في اللحظة الأولى التي قرّرنا فيها أن يكون زواجنا مدنيّاً، كان السؤال البديهي: «هل أنتما من دينَيْن مختلفيْن؟». سؤال بريء لدى بعض السائلين، الذين يُريدون منه توجيه رسالةٍ ضمنيّة بعدم التوّرط في هذا «العذاب». لكن البعض الآخر من هؤلاء السائلين، كان يرغب من سؤاله معرفة الانتماء الديني لشخصيْن لا يدلّ اسماهما مباشرةً على انتمائها الديني والمذهبي. لكنّ أزعج ما في السؤال، هو إلغاء حقّنا، في اختيار أي قانون سيحكم حياتنا الزوجيّة، ما دمنا قادرين على الزواج دينيّاً. هو إلغاء ينبثق من رغبة دفينة عند الكثيرين بالإذعان للقوالب التي أوجدها المجتمع دون الحق في إدخال أي تعديل عليها، حتى لو لم يتجاوز التعديل كونه تعديلاً على المستوى الشخصي.على أي حال، تطلّب المشروع قبل كلّ شيء جهداً لتذليل اعتراضات الأهل. منطق ضمان الحقوق للزوجة، ومنع تعدّد الزوجات هو المدخل الأساسي لإقناع أهل رلى. اضطررت في لحظات إلى تصوير نفسي، كشخص يُفترض ضبطه وتكبيله ليكون «زوجاً صالحاً».
انتهى البند الأوّل من المشوار. قُبلت الفكرة على مضض. طيب، أين الزواج؟ في قبرص؟ في تركيا؟ في لبنان؟
برزت فكرة الزواج مدنيّاً في لبنان. بدأ العمل عليها. لقاء مع السيدة أوغاريت يونان، تزوّدنا خلاله بدراسة قانونيّة للنائب غسان مخيبر عن إمكان عقد هذا الزواج في بيروت، اعتماداً على «قانون العائلة» الصادر أيّام السلطنة العثمانيّة. لكن في النصوص القانونيّة اللبنانيّة نصّ آخر، يعترف بالزواج المدني شرط عدم حصوله فوق الأراضي اللبنانيّة.
باءت المحاولة بالفشل. قرّ الرأي على الزواج خارج لبنان. في المفاضلة بين تركيا وقبرص، ربحت قبرص لسببين: الأوّل ضرورة الذهاب من إسطنبول إلى أنقرة لتصديق معاملات الزواج، وهو ما سيُصعّب الأمر ويزيد كلفته الماليّة. والثاني، هو كتاب للقاضي جون القزي يُقارن فيه بين عدّة قوانين للزواج المدني، ويُفهم منه أن القانون القبرصي هو الأمثل، أو هو الأقرب لما في أذهاننا عن الزواج المدني.
يبدأ الاستعداد للسفر إلى قبرص. يكاد المرء يضيع في غابة العروض التي تُقدّمها له وكالات السفر للزواج مدنيّاً في قبرص. وعند التمعّن يخرج المرء مقتنعاً بأنه ليس منها واحد مناسب مالياً.
على من يُخطط للزواج في قبرص دراسة العروض تفصيليّاً، لا الاكتفاء بعبارة «تزوّج في قبرص بهذا المبلغ أو ذاك»، وخصوصاً إذا كانت الرحلة مقتصرة على المبيت يوماً واحداً في هذه الجزيرة الجميلة. كذلك يجب التأكّد من شمول العرض رسوم البلديّة.
بالنسبة إلينا، أخذتنا الحيرة في البداية. سمعنا الكثير من النصائح، لكن الخطوة الأهم كانت الاتصال ببلديّة نيقوسيا مباشرةً بعدما أبلغتنا وكالة السفريّات، التي حجزنا من خلالها الفندق، أن كلفة تنظيم الزواج، أي الحصول على موعد من البلديّة، ستكون 500 يورو، أي ما يوازي مليون ليرة لبنانيّة، وهذا لا يتضمّن رسوم البلديّة.
اتصلنا ببلديّة قبرص على الرقم 00357227972238، بموظّفة تُدعى يوتا حدّدت موعداً، وغُيِّر الموعد عبر المراسلة على البريد الإلكتروني [email protected] ليتبيّن أن الموضوع أسهل ممّا يتوقّع المرء، وبلا كلفة. كذلك ذكرت الموظّفة في واحدةٍ من رسائلها رسوم الزواج، وهي على النحو الآتي: 280 يورو لتسجيل الزواج، 14 يورو للحصول على صورة مصدّقة من البلديّة عن وثيقة الزواج، إذ من المفترض أن يحتفظ الزوجان بالوثيقة الأصليّة. وهكذا حُدِّد الموعد في البلديّة من دون أي كلفة ماليّة بدل دفع الـ500 يورو.
