذاتها رغم أنها تعمل بعدد محدود جداً من الموظفين وبميزانية ضئيلة. لا يقوم المركز بإجراء الأبحاث بنفسه ولا تكون لديه مختبرات، بل تتركز وظيفته في التنسيق بين الباحثين حيث يعمل كل منهم في مؤسسته، وفي دعم ومتابعة بحوثهم بما يتوافر لديه من ميزانية. وبالإضافة إلى انخفاض التكلفة، يتميز المركز الافتراضي بكونه لا يحرم المؤسسات أفضل علمائها، ويوفّر على هؤلاء العلماء الوقت الذي قد يستغرقونه للتأقلم في مركز جديد يلتحقون به. مهمة المركز الوحيدة هي تحويل ما أمكن من الأبحاث الأساسية إلى تكنولوجيا منتجة. قام المركز بحصر تخصصات الباحثين في التكنولوجيا الحيوية في الأردن والبلدان المجاورة، ووضع ذلك في بنك معلومات يحدد مهاراتهم الدقيقة في مجال التكنولوجيا الحيوية. لديه الآن أكثر من مئة وخمسين عالماً في هذا البنك، أكثرهم يعملون في المؤسسات الأردنية.
بالرجوع إلى بنك المعلومات المتوافر لدى المركز، والموجود على الموقع الإلكتروني، يدعو المركز أخصائيين في موضوع محدد أو مواضيع مكملة لبعضها إلى اجتماعات تكون مهمتها إقناعهم بتحويل جهدهم إلى تكنولوجيا توفر لهم ولمؤسساتهم والمجتمع مداخيل إضافية، ثم تُطرح اقتراحات في هذه المجالات، وتؤلَّف لجان فرعية لدراسة كل منها. وقد يدعم المركز إجراء تجارب للتأكد من وجود الإمكانات أو تطويرها. يكون دعم المركز بعقد يحدد حصص الباحثين ومؤسساتهم والمركز من أية أرباح حسب إسهام كل منهم، كما يساعد المركز على إجراء دراسة جدوى مبدئية لهذه الاقتراحات، فإذا بينت هذه الدراسة تفاؤلاً، يكلِّف المركز أخصائيين لعمل دراسة جدوى مفصلة قد ينتج منها تأليف شركة من الباحثين وتُسهم فيها المؤسسات والمركز والقطاع الخاص.
نشأ عن هذه التجربة حتى الآن شركة بدأت بالإنتاج التجاري للمضادات وحيدة النسيلة التي تستعمل في الكثير من المختبرات العلمية والطبية، وقد باشرت هذه الشركة في الإنتاج التجاري والتسويق، كما عُزل الفيروس المحلي الذي يسبب أمراضاً في الدجاج وأُعطِيَ بعقد لشركة إنتاج مطاعيم حيوانية. وهناك حالياً أكثر من عشرة مشاريع أخرى في أطوار مختلفة من التقدم يمولها المركز. والمأمول أن تتحول بعض هذه إلى شركات، أو على الأقل إلى براءات اختراع، وتتراوح المشاريع من إنتاج هرمون إنساني في النبات وتعديل خميرة الخبز لزيادة القيمة البروتينية في الخبز ودراسة الأجسام المضادة الصغيرة في الجمال Nanobodies إلى دراسات عن زراعة العكوب طوال العام وإنتاج نخيل زينة يحتاج إلى كميات ماء أقل من النخيل العادي.
كذلك حصر المركز الأدوات العلمية الغالية الثمن التي لا تستعمل طول الوقت، وكلفة استعمالها من الغير، ونشرت هذه المعلومات على الموقع الإلكتروني، ما يقود إلى توفير مبالغ كبيرة لشراء أدوات يمكن الاستغناء عنها.
ميزانية المركز هي في حدود مئة وخمسين ألف دولار سنوياً، يصرف نصفها تقريباً للرواتب والإيجار والمصاريف الإدارية الأخرى، ويصرف الباقي في دعم الباحثين في مؤسساتهم. والمأمول أن يتمكن المركز من تمويل نفسه كلياً في السنوات القليلة القادمة. كما نأمل أن تؤسس مراكز افتراضية أخرى في الوطن العربي، يرحب المركز بوضع خبرته تحت تصرف من يفكرون في تأسيسها.

* رئيس المركز الوطني للتكنولوجيا الحيوية في عمان