حين حاصرت مجموعة مهتاجة سينما «أفريكارت» في تونس، قبل أن تحطّم واجهتها وتعتدي على مديرها، كانت صفحة جديدة تبدأ في تاريخ البلد الذي أعلن «الربيع العربي». الصالة التي تحوّلت جيباً للمقاومة الثقافيّة أيّام الديكتاتور، احتضنت الأحد الماضي تظاهرة للدفاع عن حريّة المبدعين، وبرمجت فيلماً لناديا الفاني يحيل عنوانه إلى باكونين: «لا ربّي، لا سيدي».
وإذا بالغوغاء تهاجم المكان الذي يجسّد حلم الحبيب بلهادي بفضاء يحمي الإبداع، في زمن التصحّر الثقافي وخواء الروح. وهذا الخواء تحديداً، هو الذي دفع بشبان مسلحين بالهراوات والغاز والأعلام السود، معبّئين حقداً وتعصّباً وفكراً أحاديّاً، إلى ضرب رفيق درب الفاضل الجعايبي وجليلة بكّار، وترويع الجمهور، وتهديد «الضالين» بالذبح، ما يعيد إلى الأذهان الشبح الكريه لتسعينيات الجزائر. نعم، الطريق إلى الديموقراطيّة، والمجتمع المدني، ودولة العدالة والقانون التي تضمن حقّ الاختلاف والتعبير، محفوفة بالمخاطر. نذكر جيّداً كيف تضامن بعض العلمانيين، خلال العقد الماضي، مع مناضلين إسلاميين تمرّدوا على بطش بن علي. تلك الخطوة الشجاعة والنزيهة حينذاك، كرّست ما نسميه اليوم التعددية السياسيّة في تونس. لكن الفئات الهوجاء الجديدة التي نتساءل من يحرّكها ويغسل دماغها، وبأي هدف سياسي، لا تندرج في هذا السياق. لا بد من مواجهتها بالحوار دائماً، لكن بالحزم أيضاً، وتلك مسؤولية السلطة التي فشلت في امتحان «غزوة الأفريكا». ليصبح 26 يونيو يوماً وطنيّاً للحريّة في بلد الطاهر حدّاد، حيث يقترح الكاتب يوسف الصديق إلغاء الدين من مكوّنات الدولة، لصالح الهويّة العربيّة.