وصلنا إلى قبرص مساء الأحد. لم نكن نعرف كيف سنذهب إلى نيقوسيا. سألنا سائق الأجرة (الذي نقلنا من مطار لارنكا إلى الفندق) عن كلفة الذهاب إلى نيقوسيا وإتمام معاملات الزواج والعودة إلى لارنكا. أجرى الرجل عدّة اتصالات ليُبلغنا أن الكلفة هي 100 يورو ذهاباً وإياباً، إضافة إلى عشرة يورو بدل كلّ ساعة انتظار. ولحظة وصلنا إلى الفندق، سألنا الموظفين هناك عن الموضوع عينه. جاء جوابهم سريعاً: يأخذكم السائق من أمام باب الفندق إلى بلديّة نيقوسيا، وبعدها إلى الدوائر المطلوب تصديق المعاملات فيها، بالإضافة إلى جولة سياحيّة في المدينة ثم يعود إلى الفندق بكلفة 120 يورو، «ولكن لماذا في نيقوسيا؟ لدينا بلديّة في لارنكا» يسأل الموظفون باستياء. وهكذا كان، اعتمدنا خيار الفندق.
انطلقنا باكراً، احتياطاً لازدحام السيّر، لكنه لم يكن بهذا السوء. لذلك، وصلنا إلى البلديّة قبل الموعد المحدّد. ملأنا الأوراق اللازمة خلال عشر دقائق، ودُفع المبلغ في المصرف القبرصي المقابل للبلديّة ودخلنا القاعة حيث كان في انتظارنا القاضي نيكوس، وهو الذي سيعقد قراننا. قرأ علينا التزامات أحدنا تجاه الآخر، ثم وقعنا الوثائق وحصلنا على النسخة المصدّقة من البلديّة. احتاجت هذه العمليّة كلها إلى نحو نصف ساعة. توجهنا إلى وزارة الخارجيّة القبرصيّة التي تبعد مئات الأمتار عن البلديّة. لا يحتاج المرء إلّا إلى مبلغ يقلّ عن 2 يورو لتصديق كلّ ورقة في وزارة الخارجيّة، ولا ينتظر إلّا دقائق معدودة. بعدها توجهنا إلى السفارة اللبنانيّة، التي تقع في المنطقة عينها. هناك يطول الانتظار، وتحضر فوراً صورة الإدارات الرسميّة اللبنانيّة. نملأ الأوراق. ندفع 16 يورو. لا يحتاج الزوجان إلى أن يترجما الأوراق الصادرة عن بلديّة نيقوسيا، إذ إن تسجيل الزواج في لبنان يجري عبر السفارة اللبنانيّة التي تُرسل بدورها الملف إلى وزارة الداخليّة في بيروت. بعدما انتهينا من السفارة اللبنانيّة، جلنا في عاصمة قبرص، وزرنا الجانب التركي من المدينة. لا تتبدّل الصورة كثيراً في الشارع التجاري للجزء التركي من نيقوسيا؛ سوى أن الليرة التركيّة تُصبح متداولة، فضلاً عن وجود تماثيل للزعيم التركي كمال أتاتورك. في الجزأين القبرصيين، اليوناني والتركي، انتشار لجيشي البلدين منذ عام 1974. تفصل بين المنطقتين قوّات دوليّة. لكن الزائر لا يُلاحظ هذا الوجود إلّا عند البحث عنه. كذلك إن العديد من القبارصة اليونانيين لا يُحمّلون القبارصة الأتراك مسؤوليّة ما حصل، بل الولايات المتحدة في الدرجة الأولى، ثم تركيا.
هكذا، كانت كلفة الزواج مع النقل 465 يورو، بدل دفع مبلغ يصل إلى نحو 1000 يورو. ومن يُراقب إعلانات وكالات السفر، يظهر أن معظم العروض التي تتضمّن منامة ليوم واحد إلى جانب إتمام إجراءات الزواج لا تقل عن 2000 دولار أميركي. بينما كانت الكلفة بالنسبة إلينا على النحو الآتي: 400 دولار بدل السفر، و95 يورو بدل غرفة في فندق أربع نجوم ونصف إلى جانب 465 يورو كلفة الزواج، ما يعني 1225 دولاراً لا أكثر.
ويُمكن الراغب أن يعتمد على وسائل النقل العام المتوافرة على نحو منظّم، بحيث تنخفض كلفة النقل من 120 يورو للشخصين إلى حدود 15 يورو، بكلّ بساطة.
قد يظن واحدنا أن كلفة المعيشة في الجزيرة مرتفعة جداً. وللنظرة الأولى هي مرتفعة. لكن لحظة فهم منظومة النقل العام، يتبيّن أن الكلفة أقلّ كثيراً من التنقّل داخل لبنان. فالكلفة الأساسيّة للسياحة في قبرص هي النقل، إذ إن أسعار سيّارات الأجرة الخاصّة مرتفعة جداً، مثل أي دولة أوروبيّة. لكن النقل العام متوافر على شكل باصات مكيّفة ولديها خط سير واضح ومنتظم، يصل من خلاله المرء إلى أي شبرٍ من الجزيرة. إلى جانب الباص، هناك ما يُسمّى في قبرص Taxi Service، وهو يُشبه سيّارات الأجرة في لبنان، أي التشارك مع زبائن آخرين في سيّارةٍ واحدة. وتعمل هذه المنظومة بنحو رئيسي بين المدن، لا داخل المدينة الواحدة.
أمّا كلفة الاتصالات فهي متدنيّة جداً. ويُمكن شراء رقم قبرصي بقيمة 12.5 يورو، وهو سيسمح بنحو 30 دقيقة اتصال دوليّة، إضافةً إلى عشرات الاتصالات داخل قبرص والرسائل النصيّة داخلاً وخارجاً في هذا البلد الذي انضمّ إلى الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004.
بمقارنة أسعار الأكل والمشرب في كلّ من لبنان وقبرص، يظهر أن التكلفة في لبنان تكاد تكون أغلى بنسبةٍ بسيطة. لكن المميّز أن جميع المطاعم والمقاهي تضع لائحة الأسعار الخاصّة بها أمام مدخلها وباللغتيْن اليونانيّة والإنكليزيّة.
يسأل كثيرون عن أسعار الفنادق. في قبرص، كما في أي دولة في العالم، فنادق متعددة النجوم. ولكن حذار! عندما يُخبرك أحد أن هذا الفندق أو ذاك يملك شاطئاً، فهو يبيعك كلاماً في الهواء. في قبرص كلّ الشواطئ شواطئ «سان بلاش». ويُمكن أي سائحٍ أو مواطنٍ أن يتمدّد إلى جانبك على الشاطئ عينه، وأنت تظنّ أنك تملك امتيازاً عن غيرك دفعت ثمنه. الشواطئ في قبرص كلها ملكٌ عام. والملك العام لا يحق لأحد مصادرته. وعند التوجه إلى شاطئ، يدفع الزائر 2 أو 3 يورو ليستأجر شمسيّة وكرسياً والشواطئ، بالمناسبة، نظيفة جداً.
من هنا، لا ميزة لفندق على آخر إلّا بالسعة والترف، مثل وجود ملاعب للتنس وللسكواش في الفنادق الفخمة ومراكز تجميل وعناية بالبشرة وغيرها من الخدمات الإضافيّة، مما لا يتوافر بالمجان. ويمكن الحصول على غرفة لشخصين في فندق جيّد بلارنكا لجهة معايير الخدمة والنظافة بمبلغ 50 يورو.
الغالبيّة تعرف عن مميزات الشواطئ القبرصيّة. تتردّد على شفاههم أسماء ليماسول ولارنكا وأيانابا وبافوس مدناً لا بد من زيارتها؛ لأنها تحوي شواطئ جميلة. بالطبع لكلّ مدينة من هذه طابعها وشاطئها، لكن يُمكن القول إن هناك قواسم مشتركة كثيرة بينها. في لارنكا، الشاطئ رمليٌ وجميل، لكن للأمانة، إن شاطئ مدينة صور الرملي يُعدّ أفضل من شاطئ لارنكا.
ما لا يُذكر عادةً على ألسن السيّاح اللبنانيين ووكالات السياحة والسفر اللبنانيّة هو أماكن أخرى يُفترض زيارتها. البداية تكون مع أعلى نقطة في الجزيرة، وهي بارتفاع 2000 متر عن سطح البحر. تُسمّى هذه المنطقة «ترودوس» (Trodoos)، حيث يُمكن زيارة غابة الأرز الكبيرة هناك مشياً أو بالدراجات الهوائيّة المخصصة للجبال أو على الأحصنة والحمير. وعلى المرء أن يتزوّد بملابس شتويّة عند زيارته هذه المنطقة بسبب إمكان هطل الأمطار حتى في فصل الصيف، ومن المفيد متابعة الأرصاد الجويّة قبل زيارتها.
يحوي هذا الجبل العديد من القرى القديمة يُمكن فيها مشاهدة البيوت القبرصيّة القديمة الوادعة في حضن الجبل. ويُمكن الوصول إليها عبر ركوب الباص من العاصمة نيقوسيا. عندما أردنا زيارتها، وكنّا موجودين في لارنكا، قيل لنا إن الكلفة 250 يورو. لكن التوجّه بالنقل العام ــــ ولم نكن قد أمضينا في قبرص سوى ثلاثة أيّام ــــ أتاح لنا زيارة بلدة صغيرة تُدعى كابوبتريا، حيث فيها صخرة معلّقة (تقول الأسطورة في قبرص إن عروسين وقعت عليهما هذه الصخرة وقتلتهما قبل مئات السنين، ومن حينها يُقيم عرسان المنطقة مراسم الزواج عند هذه الصخرة لمباركتهم)؛ وتوجهنا من هذه البلدة إلى ترودوس وعدنا إلى لارنكا عبر نيقوسيا بكلفةٍ لم تتجاوز خمسة وأربعين يورو.
كذلك يجب زيارة الكنائس الملوّنة، وهي عشر، موجودة في جبل ترودوس وتعود إلى العهد البيزنطي، وقد صنفتها الأونيسكو من التراث العالمي. تنتشر هذه الكنائس بين غيرها من الكنائس المتشابهة في الشكل الخارجي، لكن لحظة دخول كل واحدة من الكنائس العشر يدخل المرء إلى عالم آخر. فمهمّة الرسوم كانت تصوير حياة المسيح وشرح الإنجيل لأهالي المنطقة في العهد البيزنطي، على طريقة الرسوم التصويريّة، لأن الأهالي كانوا في معظمهم أميين. وقد نجت هذه الكنائس من «البطش العثماني» كما يقول القبارصة، بسبب وجودها في أعالي الجبال.
أمّا «Gorge Avakas»، وهي عبارة عن شقوق كبيرة في الجبال بمنطقة أكامس في شمال بافوس، فلا مفرّ للوصول إليها من تسلّقها عبر ممر مائي ضيّق إلى الهضاب التي تحوي هذه الشقوق. وهي منطقة موحشة، لذا من الأفضل زيارتها نهاراً. وفي المنطقة عينها يقع رأس أكامس، وهو أرض لا تزال عذراء ولا مسابح فيها، فهي لا تزال على طبيعتها.



افعل

ــ اشرب البيرة القبرصيّة Ceo، لا الأنواع المستوردة، لطعمها اللذيذ ولأنها تُعطي عنك لمضيفك انطباعاً جيداً.
ــ تناول الطعام القبرصي التقليدي، وخصوصاً الـ Tavas والـ Mousaka.
ــ الابتسامة كافية لتسهيل الكثير من الأمور، فالقبارصة ودودون جداً.
ــ مارس الألعاب البحريّة المنتشرة بكثافة بأسعار متدنيّة.
ــ صدّقْ أحوال الطقس القبرصيّة.
ــ قم بزيارة العاصمة نيقوسيا والانتقال منها إلى قبرص التركيّة.
ــ اسأل قدر الإمكان، فالناس هناك مستعدون للمساعدة.
ــ التنقّل بسيّارة مستأجرة أمر سهل بسبب كثافة انتشار اللافتات التوضيحيّة.
ـ ثق بسائقي الأجرة وبنصائحهم، وخصوصاً عندما يُشيرون عليك بتأجيل موعد الزيارة إلى مكان ما، لكن لا تقبل إلّا بتشغيل العداد في السيّارة.
ــ تحقق من المواقع الإلكترونيّة الرسميّة التابعة للهيئات السياحيّة قبل الذهاب إلى قبرص، لأن هناك العديد من المهرجانات الصيفيّة.

لا تفعل

ــ لا تطلب قهوة تركيّة. عندهم هي قهوة قبرصيّة، رغم أننا نعرفها بالتركيّة. وإذا طلبت القهوة القبرصيّة على سبيل التجربة، وتبيّن لك أنها تركيّة، فلا تُشر للأمر أمام القبارصة؛ لأن ذلك سيجلب لك التأنيب.
ــ لا تقم بأي حجز مسبق للتاكسي من المطار إلى الفندق وبالعكس، فهو أغلى، وقد تقبع في المطار أو في الفندق بانتظار سائق لن يظهر.
ــ لا تنسَ وضع إشارة «عدم الإزعاج» خارج الغرفة؛ لأن غيابها يعني أن موظفي خدمة الغرف يقفزون إلى الغرفة بعد نقرةٍ واحدة على الباب.
ــ احذر العنصريّة المتزايدة تجاه العرب والأفارقة. والعنصريّة تجاه العرب نشأت بسبب وجود تكاثر من اللاجئين من العراق، فلسطينيين وعراقيين.
ــ الدوام الرسمي يومي الأربعاء والسبت هو نصف دوام في جميع الدوائر الرسميّة والصيدليّات.
ـ احذر الإسرائيليين المنتشرين في الجزيرة، والراغبين في محاورتك إذا اكتشفوا أنك لبناني.